ليس دفاعا عن الخنجر.. ولا عن الحلبوسي

يود ساسة الزمن الرديء الآن لو يرمون بناة العراق في بحر الظلمات.

لم ألتق يوما برئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، أو تربطني به صلة قرابة أو وظيفة، لكننا ننتسب الى المحافظة نفسها، من عشائر الدليم، برغم إختلافنا ربما عن منهجه، وبعض تعاملاته مع أهلنا في الأنبار. كما لم ألتق يوما بالشيخ اليعربي الكبير خميس الخنجر رئيس تحالف السيادة، الأمين العام للمشروع العربي، كما هو معروف عنه. لكن الحملة الدعائية المغرضة ضدهما مؤخرا، تجاوزت كل حدود اللياقة، وفاقت كل تصور، ولم يعد للصبر من منزع، كما يقال.

أقول للكتل السياسية الكبيرة التي تحالفت معهما: أنكم ما دمتم أنتم سوية في المعترك السياسي، وتشتركون في تحالف واحد، أطلقتم عليه "تحالف إدارة الدولة"، وما تركتم مناسبة إلا وأشدتم به وبما تم الإتفاق بينكم عليه، وإنكم على إستعداد لتطبيق ورقة التفاوض وكل ما إتفقتم عليه، حتى تؤمنون سيطرتكم الكاملة على مقامات الدولة وكراسيها.. لكننا نلحظ أنه في كل مرة، تركلون من تحالفوا معكم، وتغدرون بهم.. كما غدرتم بهم قبل أربع أو ست سنوات، وقبلها بكثير، ورميتموهم مثل قشرة موز على قارعة الطريق، وكأن من تحالف معكم ليسوا عراقيين، وليس لهم جمهور واسع وكبير، وانتم الرب الأعلى الذي لا ينبغي أن يرفع أحد عينه بوجهه، وأنتم دكتاتورية الأغلبية الغاشمة، التي ليس بمقدور أحد أن ينبري بكلمة أمام مسؤوليها الكبار، أو حتى من بعض صبيان السياسة، أو يطلب منه شيئا، حتى وإن كان صغيرا.. ومن لا يرضى على حكمكم" فليضرب رأسه بأقرب حائط " كما تتصورون.

مطالب الحلبوسي والخنجر، عن جرف الصخر وعن عودة نازحيها، والعفو العام، ليست مطالبهما هم، وهي جميعها لا تقترب من المعجزات، ولا مستحيلة التطبيق، كما يصفها ببعض الببغاوات من طرفكم، وليست شعارات إنتخابية، كما تصورونها في كل مرة، بل هي حقوق عراقية وطنية مشروعة، يعرف تفاصيلها الطفل الصغير قبل الرجل الكبير. وأنتم إعترفتم مؤخرا بحق العودة اليها، وتطبيق ورقة التفاوض بينكم بشأنها، وتعاهدتم عليها، وقد طالب بها كل قادة المناطق المحررة ممن سبقوهم قبل عقد من السنوات، ولكنكم صممتم آذانكم عن مطالبهم، بنفس الطريقة التي تعيدون بها، هذه الأيام، إخراج مسرحياتكم وإسطوانتها المشروخة التي ملت منها الأسماع، حتى وصلت الى مرحلة التقيؤ من كثرة نكوثكم بالعهود والمواثيق، وكأننا عدنا الى زمن الجاهلية أو ما بعدها بقليل.

ربما كان الحلبوسي محقا، حين غادر البرلمان، وعبر عن سخطه من المماطلات والتبريرات والتصعيد السلبي الخطير، الذي أقل ما يقال عنه أنه لا ينم عن رجال دولة، ولا عن أدنى خلق في عالم السياسة، برغم كل العهر الذي ساد في عالمها، وكان هو الطاغي على ممارساتها ومنهجها غير المستقيم.

أما الشيخ خميس الخنجر، فأنتم كلكم تعرفونه، كان الرجل تاجرا في الأردن، وكان يدعم أهله من المحافظات الغربية بكل ما يستطيع من وسائل الدعم، في محاولة منه لإيقاف ثقل التجاوزات على مواطني محافظاته والتعدي على كراماتهم، وصون حقوق أهله وناسه، في المحافظات المنكوبة وهم بالملايين. بل كان كثير منكم أيها الساسة تتمنون لو تلتقون به، في عمان، بالأردن، وكثير منكم ضيفكم هناك وأحسن الرجل ضيافته لكم وأكرم مقامكم، وأنتم كنتم تشهدون بذلك، وهو من دعم القائمة العراقية ونوابها، بلا حدود، وقد أقنعه رجال ساستنا بأن يدخل العملية السياسية، عله يكون بمقدوره، بما يمتلكه من ثروة وعلاقات واسعة مع محيطه العربي، أن يخفف عنهم عبء المصاب.

وتدخلت حتى شخصيات من طرفكم تدعوه للدخول في العملية السياسية، لأن كثيرين منكم رأوا في أمواله وثروته وإستثماراته، ما يسيل لها لعاب الكثيرين الذين يبحثون عن المال، بأي ثمن، حتى لو تخلى البعض عن دينه او مذهبه أو إتجاهه السياسي. فقبل الرجل الدعوات على مضض، ودخل عالم السياسة، رغما عنه، ورحبتم بمقدمه وإستضافته كبار قياداتكم العليا بالأحضان والقبلات، بعد أن وجهت له مختلف التهم، التي يشهد الله أنه بريء منها، ولم يشترك الرجل في أي مهمة تستهدف بلده، بل كل مصرا على دعم كل الجهات التي تريد أن ينهض العراق من كبوته، الى حيث قدر لعراق الحضارة أن يكون.

لكن نبرة، نكث المواثيق والتخلي عن الإلتزامات عادت أكثر من السابق، وإرتفعت وتصاعدت وتيرتها الى درجة مرعبة، وحركتم كل دياجير الفتنة والشر، ضد توجهات الرجل الوطنية العراقية، كونه من أصل ونسب ومنازل رفيعة، يعرفها ملايين العراقيين وخبروا كرم الرجل ومبادراته الكثيرة القاصي والداني.. الكثير من حكامكم، يعرفون تلك المنازل الرفيعة، لكنهم عندما تدلهم الأصوات النشاز يصمتون ويضمون رؤوسهم، وكأنهم هم المتهمون، وهم من سهلوا له مهمة أن يتقلد دهاليز السياسة، وينغمر بين نكث رجالاتها، وكأنه ليس هناك عهد ولا ذمة ولا ضمير أن يردع من ينكث العهود، ولا يعترف بالمواثيق، وكان النكوص عنها، مهمة ثعالب السياسة الماكرين، عندما يتطلب الأمر الإختباء، والركون جانبا، دون أن يعي كبار قادة السلطة، خطورة تلك الحملات الدعائية المغرضة، وبعضها سليط اللسان، وتتجاوز على أبسط كرامات أهل الأنبار ومحافظاتهم المحررة، وتعد خروجا عن أبسط القيم وتعديا وتجاوزا على رموزهم، مهما كانوا، غير مسموح به في كل الأحوال.

وسهولة المطالب التي طالب بها أبناء تلك المحافظات، وبساطتها، أنها على مقربة من بغداد، ببضعة كيلومترات، وهي تبعد كثيرا عن خضرائهم ولا تشكل تهديدا مزعوما لبقية المحافظات، التي يحرص أبناء الغربية على أمنها، مثلما يحرصون على أمن محافظتهم، لكون تحقيق أجواء الإستقرار الشامل والأمن المسستب، تخدم الجميع، غربيهم وووسطهم وجنوبهم وشمالهم، بلا إستثناء.

الحملة التصعيدية الظالمة والمسعورة، وغير المبررة، ضد الحلبوسي والخنجر، إذا كانوا هم يتحملونها فشعب الأنبار وأهل المناطق المحررة، وحتى المعارضين لهم، لن يتحملونها، وهم جميعا، في أقصى حالات الغضب والإستهجان والإستنكار، لحملات الإستهداف الممنهجة ضدهم، ولأن نكث العهود والمواثيق بإستمرار، وفي كل مرة، لا يبقي لعلاقة محترمة، ولو في أبسط أشكالها، ما دام كبار رجالات السياسة لا يحترمون كلمتهم، ولا يعيرون إهتماما للمطالب المشروعة لشعب عانى من الفواجع والنكبات والتشريد والنزوح والقتل والترويع والسجون والمعتقلات السرية والعلنية والملاحقات بمختلف أشكالها، والإعدامات والتغييب القسري، ما يشكل وصمة عار في جبين من يقبل أن يستمر حكم العراق على تلك الشاكلة، التي تفتقد لأي منطق أو عدل او أحكام سماوية أو أرضية، وتغلب عليها لغة الغاب، وليس لغة شعب عريق متسامح، لكل الطوائف والأديان والقوميات والأقليات، وهو يريد أن يودع أحزانه ونكباته، ويفتح صفحة جديدة، يشارك العراقيون فيها جميعا في صنع مستقبل بلدهم وإعادة مؤسسات دولتهم، وإعادة ما تم إغتصابه من حقوق بلا وجه حق أو عذر مشروع.

ولو خرج "جماعتنا" من السلطة، وغادروها حقا، وتركوا كراسيها الحقيرة ومناصبها الفارغة من كل مضمون، لكان لهم ولمحافظاتهم أفضل. كما أن التعامل الفوقي العنصري الطائفي المقيت لم يبق لسموم الحقد والضغينة إلا ونفثوها بوجه من كانوا هم رجالات الدولة، وهم من بنوا العراق لقرون مضت، ولم تبدو منهم أية ملامح أو توجهات لإستهداف طائفة أو مكون أو طيف سياسي، ويود ساسة الزمن الرديء الآن لو يرمونهم في بحر الظلمات، كما يخطط له بعض أتباع الخارج، والموالون له، للأسف الشديد، برغم أن من يوالونهم وينفذون أجندتهم، كانوا أول من تخلى عنهم، عندما تطلبت المصلحة ذلك.. وبخاصة بعد الإتفاق السعودي الإيراني على تطبيع العلاقات بينهما في مختلف المجالات.