لن ينبعث العراق من رماده إلا بفك ارتباطه بإيران

آخر باب في متاهات العراقيين الكثيرة هو باب السيادة.

من أجل أن يحق للعراقيين الحديث عن سيادة وطنية لا بد من أن يُفك ارتباط العراق بإيران.

ذلك الحق العراقي سيكون في حالة تأجيل، لا لأن نظام آيات الله متشبث بالعراق حسب، بل وأيضا لأن العراق الرسمي من خلال أحزابه وسياسييه وحكومته لا يمكنه الاستغناء عن الوصاية الإيرانية.

وكما هو معروف فإن السياسة ليست مجرد أمنيات. ما يتمناه الشارع العراقي لن يكون بالضرورة مصباحا يقرأ السياسيون العراقيون أوراقهم على ضوئه. أولئك السياسيون صاروا على دراية بأن سقف أحلام العراقيين صار منخفضا إلى درجة تيسرت معها عملية القفز عليه، من غير أن يحتج أحد.

العراقيون اليوم لا يحلمون بدولة ذات سيادة. تلك السيادة هي آخر ما يفكرون فيه. لا معنى للسيادة في مقابل الفقر والجهل والمرض والعزل والتخلف وانقطاع الأمل والتمييز ومحو طبقات وصعود طبقات رثة بديلة.

لأكن صريحا. العراقيون اليوم هم في واد والتفكير في السيادة الوطنية في واد آخر. فإذا ما كانت متاهة الاحتلال الأميركي واحدة فإن العراق دخل عبر الخمسة عشر سنة الماضية متاهات لا حصر لعددها.

لقد نجحت الأحزاب الدينية في تدمير الثوابت الوطنية لدى شرائح كبيرة من العراقيين، اما عن طريق إفسادها أو عن طريق حرمانها من حقوقها مقابل تمتع شرائح طفيلية بتلك الحقوق.

لذلك فإن أي دعوة لفك ارتباط العراق بإيران قد تواجه بصمت شعبي مريب، يكمن سببه في عدم الفهم أو عدم الرغبة في الفهم.

يجهل العراقيون أن التبعية لإيران هي سبب كل تلك الكوارث التي ضربتهم من كل الجهات. وهم حين ينقلون أنظارهم الحائرة بين سياسييهم المتصارعين في ما بينهم فإنهم يتوهمون أن ما يجري لهم انما هو نتيجة لخصومات بين أطراف محلية، لو أنها انتهت لرأوا النور.

لقد تم استبعاد الجانب الوطني من تلك المسألة المصيرية.

لم يعد الشعور الوطني مقياسا في العراق بعد أن تم تدمير الثوابت الوطنية.

وهو ما أدى إلى صعود شخصيات إيرانية الولاء مثل هادي العامري وأبو مهدي المهندس وأكرم الكعبي وقيس الخزعلي إلى مناصب سياسية تؤهلهم لصنع القرار السياسي والاقتصادي وحتى العسكري لأربع سنوات قادمة.

لم يكن العراقيون الذين وهبوا أصواتهم للإرهابيين معنيين بمسألة التبعية لإيران وارتباط العراق بفلك آيات الله. 

اكتسب أولئك الارهابيون من خلال الانتخابات هالة وطنية، لم تكن تخطر في أذهانهم وهم الذين نذروا أنفسهم لخدمة آيات الله في طهران وقم.

مع الصعود السياسي لرموز التخلف الإيراني في العراق يبدو العراقيون كما لو أنهم قرروا بأنفسهم أن يغلقوا باب الأمل. فلا أمل للعراق في النجاة في ظل وجود أكثر من أربعين إرهابيا تابعا لإيران في مجلس نوابه.   

غرق العراقيون في مرحلة ما بعد الانتخابات الأخيرة في مستنقع آسن عنوانه "مَن يتحالف مع مَن؟" وحين فاحت الرائحة تبين أن في إمكان الجميع، جميع الأطراف المتصارعة أن يتحالف بعضها مع البعض الآخر.

لم تعد مسألة فك الارتباط بإيران لتشكل أمرا حساسا في الخلاف بين فريقي مؤيدي ذلك الارتباط ومعارضيه. لقد ظهر الطرفان كما لو أنهما انتصرا على ما كان يخيفهما. لقد تخطيا نقطة الاختلاف من غير أن يصرحا بذلك.
لم يلتفت أحد منهما إلى حالة الذهول التي ضربت منتظري الفرج.

وهو موقف سلبي ينسجم مع طريقة تعامل الأطراف السياسية المتنفذة مع الشعب الذي تنظر إليه من جهة كونه مجموعات قطيعية يمكن أدارتها عن طريق وسطاء هم موقع ثقة من جهة ارتباطهم بعمليات الفساد.

في مثل ذلك الوضع المزري الذي يعيشه العراقيون لا يمكن توقع أن يخرج العراق من الثقب الأسود الإيراني بمجرد أن يتبارى دعاة نزع سلاح الميليشيات في ما بينهم في سباق، لم تكن صدفة أن تشرف عليه إيران بطريقة تؤكد نفوذها المطلق على مصير العراق السياسي.

من أجل أن يفك العراق ارتباطه بإيران فإنه في حاجة إلى ولادة مشروع وطني، لن تكون الأحزاب والكتل السياسية جزءا منه.