كورونا ومجلس الأمن الصحي العالمي

خذلتنا منظمة الصحة العالمية. لعل الوقت قد حان للبحث عن بديل.

لم يعد فايروس كورونا يشكل وباءً عابرا للدول، بقدر ما هو إرهاب من نوع جديد، يستلزم جهودا دولية من نوع مختلف عما سبق خلال الفترة الماضية لاسيما وان رئيس منظمة الصحة العالمية اعتبر الوباء غير عارض وعلى الدول والمجتمعات التحضّر للعيش في ظله لآجال طويلة. وحتى الساعة تبدو هذه التقديرات جدية وليس مبالغ فيها، باعتبار ان الوباء وان تمَّ احتواءه في بعض الدول، الا ان واقع الأمر مختلف تماما، اذ ثمة دول تشهد ارتفاعا متصاعدا في عدد الإصابات والوفيات، إضافة الى ان لا معطيات علمية واضحة وجازمة حول الكثير من المعلومات المتداولة لجهة فترة حضانة المرض او اللقاحات المقترحة، وبالتالي ثمة أسباب موجبة للتعامل مع الوباء على انه إرهاب عابر للمجتمعات والبشرية جمعاء وليس للدول فحسب.

لقد تعاملت الأمم المتحدة وبخاصة مجلس الامن في العقدين المنصرمين مع قضايا الإرهاب بكثير من المتابعة اللصيقة بصرف النظر عن فعالية المعالجة، وأصدرت اعلانات وقرارات تحت الفصل السابع باعتباره يهدد الامن والسلم الدوليين، فيما لم يلحظ التعامل كما يجب مع الوباء الحالي كما يفترض. فبمقارنة بسيطة مع ضحايا الإرهاب المعروف والضحايا المرتقبة للوباء تظهر خطورة الوباء بأضعاف المرات، وثمة تقديرات الى انه سيحصد مئات الملايين حول العالم، وهناك احتمالات ممتدة لا نهاية لها للقضايا المتصلة به انتشارا ووفيات. وعليه وبكلام موثق من قبل رئيس منظمة الصحة العالمية، انه وباء ممتد وبالتالي ينبغي العمل لمواجهته بشكل غير تقليدي.

فكما شكلت قضايا حقوق الانسان مستندا قويا لإطلاق شرعة حقوق الانسان، ثمة ضرورة قصوى لاعتبار الوباء الحالي يشكل خطرا مباشرا على مصير البشرية وإمكانية فنائها ان لم تكن هناك مواجهة دولية جماعية. فالمؤكد حتى الآن لم تتمكن حتى الدول الغنية والمتقدمة على مواجهته بل الغريب ان هذه الدول كانت الأكثر تأثرا وتضررا على الصعيدين البشري والمادي مقارنة بدول متواضعة الامكانات.

اليوم يتطلب مكافحة الوباء إمكانات علمية ومادية وخبرات علمية وعملية كبيرة، إضافة الى تضافر جهود المجتمع الدولي للتعامل معه باعتباره إرهاب جرثومي بيولوجي، وهو في الأساس موصّف في إطار القانون الدولي الإنساني على انه عمل محرّم دوليا ينبغي مواجهته. على ان سبل المواجهة لا تقتصر فقط على مواجهته علميا وعمليا بل ينبغي الانتقال أيضا الى انشاء لجان تحقيق دولية ذات صلاحيات وازنة للبحث والتحرّي عن المسؤول عن نشره ومحاسبته وصولا الى تحمّل مسؤوليات وتداعيات نتائجه.

ما تسبب به الوباء حتى الأن ينذر بعواقب وخيمة، ستكون نتائجه كارثية على المجتمع البشري، وستمتد الاثار والتداعيات الى جوانب متصلة بطبيعة الحياة البشرية بجوانبها الانسانية والمادية، التي ستمتد الى أجيال قائمة، بحيث سيكون من الصعب إعادة ترميم بنيان المجتمعات البشرية بالطرق التقليدية المتعارف عليها.

ربما لم تعد منظمة الصحة العالمية بطرق عملها الحالية قادرة على تقديم حلول عملية سريعة، الامر الذي يستدعي ضرورة البحث عن جهاز تنفيذي قادر على ابتداع الحلول العملية بالسرعة المفترضة. اقله التوصل الى انشاء مجلس امن صحي قادر على فرض وسائل مواجهة الوباء، ويكون قادر أيضا على كشف من يقف وراء الوباء ومواجهة من نشره وتحميله مسؤوليات ذلك.

ربما ثمة من يعتبر ذلك ضربا من ضروب الخيال في هذه الظروف الدولية المعقدة. لكن التدقيق في مستقبل الأوضاع الراهنة يجعلنا أكثر جدية واصرارا على البحث عن الوسائل ذات الطابع القسري، وهي دروب سلكتها المجتمعات والدول في الحالات الاستثنائية التي مرّت بها