ماضي التفاهم اللبناني الاسرائيلي ومستقبله

حرب أوكرانيا حركت جمودا دام عقودا لملف تقاسم الغاز بين لبنان وإسرائيل.

يوقع الجانبان اللبناني والإسرائيلي التفاهم الذي تم التوصل اليه بوساطة أميركية دامت لأكثر من عقد من الزمن قبل نهاية الشهر الحالي، وهو تفاهم لم يكن لينجز لولا عوامل وظروف إقليمية ودولية متصلة بخطوط نفط وغاز تعثرت اثر الحرب الروسية الأوكرانية، إضافة الى عوامل إقليمية مشتركة مع العديد من البلدان العربية وغير العربية. وهو تفاهم له خصائص قانونية من وجهة نظر القانون الدولي لجهة الالزام في التطبيق والتنفيذ ضمن شروط دستورية داخلية لبنانية وإسرائيلية، وفي أي حال من الأحوال، مر مشروع التفاهم بمطبات كبيرة كادت ان تنهيه قبل التوصل اليه، ومن المفترض ان يرسي لاحقا تداعيات إيجابية اقتصادية وامنية وسياسية لعقود قادمة.

تعود بداية مفاوضات ترسيم الحدود اللبنانية الاسرائيلية البحرية الى العام 2002، حين كلفت الحكومة اللبنانية شركة ساوث مسون بالتعاون مع المكتب الهيدروغرافي البريطاني، لإعداد دراسة لترسيم الحدود الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، لهدف إجراء عملية مسح جيولوجي للتنقيب عن النفط والغاز؛ الا ان العملية لم تنجز في حينها لعدم وجود خرائط بحرية دقيقة لتلك المنطقة. ثم عاودت الحكومة اللبنانية في العام 2006 وكلفت المكتب الهيدروغرافي البريطاني بإجراء دراسة جديدة، وكانت هذه الدراسة عبارة عن تحديث للدراسة السابقة.

واستكمالا لذلك، وقع لبنان في يناير/كانون الثاني 2007، مع قبرص اتفاقية تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، بهدف توطيد علاقات حسن الجوار والتعاون لاستثمار الثروات النفطية، واستند تحديد المنطقة الخالصة بين الجانبين اللبناني والقبرصي على أساس خط الوسط وفقا لقانون البحار، الا ان للحكومة اللبنانية لم توقع الاتفاق آنذاك، فيما عقدت قبرص اتفاقا في العام 2011 مع إسرائيل حددت بموجبه حدود المنطقة الاقتصادية بينهما متجاهلة ما تم الاتفاق عليه مع لبنان في هذا الخصوص، ما تسبب بخسارة لبنان الى 860 كيلو مترا مربعا من المساحات المائية التي تحتوي على كميات كبيرة من الغاز والنفط. وفي العام 2012 تجددت المساعي عبر وساطة أميركية استنادا الى ما عرف آنذاك بخط هوف الذي قسم المنطقة المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل، بحيث طرح على لبنان 500 كيلومترا مربعا فيما طرح على الجانب الإسرائيلي 360 كيلومترا مربعا، على ان يعتبر هذا المقترح مبدئيا لحين التوصل الى اتفاق دائم لاحقا، الا ان لبنان رفض المقترح خوفا من ان يصبح المؤقت دائما من وجهة النظر الإسرائيلية.

وعادت المفاوضات لتستأنف في العام 2018، حيث بدأ لبنان التّنقيب عن النّفط والغاز قبالة سواحله، ووقّع في 9 فبراير/شباط عقداً مع ائتلاف شركات دولية توتال وإيني ونوفاتيك للتّنقيب عن النّفط والغاز في البلوكين الرابع والتاسع في مياهه الإقليمية، الا ان إسرائيل اعتبرت الخطوة اللبنانية خطوة استفزازيّة معتبرة ان البلوك التاسع يقع في المنطقة المتنازع عليها. وفي تلك الاثناء أحيت واشنطن وساطتها مجددا عبر ديفيد سترفيلد مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، مستندا الى خط هوف، الا ان الحكومة اللبنانية رفضت الوساطة واقترحت العودة الى المفاوضات غبر المباشرة استنادا الى تفاهم أبريل/نيسان 1996 عبر الأمم المتحدة.

وفي العام 2020، عقدت الجولة الأولى من المفاوضات غير المباشرة في 14 أكتوبر/تشرين الأوّل، برعاية الأمم المتحدة ووساطة الولايات المتحدة والثانية في 28 منه والثالثة في 29 من الشهر ذاته، تم خلالها طرح الطرفان مطالبهما ثم عُقدت الجولة الرابعة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني والخامسة في 4 مايو/أيّار ثم عُلّقت المفاوضات مجددا.

الا ان الحرب الروسية - الأوكرانية، اعادت الاهتمام الدولي باستخراج الغاز والنفط، فانطلقت مجددا المفاوضات غير المباشرة عبر الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، الذي استطاع إخراج الملف الى النور بعد شد وجذب كاد ان يطيج بمجمل مشروع الاتفاق. فهل سيكون التوقيع بداية لفتح أفاق جديدة في المنطقة، ان ظروف المنطقة وخاصة طرفا الاتفاق وراعي الوساطة بحاجة لمزيد من التهدئة والمضي في الاتفاق لحاجات اقتصادية وربما سياسة وامنية لاحقا.