لبنان والإدارة الأميركية الديموقراطية

لبنان بلد اعتاد على الأزمات. الأزمة الحالية قد تكون الأسوأ.
لبنان بات ورقة تُستثمر في إدارة أزمات إقليمية كبرى
لبنان سيشهد ضغوطا كبيرة في ملف التفاوض مع إسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية في عهد الديموقراطيين

يرقد لبنان حاليا في عين العاصفة وسط ظروف داخلية وإقليمية ودولية فيها كل المعطيات والوقائع التي تشي بغيوم سوداء تتلبد فوقه، وهي ظروف خطرة وصفها كثيرون، بأنها تهدد الكيان ووجوده. وبصرف النظر عن دقة التوصيف من عدمه، ثمة وقائع ومعطيات لا تقل خطورة عن ظروف عصيبة مرَّ بها سابقا، وتمكّن من تجاوزها والخروج منها بخسائر مختلفة، فيما ظروف اليوم مختلفة وتشكل تحديا بالغ الخطورة على مستقبله. فهل ستشكل هذه الصورة جزءا من سياسة الإدارة الديموقراطية تجاه لبنان ام ستكون مختلفة عن سابقتها الجمهورية؟

في المبدأ يخضع لبنان كغيره من الكيانات في موقع محدد في سلم الاولويات الاميركية، ويختلف هذا الموقع باختلاف الدور الذي يلعبه او بشكل ادق الدور الذي يُرسم له، ولبنان الذي سجّل دورا وموقعا محوريا في سياساتها الخارجية ابان حقبة الخمسينيات والستينيات حتى اندلاع الحرب الاهلية منتصف السبعينيات ذلك بعد اخراج فرنسا من الشرق الأوسط في العام 1956، ووضع لبنان في الدائرة المركزية لسياساتها الشرق أوسطية، حيث شكلت العاصمة بيروت القيادة الدبلوماسية للسفارات الاميركية في الشرق الأوسط.

فقد لبنان دوره منذ ثمانينيات القرن الماضي ولم يُلاحظ أي تمييز له في كلتا الادارات الجمهورية او الديموقراطية المتعاقبة، وبات جزءا من ملفات المنطقة الساخنة، بل في أحيان كثيرة ورقة تُستثمر في إدارة أزمات إقليمية كبرى، وقد تعاقب كل من الديموقراطيين والجمهوريين على إدارة هذا الوضع، لاسيما وان لبنان لا يمتلك مقومات التأثير لجهة الرفض او القبول. واليوم ينسحب الامر عينه مع الإدارة الديموقراطية كما يبدو، بل ثمة مؤشرات تشي بمزيد من الضغوط التي يمكن ان تصل لمستويات امنية او عسكرية كما يُشاع.

في الفترة السابقة وبعد انفجار مرفأ بيروت، سلّمت واشنطن نسبيا إدارة الازمة اللبنانية لباريس، لكن في ظل مراقبة شديدة، وللعديد من الظروف اللبنانية وغيرها لم تتمكن باريس من انجاز شيء ما، ما أعاد الملف برمته على ما يبدو للإدارة الأميركية وهو امر مؤكد ومحسوم في الأساس. لكن هذه الاعادة لا تعني بالضرورة، ان ثمة حلولا سحرية اميركية للبنان، بل لا يعدو كونه إعادة ترتيب وتموضع، بمعنى ان الوضع اللبناني بمختلف ملفاته سيظل جزءا وتفصيلا من ملفات المنطقة، ومرتبط فيها لجهة العقد او الحل، وهو سياق متعارف ومعتاد عليه لبنانيا، وما يعزز ذلك السياق عدم قدرة باريس أيضا على إحداث متغيرات ذات وزن في طبيعة دورها في المنطقة وبخاصة تجاه لبنان.

سيستلم الديموقراطيون الإدارة الأميركية بملفات بنى عليها وأسسها الجمهوريون خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب، والتي حققت خروق لافتة في الشرق الأوسط، وهي ملفات وسياسات لا يختلف عليها في الأساس كلا الحزبين، بل ان التدقيق يظهر تطابقا واضحا في الاهداف والوسائل التي تتبعها السياسة الخارجية لتنفيذ الاستراتيجيات الكبرى في المنطقة. وعليه لن يكون لبنان جزءا مغايرا او مختلفا عن سياسات الإدارة الجمهورية.

ثمة شائعة غير دقيقة مفادها ان الجمهوريين اكثر تشددا في التعاطي مع المصالح الاميركية الاسرائيلية الاستراتيجية في المنطقة من الديموقراطيين، الا ان الامر مختلف في الكثير من التفاصيل، وغالبا ما تتشدد الإدارة الديموقراطية في معالجاتها للكثير من الملفات، وبالتالي سيشهد لبنان ضغوطا كبيرة في ملف التفاوض مع إسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية التي شهدت تعقيدات كثيرة مؤخرا ومن الممكن ان تطيح بها.

ربما لم يمر لبنان يوما بأزمات كالتي يمر بها حاليا، وهي شديدة الخطورة، وسط ظروف إقليمية اشد تعقيدا، في وقت تتقاطع وتتشابك مصالح كثيرة فيه وحوله، ما يجعله في عين العاصفة التي اذا ما انطلقت سيكون لبنان اول ضحاياها. فيما إمكانات الحلول غير متوفرة نتيجة ازمة الحكم والحكومة والانقسام العامودي داخليا، وسط انهيار اقتصادي اجتماعي غير مسبوقين.