لاجئ أبدي أم مواطن مؤجل

من غير البيت لن يكون هناك معنى للوطن. هل تخطط سوريا لإقامة مخيمات للنازحين من مواطنيها داخل أراضيها، تشرف عليها الدولة؟

أن تستعيد سوريا مواطنيها النازحين، ذلك مشروع إنساني عظيم.

اتمنى أن لا يدخل ذلك الأمر في المزايدات السياسية التي ستزيد من معاناة بشر فقدوا كل شيء. هناك ازمة إنسانية معقدة استمرت أكثر من سبع سنوات يجب أن تنتهي.

اما السياسة فإن مجالها هو في مكان آخر.

أولئك النازحون ليسوا سياسيين وإن أحكمت السياسة طوقها على رقابهم وجرتهم خلفها إلى العراء. لا علاقة لهم بالنظام وهم ليسوا جزءا من المعارضة. بشر اضطرتهم الظروف القاسية وغير الإنسانية إلى مغادرة بيوتهم إلى جهات مجهولة.

الآن وقد زالت تلك الظروف كما تقول روسيا صار لزاما على الدولة السورية أن تسمح وترحب بعودتهم إلى بيوتهم التي لن يجدوها.

في تلك الحالة لن تكتمل الدورة. فالنازح لن يعود إلى بيته الذي لم يعد موجودا. من غير البيت لن يكون هناك معنى للوطن. فهل تخطط سوريا لإقامة مخيمات للنازحين من مواطنيها داخل أراضيها، تشرف عليها الدولة؟

أعتقد أن الخفة مطلوبة. كان السوريون ثقيلين على لبنان. سيكونون أخف في بلادهم. تسر هذه الفكرة لبنان كما تريح روسيا ولن تزعج الدولة السورية. غير أنها لن تكون مبعث اطمئنان بالنسبة للعائدين من مخيمات النزوح الذين سينتقلون إلى مخيمات نزوح داخل وطنهم، على افتراض وجود تلك المخيمات التي قد يستغرق إنشاؤها زمنا طويلا. 

هناك فرق ما بين أن يكون المرء نازحا خارج وطنه وبين أن يكون نازحا داخل وطنه. الحالة الأولى طبيعية في ظروف غير طبيعية اما الحالة الثانية فإنها شاذة في الظروف الطبيعية.

خارج وطنه يقبل النازح بخيمة. اما في وطنه فإنه يتلفت باحثا عن جدران البيت. سريره الذي ترك عليه أحلامه. مطبخه الذي يعج برائحة أطعمته المفضلة. حَمَامه الذي لا تزال صورته عالقة بمرآته. حديقته المنزلية الصغيرة التي يحن إلى عصافير صباحها. لن يوقظه الديك من نومه لينهي كابوس عزلته عن بلاد، نفته وها هي تستقبله منفيا.

ليس من العسير في بلادنا أن تتحول المواطنة إلى كابوس.

تبدو المسافة بين ما هو سياسي وما هو إنساني مليئة بالعقبات.

لا تتعلق المسألة بحق الدولة السورية باستعادة مواطنيها، بقدر ما تتعلق بحق أولئك المواطنين على الدولة في أن تنهي معاناة نزوحهم عن طريق محو القوسين اللذين يحيطان بمفهوم (مواطن).
فلا يستقيم أن يكون المواطن نازحا في وطنه. فإما أن يكون المرء مواطنا وإما أن يكون نازحا. الخلط بين المفهومين هو ضرب من العبث بالقيم الإنسانية التي يجب استرجاعها بعد أن علقتها الحرب.

يصعب علي القول إن النازح تكيف مع حياة النزوح. غير أنه يفضل أن يستمر نازحا في منفاه الاضطراري على أن يكون مضطرا أن يكون نازحا في وطن، لم يعد قادرا على أن يلتفت إليه إلا باعتباره جزءا من آثار الحرب التي تشكل متحفا في الهواء الطلق.
النازحون إن عادوا إلى سوريا في غياب مشروع الاعمار لن يكونوا سوى كائنات متحفية.

 ولكن روسيا صارت تدعو بقوة إلى طي ملف النازحين واللاجئين السوريين لأسباب سياسية واضحة. فهي تسعى إلى تطبيع الأوضاع داخل سوريا إضافة إلى سد الطريق على محاولات استعمال ورقة النازحين واللاجئين ضد الدولة السورية في المستقبل كما حدث مع العراق في وقت سابق.

طبعا في إمكان روسيا أن تضغط في اتجاه إعادة النازحين واللاجئين السوريين إلى بلدهم غير أن ما سيترتب على تلك الخطوة سيكون أكثر تعقيدا من أن تضطلع روسيا وحدها بابتكار الحلول المناسبة له.

فالخراب اللامرئي الذي ضرب سوريا هو أكبر من الخراب المرئي.

لقد غيرت الحرب مفاهيم كثيرة كما فتحت أعين السوريين على حقائق، كانوا غافلين عنها في زمن القناعة بحكم الحزب القائد.

صحيح أنهم اليوم يحلمون بأن يعيد إليهم السلام ما أخذته الحرب، غير أنهم عبر سنوات معاناتهم القاسية تعلموا دروسا في المواطنة لن تتسع لها سوريا في صيغتها الحالية.      

يفضل السوري اليوم أن يبقى لاجئا على أن يعود إلى سابق سيرته مواطنا مؤجلا.