ما هذا العراق الذي لا يثق فيه أحد؟

ما معنى أن يتفقد الرئيس الإيراني المنتخب مؤخرا المحافظات الرئيسة في العراق ليطمئن على أحوال المواطنين فيها؟

أما أن رجال الدين في العراق قد تأخروا في إعلان دولتهم الدينية فذلك ذكاء منهم.

بعد 2003 لم يشهد العراق صراعا بين دعاة الدولة المدنية ودعاة الدولة الدينية. كانت الدولة المدنية يتيمة.

لقد حسمت الولايات المتحدة الأمر حين سلمت السلطة لنوري المالكي وهو المعروف بتطرفه الديني الطائفي.

كان المالكي يعرف بسبب حنكته الحزبية التآمرية أنه سيدير مطحنة تقع بين عدوين. الولايات المتحدة وإيران.

ذلك ما كان. حرب أهلية قُتل فيها آلاف الأبرياء وحرب هُزمت فيها القوات العراقية قبل أن تجرب أسلحتها في القتال.

لقد خسر العراق الكثير من ثرواته مقابل أن يقيم المالكي دولته التي لا تزال مستمرة حتى اليوم.

كل القوانين الإستثنائية التي سنها المالكي من أجل خدمة مصالح فئات موالية له لا تزال سارية المفعول.

حين حاول مصطفى الكاظمي إعادة النظر في جزء بسيط من تلك القوانين قصفت الميليشيات بيته.

في مشهد مضحك خرج المالكي ببندقيته محاطا بحراسه حين اقتحم أنصار التيار الصدري المنطقة الخضراء.

لقد انحصر الصراع بين القوى الدينية. أسوأ ما في الأمر أن مفكرين يساريين صاروا يقيمون مقارنة بين الصدر والمالكي. ذلك عراق خرافي.

أما علماء الاجتماع الجدد فقد كانوا أشبه بكتاب تقارير، اعتقدوا أنها ستفيد الأميركان في مشروعهم.

هل كانوا غافلين عن المشروع الأميركي؟ لا اعتقد أنهم كانوا سذجا إلى الدرجة التي تخيلوا فيها أن العراق سيصبح يابان أخرى.

في السنوات الأخيرة صمتوا واختفوا لأن مهمتهم انتهت. لقد وصل المشروع الأميركي إلى غايته.

أن يكون العراق ولاية إيرانية. ليست الجغرافية الطبيعية مهمة. الأهم هي جغرافية القرار السياسي.

عراق اليوم يفكر بطريقة إيرانية. وهو إذا ما شنت إيران الحرب عليه فإنه سيقف معها.

تلك معادلة غرائبية لا يقبل بها عاقل. ولكن بلدا ينفق على زواره الحسينيين ثلاثة مليارات دولار لا يصلح العقل مقياسا فيه.

وإلا فما معنى أن يتفقد الرئيس الإيراني المنتخب مؤخرا المحافظات الرئيسة في العراق ليطمئن على أحوال المواطنين فيها؟

إنهم بطريقة مواربة مواطنوه أيضا.

تلك وجهة نظر مقبولة في ظل تراجع الوعي الوطني لدى كثير من العراقيين منذ أن صارت الوطنية العراقية تهمة يُحاسب عليها الفرد.

الإعلام "الحر" في العراق لم يستنكر جولة مبعوث المرشد الأعلى الذي وُضعت صوره في الطرق.

ما هذا العراق الذي يتطلع حكامه إلى أن يقوموا بدور الوسيط بين إيران والدول العربية؟ في حالة من هذا النوع لا يمكن لأحد أن يثق به.

حين يتم ذكر الأحزاب الشيعية الحاكمة في العراق تُوصف دائما بالموالية لإيران. تلك صفة تعريفية لا أذكر أن الجهات الرسمية في الدولة العراقية قد أنكرتها واستنكرتها يوما ما. فالعبارة تعبر عن الواقع الذي صنعته تلك الأحزاب وصارت تفخر به.

ما من خطأ إذاً في أن يكون حكام العراق عملاء تابعين لإيران. هم في ذلك يشبهون حسن نصرالله زعيم حزب الله في لبنان. ولكن هناك فرق كبير ما بين زعيم ميليشيا تنفق إيران عليه وعلى جنوده أموالا طائلة وبين حكام دولة ذات سيادة، ثراؤها يمكن أن يبني بترف أربعة بلدان بحجم العراق من غير الحاجة إلى إيران التي لا تملك خبرة إلا في الفوضى. ولكن الأمور لا تُقاس بتلك الطريقة.

لقد جرت الولايات المتحدة العراق إلى الفخ الطائفي. السقوط في ذلك الفخ يسبب العمى. مَن يسقط في ذلك الفخ لا يرى الواقع ولا يحب أن يتعامل مع الحقيقة وسيعزف عن استعمال عقله في النظر إلى المسافة التي تفصل بين الواقع والحقيقة. لذلك فإن كل الحقائق التي يتداولها العراقيون هي حقائق زائفة تم استلهامها من واقع زائف أقامته الأحزاب التي قبضت على السلطة بإرادة أميركية ومشورة إيرانية منذ 2005 أي بعد عامين من الغزو الأميركي.

وإذا ما عدت إلى مسألة الدولة الدينية فقد تتدخل إيران لمنع قيامها. لن تكون تلك الدولة نافعة للإيرانيين. سيقاطعها العالم باعتبارها بؤرة جديدة للتعصب والإرهاب. أفغانستان ثانية. الأفضل بالنسبة لإيران أن يبقى العراق كما هو. يجلد رجال الدين المؤمنين بفتاواهم نهارا وفي الليل يذهب المؤمنون للقاء الحوريات محاطين بأنهار من الخمر.

العراق هو نافذة إيران المفتوحة على العالم. أما بالنسبة لأبنائه فهو الجحيم بعينه لما ينطوي عليه العيش فيه من إذلال.