ما هي أبعاد اللقاء التونسي – المصري؟

زيارة قيس سعيد للقاهرة تضع مصالح تونس الكبرى فوق كل توجه سياسي ضيق يضر بمكانتها عربيا وإقليميا ودوليا.
مصالح تونس الإستراتيجية فوق كل اعتبار شعبوي ضيق
تونس ومصر تلتقيان في مواجهة التحديات الإقليمية خصوصا في ليبيا

مصر وجهة سلكها كل رؤساء تونس باستثناء "الرئيس الاستثنائي" المنصف المرزوقي  المثير للجدل، دون عقد أو فواصل أو اعتبارات أيدلوجية، عززت قواسم التواصل بين البلدين، ومصالحهما المشتركة سياسيا واقتصاديا وثقافيا تخطت حتى نقاط الخلاف العابرة في مراحل محددة.

الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة المتباعد فكريا عن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، لم يكن معرقلا للعلاقات الثنائية بين البلدين، أبقى خطوط التواصل مفتوحة في محطات تلاقي المصالح المشتركة، ومازال التاريخ السياسي المعاصر يذكر زيارته التاريخية إلى مصر عام 1965 وما أثارته من جدل في ظل دعوته الجريئة للقبول بقرار تقسيم فلسطين الذي أقرته الأمم المتحدة.

الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وضع زيارة مصر في سلم أولويات زيارات الدولة المبرمجة إلى الجزائر والمملكة العربية السعودية والعراق في إطار الإستراتيجية الدبلوماسية في العلاقات مع الدول العربية، وجدد أواصر علاقات المصالح المشتركة بين البلدين في المجالات كافة.

الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي لم يقطع سنة أولوية زيارة رئيس تونسي لمصر، رغم عصر الخلاف الذي عاشه في حكم الحبيب بورقيبة باعتباره أحد رجالات حكمه، وتخطى أي نزعة لخلاف أيديولوجي ترسمه قوى سياسية نافذة، والتقى الرئيس عبدالفتاح السيسي على قاعدة تعزيز المصالح المشتركة بين البلدين في مجالات سياسية واقتصادية واتفاق على صيغ التعاون في مجال مكافحة الإرهاب.

جاء الرئيس قيس سعيد مواصلا نهج الإستراتيجية الدبلوماسية في تعزيز العلاقات مع الدول العربية، محققا أول زيارة قام بها إلى الجزائر بعد تسلم مهامه رئيسا للجمهورية التونسية، عزز فيها العلاقات الجزائرية – التونسية وتطوير أدوات الإرتقاء بها، وسبل توحيد مواجهة التحديات الأمنية في ليبيا ومنع أي تدخل عسكري فيها، وإسقاط "صفقة القرن" فضلا عن سبل دعم العلاقات الاقتصادية بقواسمها المشتركة بين البلدين.

وحان وقت زيارة الرئيس التونسي لمصر، بعيدا عن أي إشكاليات يضعها هذا وذاك، نزولا عند إحياء المصالح المشتركة بين البلدين، ولا يحق لأحد الاعتراض عليها بدوافع نزعات سياسية متحزبة، فمصالح تونس الإستراتيجية فوق كل اعتبار شعبوي ضيق تضعه قوى سياسية لها توجهات مغايرة.

غريب أمر الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي وهو يهاجم زيارة الرئيس قيس سعيد إلى مصر المبرمجة في إطار تعزيز العلاقات الثنائية التي تخدم مصالح تونس والقاهرة في مجالات سياسية واقتصادية وأمنية ويصفها بـ "خيانة للثورة" وكان "مبادئ الثورة" تدعو إلى العزلة عربيا، والدخول في صراعات مع أنظمة حاكمة لا تروق لأطراف سياسية لا تفقه في مبادئ إستراتيجية العلاقات الدبلوماسية بما تحققه من مكاسب كبرى.

زيارة الرئيس قيس سعيد إلى القاهرة، وإن كانت تدخل في إطار الزيارات التقليدية لرئيس تونسي، فهي الآن تحمل الطابع الخاص في تلاقي مصالح مواجهة التحديات الإقليمية سيما في ليبيا التي ينتظر تعافيها بعد تشكيل الحكومة الجديدة بإشراف دولي تمهيدا لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية.

دبلوماسية العلاقات الثنائية بين بلدين لا يراها الرئيس قيس سعيد استقواء ضد معارضيه في الداخل، أو محاولة لاستفزازهم، هي زيارة تضع مصالح تونس الكبرى فوق كل توجه سياسي ضيق يضر بمكانتها عربيا وإقليميا ودوليا.