كورونا والفصل السابع في منظمة الصحة العالمية

مثلما السلام لا يترك فقط لمجلس الأمن، لا يمكن ان تترك الصحة بالمطلق لمنظمة الصحة العالمية.
لا بد من آليات دولية ملزمة لمواجهة الوباء وتشخيصه وعلاجه
ثمة حاجة ملحة لإعادة ترميم إنسانية البشر قبل ان تصبح أثرا بعد عين
جهود المواجهة ليست مسؤولية دولة بعينها او مسؤولية مؤسسة دولية محددة

من ابرز اهداف وغايات الأمم المتحدة حفظ الامن والسلم الدوليين وتوثيق العلاقات الودية بين الدول والشعوب، ومن جوهر هذه الاهداف أيضا إبعاد كأس الحروب عن البشرية وبالتالي الحفاظ على كرامة الانسان وحقه في الحياة، ولمأسسة هذه الاهداف أنشئت الوكالات الدولية المتخصصة ومن بينها منظمة الصحة العالمية التي تعتبر المسؤولة الرئيسة عن متابعة ما يتعلق بالصحة العالمية ومن بينها الامراض والأوبئة. وقد وُضِعَ لها دستور خاص حدّد وسائل عملها والآليات التنفيذية لتحقيق أهدافها وغاياتها.

صحيح ان المنظمة تمكنت خلال العقود السبعة الماضية من انجاز الكثير من الملفات الصحية، وتمكنت من تجاوز العديد من العقبات التي تحبط من عملها رغم الإمكانات والصلاحيات الممنوحة لها على المستوى الدولي، الا ان ما تواجهه اليوم يتطلب بيئة عمل مختلفة كليا بالنظر لما تواجهه حاليا من تحديات انتشار فيروس كورونا وسلالاته المتجددة.

ثمة ارقام صادمة لجهة انتشار الفايروس ونسب المتوفين فيه، وبحسب الإحصاءات الأخيرة لمنظمة الصحة العالمية بلغ عدد المصابين 81362561 شخصا فيما وصل عدد الوفيات الى 1776572 وهي ارقام يمكن التوقف عندها، سيما وأن الدول المتقدمة كالولايات المتحدة وفرنسا وروسيا وبريطانيا تحصد الأرقام الأولى في عدد الإصابات والوفيات، رغم الإمكانات الموضوعة للمواجهة، ما يدلل على ان ثمة ضرورة قصوى لاستيلاد وسائل أكثر حجما لمواجهة الوباء، وبخاصة ان سلالات جديدة بدأت في الانتشار وسط تأكيدات ان هذه السلالات اسرع انتشارا وربما تكون اكثر فتكا.

وبالنظر للوقائع والمعطيات الصادمة، بات يتطلب الأمر توجها مختلفا وفي طليعته إيجاد آليات دولية ملزمة لكل ما يحيط بالوباء لجهة مواجهته وتشخيصه وعلاجه، على ان يجري العمل على تطوير وسائل عمل منظمة الصحة العلمية واعطائها صلاحيات استثنائية تنفيذية من مستوى صلاحيات مجلس الامن في الفصل السابع على صعيد المثال لا الحصر.

ثمة مبررات واقعية وعملية لهذا الطرح، وهو الحفاظ على الجنس البشري على كوكبنا، فالوباء اذا استمر بهذا الحجم من الانتشار والفتك، سيقضي على البشرية في أوقات قياسية مقارنة بأوبئة سابقة ضربت الجنس البشري في القرون الماضية. فنوع الوباء وحجمه وتداعياته يتطلب جهودا دولية مجتمعة، بدءا من التقصي والتحقيق الجدي عن مركز انطلاقه والاجابة عن الأسئلة المتصلة لجهة العمل ان كان مفتعلا ام لا، وبالتالي تحميل المسؤولية الجزائية الدولية للطرف المسؤول، علاوة على إيجاد البيئة العلمية الدولية لمتابعة الابحاث لإيجاد اللقاحات والعمل على ان لا يكون تجاريا، بحيث تستطيع كافة شعوب العالم من الحصول عليه بيسر.

ربما ثمة من يعتبر هذه الطروح طوباوية غير قابلة للتنفيذ عمليا، الا ان حجم المأساة البشرية التي ستقع بها قريبا تستلزم العمل على هذا التحدّي، فمن الواضح وفي مقاربة بسيطة جدا لحجم الارقام التي حصدتها الأوبئة خلال القرون الأربعة الماضية تفوق بأعدادها اضعاف الاعداد التي حصدتها الحروب الإقليمية والعالمية، وهي مرشحة للازدياد والتسارع؛ وبالتالي ان جهود المواجهة ليست مسؤولية دولة بعينها او مسؤولية مؤسسة دولية محددة، انما ينبغي ان يكون عالميا وذات طابع انساني رفيع المستوى. فالأمر يتعلق بالبشرية وميزتها الرئيسة الإنسانية، وهي ليست متعلقة لا بدولة ولا بنظام سياسي ولا بعرق او دين او قومية، من هنا تأتي هذه الخاصية العالمية في المواجهة.

وثمة من يقول أيضا ان تجربة الاتكال على مجلس الامن لحماية سلام البشرية لم تكن مشجعة تماما، وبالتالي العمل على انشاء او تعديل صلاحيات وعمل منظمة الصحة العالمية امر غير واقعي، الا ان التدقيق في الأسباب الموجبة وما يحيط بها يؤكد الحاجة لمثل تلك المقترحات؛ وما يعزز ذلك ازدياد منسوب الاقتناع بأن ما يجري اليوم هو حرب بيولوجية عالمية تُخاض بين قوى لم تعد للإنسانية مكان في عقولها وسلوكها وبالتأكيد في قلوبها. ثمة حاجة ملحة لإعادة ترميم إنسانية البشر قبل ان تصبح أثرا بعد عين.