كورونا والأمم المتحدة

قراءة سريعة لمستوى مقاربة الأمم المتحدة لوسائل مواجهة تفشي الوباء والإسهام في إيجاد اللقاحات المناسبة له، تظهر عدم وجود روح المسؤولية خصوصا لدى الدول الكبرى.

ثمة العديد من الأهداف والغايات التي أنشئت من اجلها الأمم المتحدة، ومن بينها الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وتنمية العلاقات الودية بين الدول. وفي واقع الأمر شكلت انطلاقتها بعد الحرب العالمية الثانية منعطفا أساسيا في حياة البشرية. واليوم تسبب وباء فيروس كورونا بتحديات دولية كثيرة ومن بينها الأمم المتحدة كمنظمة دولية لمواجهة هذا الوباء، فهل ستتمكن من ذلك أم ستضاف جهودها المتواضعة إلى جملة الأسباب التي تسببت بعدم فاعلية عملها؟

في المبدأ ينبغي أن يكون مجلس الأمن جاهزا للتحرك عند تهديد الأمن والسلم الدوليين  للخطر، لكن وعلى الرغم من اعتبار منظمة الصحة العالمية هذا الفايروس على انه وباء عالمي وبالتالي يعتبر تهديدا للبشرية جمعاء، لم يدع مجلس الأمن إلى الانعقاد إلا بعد شهرين من انتشار الوباء على مستوى واسع وبشكل مخيف، والأغرب من ذلك أن الاجتماع الذي عُقد لم تسهم الدول الكبرى دائمة العضوية في دعوة المجلس،وهي الدول الفاعلة في تسيير قراراته بشكل عام. ومرد ذلك إلى الخلافات والانقسامات بين الدول الدائمة العضوية على مسودة بيان تحفظت الصين وإفريقيا الجنوبية عليه وطالبت موسكو بتعديلات جوهرية عليه.

ويبدو أن أساس الخلاف على المسودة انطلقت من خلفيات سياسية لا صحية، على قاعدة معارضة الولايات المتحدة على سبيل المثال برفع العقوبات المفروضة على بعض الدول بهدف المساعدة في تخطي مكافحة الوباء والذي تقود هذا التوجه كل من روسيا والصين، وهو أمر استدعى اتصالات دبلوماسية على هامش الاجتماعات والذي لم يتوصل إلى نتائج محددة حول هذا الموضوع.

وفي موازاة ذلك، لم تكن منظمة الصحة العالمية بأحسن حال، وهي الوكالة الدولية في إطار الأمم المتحدة المسؤول المباشر عن مكافحة الأوبئة والحد من انتشارها، فقد اكتفت بتوصيف وتصنيف الفايروس ووعدت بإيفاد لجان طبية إلى بعض الدول ومن بينها تحديدا إلى الصين في الوقت الذي تتصاعد الاتهامات عن مسؤوليتها في انتشار الفايروس في مختلف دول العالم.

إن قراءة سريعة لمستوى مقاربة الأمم المتحدة لوسائل مواجهة تفشي الوباء والإسهام في إيجاد اللقاحات المناسبة له، يظهر عدم وجود روح المسؤولية لدى الدول الكبرى تحديدا، بخاصة أن جميعها كانت معنية بالموضوع ومتضررة بشكل أساسي من انتشاره، وبالتالي افتراض وجود الحوافز لتسريع العمل. كما يلاحظ تأثر آليات عمل أجهزة الأمم المتحدة بمستوى الخلافات فيما بينها وعدم اتفاقها على حد ادني من التعاون في وقت انتشر الفايروس في دولها بشكل مرعب.

إن إحدى عوامل جدوى عمل الأمم المتحدة وفاعليته ينطلق من تفاهم وتعاون الدول المؤثرة فيها، وهو أمر لم يكن متوفرا، حتى أن بعض المواقف والرؤى كانت متضادة وتثير شكوكا كبيرة لجهة التوصل لعمل جماعي كما يفترضه العمل المتكامل للأمم المتحدة، وعليه ستشكل هذه الظاهرة مؤشرات سلبية جدا حول ضرورات عمل المنظمة الدولية وصولا إلى طرح جدوى وجودها في ظل المتغيرات الدولية التي أرساها الوباء.

لم يسبق أن تعرضت الأمم المتحدة لهذا المستوى من الضغوط منذ قيامها، فعلى الرغم من الأزمات الدولية لتي رافقت عملها، لم يمر وباء بهذا الحجم من الخطورة ومن مستوى التفشي والإصابات، ورغم أنها سبقت وسجلت العديد من سياقات العمل المتقدمة تجاه أمراض وأوبئة انتشرت سابقا في غير مكان من العالم، إلا أنها لم تتمكن هذه المرة من تقديم الحد الأدنى المعقول لإمكانية تجاوز الأزمة، والحد من تداعياتها. كما أن الأمر لن يقتصر على ذلك، بل سينسحب الأمر على آليات عمل المنظمات الإقليمية البارزة، ومن بيمها على سبيل المثال لا الحصر الاتحاد الأوروبي الذي باتت معالم تفككه ووهنه بدأت بالظهور ويشكل متسارع.