'ما لم يقله الشاعر' بين لعبة الأقنعة واللغة المخاتلة

كتاب لطفي الشابي نموذج للمأزق التصنيفي لاستراتيجيات كتابية وخطابية تزرع الشك في هوية النص الأجناسية لتضعه في 'منطقة ملتبسة' يتقاطع فيها التخييل الروائي مع التخييل الذاتي.

يعتبر التأطير الأجناسيّ للنصوص بمثابة ميثاق قراءة أو عقد ضمنيّ بين الكاتب والقارئ يوجّه عملية التلقّي ويكيّف شروط القراءة وعمليّات التأويل. غير أن بعض الكتابات تعمد إلى إرباك هذا الميثاق فيكتشف القارئ وهو يواجه النص البون الشاسع بين ما يقترحه الكاتب أو الناشر في تحديده جنس الكتاب، وما يوفّره متن النص من معطيات وسمات تتمرد على محددات الجنس الأدبي ومعايير التصنيف. وقد أثبتت إعادة قراءة عدد من الكتابات والنصوص الإشكاليّة في الأدب العربي الحديث هشاشة الميثاق القرائي الذي يعلنه الكاتب وعدم التلاؤم بين متن الكتاب وما تعلنه العتبات. وهو ما يمكن ملاحظته في بعض كتابات محمد شكري ومحمد برادة ومنصف الوهايبي مثلا (1) وبعض كتابات توفيق الحكيم وسهيل إدريس.. ما حدا بعض الدارسين إلى الإقرار، تماهيا مع الشعرية المعاصرة، بأن "المتلقّي وحده هو من تؤول إليه سلطة تجنيس النصّ لا تبعا لنوعيته في حدّ ذاته فحسب، بل أيضا وبخاصة للاستراتيجيّات التأويليّة التي يشغّلها القارئ نفسه". (2)

ولعل كتاب لطفي الشابي "ما لم يقله الشاعر" (3) نموذج آخر لهذا المأزق التصنيفي الذي يواجهه المتلقي وهو يقرأ الكتاب على أنه رواية (كما ينص عليه الغلاف الخارجي)، فتواجهه في المتن استراتيجيات كتابية وخطابية تزرع الشك في هوية النص الأجناسية لتضعه في "المنطقة الملتبسة" التي يتداخل فيها الواقع والخيال، ويتقاطع فيها التخييل الروائي مع التخييل الذاتي. وهو ما يشرّع  لطرح  السؤال: إلى أي حدّ يمكن أن نعتبر السرد في "ما لم يقله الشاعر" نوعا من التخييل الذاتي وسيرة للممكن، أو سيرة تخييلية لذات حقيقية؟ وكيف تسنّى لهذا النص أن يخاتل المتلقي ويعبث به؟

التخييل الذاتي ولعبة الأقنعة

التخييل الذاتيّ حسب كولونا "أثر أدبي من خلاله يبتدع كاتب شخصية ووجودا مع الحفاظ على هويته الحقيقية" وهو أيضا "حكاية بضمير المتكلم تصرّح بأنها خيالية غير أن المؤلف فيها يبرز باسمه الحقيقي، وأن المشابهة مع الواقع مؤمّنة بوقائع من الحياة" (4) ويرى محمد برادة أن التَّخييل هو الذي يتيح للكاتب أن يتخذ من وقائع حياته منطلقاً للتَّخيل عبر مغامرة اللغة وتوليد إمكاناتها التّعبيرية. (5)

سيرة الممكن هذه والمغامرة اللغوية مع مؤشرات أخرى هي بعض ما يلفت الانتباه في كتاب لطفي الشابي وقد صنفه صاحبه في جنس الرواية. تواجه القارئ في "ما لم يقله الشاعر" منذ البداية أجواء غامضة تسودها الحيرة والغموض، ويتولد الغموض نتيجة استراتيجيات الإبهام وكثافة الأقنعة التي وظفها السرد. ومن بين مولّدات الإبهام والغموض التضارب بين ما يدّعيه تجنيس الكتاب (رواية) في الغلاف الخارجي وما يقتضيه ذلك من انفصال عن ذات المؤلف الحقيقية واكتفاء بحضوره الضمني، وبين ما نلحظه في نص المتن من إعلان صريح عن هوية الكاتب بحضور الاسم العلم (اللقب) في عديد المرات. ولطفي الشابي لا يتنكر لاسمه في نصّه، إذ نراه يعلنه لقبا للسارد الشخصية، بل يعمد إلى جعل هذا الاسم "العلم" مدار الحوار ومنشأ الإشكال رغم النزوع إلى إضعاف الإحالة على المرجع الذاتي في كثير من الأحيان. يقول السارد "كنا صغارا، نشعر بفخر لمجرد الانتباه إلى مشاركة الشاعر الكبير في اللقب "الشابي" وكان ذلك الشعور يتضاعف حين يسألنا المعلمون في بداية كل سنة دراسية عن حقيقة صلتنا بالشاعر" (ص 82).

ورغم أن ظهور الكاتب باسمه الحقيقي ضروري في التخييل الذاتي دون التعويل على شخصية خيالية حسب دوبروفسكي، فإنه ينزع عكس السيرة الذاتية إلى التغريب. ذلك أن التخييل الذاتي "يحرص على التشكيك في حقيقة ما تروي الذات عن ذاتها وتوسيع المسافة بين الأنا الأول والأنا الثاني" (6) لذا نلحظ في "ما لم يقله الشاعر" تأرجحا بين الحقيقي المرجعي والمتخيّل، وتجاذبا بين تجربة الذات في الواقع عبر بعض ملامح سيرة المؤلف (لطفي الشابي الكاتب والشاعر، تخرجه من دار المعلمين العليا، تجربة التدريس، مشاركته في عدد من الاحتفاليات بذكرى أبي القاسم الشابي ...) وبين الشخصية التخييلية التي تحرّرت من الواقع فخلقت لنفسها مسارا مغايرا انتهى بها في نهاية المطاف إلى ضرب من الحلول بعد حجّها إلى موطن الشاعر الرمز. يقول السارد في نهاية الكتاب "غدا أعود إلى جسدي وإلى حياتي التي أحب، غدا يكون لي يوم جديد" ص 174. يعمد الكاتب إلى التمترس في منطقة "البين بين" وإلى تكثيف الأقنعة الفاصلة بين الذات الكاتبة في الواقع والذات المتخيلة، بين الذات الساردة والذات المسرودة، بل نراه يوظف  تقنية "الإرصاد المرآتي" لتكون الذات متشظية في مرايا متقابلة يمكن النظر إليها من زوايا متعددة مقوّضا كل تشابه ممكن بينه وبينها. (7)

ولعل أهم قناع ابتدعه التخييل هو شخصية الصديق وابن العم "بلقاسم" الذي يتقاسم مع السارد لقب الشابي وعشق الشعر وتمجيد الشاعر أبي القاسم الشابي. وهو يماثل السارد في المسلك الدراسي وفي المدينة والمهنة. ويمكن اعتباره قرين السارد، أو وجهه الآخر في مرآة الذات. فبلقاسم (القرين) هو ذلك المتمرد على المواضعات والطقوس الرافض للزيف وللقيود، هو الوجه الآخر للذات يرفض الصمت الذي يختاره السارد غالبا، ويقول ما تخفيه نفسه فيصدح بالحقيقة عارية دون تردد..

وتسمح هذه الثنائية (السارد/القرين) بالمكاشفة فتغدو "مساحات التخييل بوحا عما يجول في اللاشعور، ومنفذا لتسريب الاستيهامات، وممارسة النقد على الذات، وإعادة النظر في المعتقدات السائدة والشعارات المسكوكة" (8).

يمكن القول إن نص "ما لم يقله الشاعر" هو فضاء للبوح وللتخفي وراء الأقنعة المتعددة تعترف فيه الشخصيات بهذا التماثل بينها رغم نزوع التخييل عموما إلى التشكيك والتغريب. يطالعنا في متن النص سارد بضمير المتكلم (نعرف بعد ذلك أنه يحمل لقب الشابي) يزوره ابن عمه "بلقاسم" فيفاجئه بخبر غريب وهو تلقيه رسالة مكتوبة عبر الحاسوب من أبي القاسم الشابي الشاعر المعروف والمتوفّى منذ عقود. وفي هذه الرسالة يسرد الشابي بعض الوقائع التي عاشها قصد تعديل ما شاع عنه من روايات، وهو ما يجعل القارئ في إطار عالم  فانتاستيكي غرائبي، تظهر فيه الشخصيات من عالم الغيب مخترقة قوانين العالم. تتالى الأحداث بعدها بين الشك والتصديق، بين إمكانية أن تكون الحادثة مجرّد وهم عاشه بلقاسم ابن العم والصديق، وثمرة خيالات قد أجّجها الاستعداد للاحتفاء بمئوية الشابي، وبين أن تكون الرسالة حقيقية يثبت صدقيتها تشابه مع خط الشاعر المتوفّى وعلامات غريبة فيها، وإشارات إلى عالم آخر... غير أن الصديق بلقاسم يصرح في مواضع أخرى بتماثله مع الشاعر أبي القاسم الشابي "أنا روح الشاعر وصداه الخالد الباقي ورجع أنينه الأبدي" (ص 135) "هل كان وهما حين كنت أحاول أن أقول ما لم يقله وظل في روحه وقلبه فكرة صامتة" (ص 147).

يسمح القناع للمؤلف عموما وللسارد في التخييل الذاتي "بالتحرر من حدود ذاته الضيقة المعهودة المستنفذة اجتماعيا، ليبعث كائنا جديدا وشخصا آخر يقترب من الشخص الأول ويختلف عنه" (9) وييسر هذا التقمص لشخصية معروفة وحقيقية (أبو القاسم الشابي) استعادة الماضي الاجتماعي والسياسي والأدبي وإعادة كتابة سيرته لتكون مطية لطرح قضايا الحاضر، فإذا فضاء التخييل هو واقع الشعر والشعراء وقضايا النشر والنقد في زمن الكاتب، وهو صرخة في وجه الزيف والأصنام الجديدة (ص 32 - 33) ورسم لكواليس الأمسيات الشعرية وما يسودها من هيمنة المال والجري وراء الشهرة (ص 108) هي "أمسيات شعرية باردة خالية من كل ما يجب أن يميز ذلك الفضاء الذي ترتاده روح الشعر من قداسة..  جاؤوا لإسماع الحاضرين هراءهم الذي يسمونه شعرا.." (ص 107) وهو نقد صريح أحيانا وخفيّ أخرى لواقع التعليم والمدرسة في تونس (ص 118 - 129) وللواقع الاجتماعي والسياسي في تاريخ كتابة النص (ص 151)

يخاتل الكاتب في "ما لم يقله الشاعر" المتلقّي مقوّضا التشابه الممكن بين السارد والكاتب رغم التصريح باسمه "العلم"، ورغم المطابقة مع عديد المعطيات المرجعية الخاصة بمساره الدراسي ومهنته وتجاربه الحياتية، يخاتله باختلاق أحداث وهمية منها نشره مجموعة شعرية بعنوان "أغاني الحياة الجديدة"، وانخراطه في حفلات التوقيع ودوائر الضوء المكذوب عبر اللقاءات الإذاعية والتلفزية، فيطغى التخييل ويضعف المرجع.. وفي مقابل ذلك نجد الشخصية الثانية بلقاسم (ابن العم والقرين) نموذج الثائر على دوائر النفاق والمجاملات الكاذبة والاحتفالات الشكلية (ص 150/ 151). ولعل تقويض التشابه بين الذات الساردة والذات المسرودة في التخييل الذاتي يبرز أكثر في خاتمة الكتاب حيث يبلغ الالتباس أوجه وتتداخل الرؤى فيدخل السارد في "مساحة محايدة بين الحياة والموت" في ضرب من العروج الصوفي تاركا القارئ في حيرة من أمره. ويتضاعف الالتباس في ملحق الاحتجاج الوارد في نهاية الكتاب الذي يمكن اعتباره نوعا من الميتاسرد، إذ تحتج الشخصية (بلقاسم) على خالقها (الكاتب) مشككة في صلتها بالواقع لكن دون أن تنفي صلتها بالقرين (السارد/ الكاتب). والميتاسرد خصيصة بنيوية يتميز بها التخييل الذاتي عن السيرة الذاتية (منذ دوبرفسكي)، إذ يسهم في إضعاف البعد الإحالي المرجعي الذي يبنيه المؤلف في نصه ويدعو القارئ للدخول في لعبة جديدة (10).

التخييل الذاتي واللغة المخاتلة

يتميز التخييل الذاتي عن بقية الأجناس الأدبية بانتهاكه النمطية ونظام السرد. وهذا التصور هو ما ذهب إليه عدد من المنظرين باعتباره ضربا من المغامرة اللغوية أو اللعب اللغوي (دوروفسكي، قاسبريني) ضمن رؤية جمالية "تزرع الفوضى في النص وتهدد ذائقتنا الجمالية الراكنة إلى مسلماتها القرائية" (11) ولعل الفوضى التي تسم نص "ما لم يقله الشاعر" هي أول ما يلحظه المتلقي وهو يقرأ الكتاب متسلحا بفرضية حتمتها بعض العتبات متوقعا أن يكون إزاء رواية منتظمة الأحداث محكمة الحبكة.. فإذا هو أمام متواليات مقطعية متنافرة وفصول تتعايش فيها أزمنة متداخلة وتتالى مسارات حكائية مختلفة، يتكسر معها منطق التتابع في الأحداث وتبنيها استرجاعات وانقطاعات ومفارقات زمانية وأحلام وأشعار ورؤى.. نلتقي فيها الشاعر المعروف أبا القاسم الشابي شخصية قصصية تروي وقائع عاشتها أو تعيد كتابة سيرتها. ويسترجع فيها الصديق (بلقاسم) ماضيه متداخلا مع الراهن، ويسترجع السارد أحداث طفولته متقاطعة مع الحاضر، في ضروب من الانقطاعات والمفارقات الزمانية حيث يلتبس الواقع مع الرؤى والأحلام والهلوسات في بلاغة قائمة على التشظي والشذرية..

تتلاقح التأملات والخواطر في "ما لم يقله الشاعر" وتتصادى في تناص واضح مع رسائل الشابي وقصائده ومذكراته فتغدو لعبة التناص مقوّما هاما لجمالية التخييل الذاتي وإعادة تركيب لنصوص الشاعر أبي القاسم الشابي. تتشكل حينا ضربا من المناجاة بين بلقاسم وروح الشابي (ص 146) أو في رسائل تصل السارد عبر الفيسبوك محددة التواريخ والساعة (ص 122)، أو في شذرات مقتطعة من رسائل الشابي إلى الحليوي (ص 95) ومحيلة على يومياته (ص 110-111) وقد تكون في شكل حوار وهمي مع الشاعر دون إحالة على اسمه مع الاكتفاء بتنويع الخط.. ترد رسائل الشخصية دون مقدمات، تقتحم عالم السرد دون إذن، وتتعدد الأصوات تتكلّم كلها بضمير المتكلم (أنا بلقاسم الصديق... أنا السارد.. أنا الشاعر أبي القاسم الشابي..) ويتعانق الواقع الافتراضي مع التخييل السردي مع الواقع المرجعي.

تتفاعل النصوص والخطابات واللغات تخاتل القارئ وتبث الفوضى في الكتاب وكأن لطفي الشابي يتلذذ بممارسة لعبة "التشظية" منتهكا كل طقوس الكتابة الروائية ونظام السرد وقواعد الانسجام النصي لتتناوب الأحداث المتخيلة مع المقاطع الشعرية والتأملات في الحياة والواقع والرسائل والأحلام والرؤى، وبذلك يتشكل التخييل الذاتي "كتابة شذرية قائمة على شعرية الانفصال".

تشكيل الذات بين الانشطار والتماهي:

لماذا يعمد الكاتب إلى هذا التنويع في طرائق الإيهام مضفيا التخييل على الذات؟ كيف استطاعت الذات أن تتشكل؟ وإلى أي حد استطاع الكاتب عبر التخييل أن "يبتدع ذاته بذاته وأن يتعدد دون أن يفقد هويته"؟

لم تتعدد الأقنعة في سيرة الذات إلا لتبوح وتعترف بانشطارها وتناقضاتها وحيرتها وشكها. في النص شخصيات ثلاث تحمل لقب الشابي تلتقي جميعا في حب الشعر وعشقه لكنها تكشف وجوها مختلفة للذات المبدعة: الذات المتمردة على الواقع وعلى كل الطقوس والقيود والقوانين المعطلة للإبداع (الصديق بلقاسم)، الذات التي تعيش الغربة والانكسارات وتمزقات نفسية وحيرة وجودية (أبو القاسم الشابي)، الذات المنخرطة في دائرة الأضواء رغم رفض القوالب المحنطة والمعتقدات السائدة لكنها لا تواجهها إلا بالصمت والهروب (السارد). كان اللقاء حتميا بين شخصيتي بلقاسم والشاعر المعروف وقد أتاحه الارتحال في المكان وفي فضاءات عاش فيها الشابي الرمز، لينتهي إلى التماهي واتحاد الشخصيتين جسّده معراج صوفي وحّد روحيهما "حلّق فرأيتني صورة منه أطير كأني طائر ولكن بلا جناحين. علونا حتى بدت المدينة بددا..." (ص 155) "طرت كومضة روح، ثم عند الصخرة الأخرى، في القمّة، كان الهبوط" (ص 156).

غير أن بلقاسم لم يختف من ساحة الأحداث إلا بعد أن قال "ما لم يقله الشاعر" وصاغ رؤيته للوجود وللحياة والشعر في مخطوط وقع بين يدي السارد، فإذا هو صدى نظرة الشابي للحياة وللواقع وربما نظرة السارد أيضا.. فيه يتّجه بلقاسم بالخطاب إلى الشعراء والنقاد والناشرين والمدرّسين والمرأة، داعيا إياهم إلى تكسير القوالب الجاهزة والتحرر من عبودية المادة والنمطية لفهم روح الشعر والإبداع.

بلقاسم إذن هو الوجه الآخر للذات.. تلك التي تحررت من الأوهام، من قوانين الواقع وسلطة المادة وإغوائها، تلك المتمردة على سلطة النقد وقامعي الأحلام، هو برومثيوس "يحمل على كاهله صخرة عظيمة يكاد ينسحق تحتها" وهو امتداد لروح أبي القاسم الشابي، لكنه أيضا صدى لروح السارد، دون أن يجد أحدهما اليقين عند الآخر وكأنهما قطبان لا يتصلان أبدا ولا يجتمعان (ص 98).

إن تعدد الذات عبر أقنعة التخييل في كتاب "ما لم يقله الشاعر"، وتشتتها عبر الأصوات المختلفة، وتخفيها وراء لغة مخاتلة وسرد متشظ، لم يفقدها تماسكها إذ بدت ذاتا متشبثة بروح الصدق وحب الحياة.. ذاتا مقاومة حتى وهي بين الحياة والموت. يلخصها ذلك الصوت الذي يتردد في نهاية الكتاب كالصدى في أعماق السارد: "وأنا نجوت من العواصف كلها.. ونزعت وجهها وانتصرت.. كل المسوخ عرفتها وذبحتها.. ومشيت نحو حقيقتي.. مثل الطيور الواثقة" (ص 173) وكأن كل التجارب التخييلية التي مرّت بها الذات والتي ستمرّ بها لم تكن سوى أداة لاستكناه حقيقتها ولإعادة قراءتها أو لاختراعها ونحتها من جديد.

الإحالات والهوامش

1- فتحي فارس: التخييل الذاتي في السرد العربي المعاصر، دار زينب للنشر تونس، ط 1، 2020

2- رشيد بنحدّو: التأطير الأجناسي وميثاق القراءة، ضمن كتاب الرواية المغربية وقضايا النوع السردي، جماعة من الباحثين، منشورات دار الأمان، الرباط، د.ت... ص 54

3- لطفي الشابي: ما لم يقله الشاعر، نشر جمعية الشابي للتنمية الثقافية والاجتماعية، ط2، تونس 2022

4- فتحي فارس .م.ن. ص 170

5- محمد برادة: التخييل الذاتي في كتابات توفيق الحكيم، مجلة نزوى، عدد.87 سنة 2016

6- فتحي فارس: م.س. ص 263  

7- محمد الداهي: الحقيقة الملتبسة، شركة النشر والتوزيع المدارس، الدار البيضاء، ط1، 2007، ص 160

8- محمد الداهي: ضمن كتاب "الذات والهوية بين الرواية والسيرة الذاتية"، الملتقى الدولي للرواية العربية ببنزرت، دار عليسة للنشر، تونس، ط1، 2021، ص 54

9- محمد آيت ميهوب: ضمن كتاب الذات والهوية بين الرواية والسيرة الذاتية، الملتقى الدولي للرواية العربية ببنزرت، دار عليسة للنشر، تونس، ط1، 2021، ص 20

10- فتحي فارس: م.س.ص 320

11- فتحي فارس :م.س. ص 296