مجزرة الحوارات

عندما يطلق عدد كبير من المحاورين التلفزيونيين أسئلة يعرفون وتعرف غالبية الجمهور إجاباتها، أليس ذلك تعبيرا عن الجهل في معرفة نتاج الضيف من أجل إعادة تحليله وتشخيص مواضع القوة والضعف فيه؟
على مدار الأسابيع الماضية ارتُكبت مجزرة حوارات تلفزيونية لم تضف للجمهور ولا للمُحاور شيئا جديدا
لسوء حظ المشاهدين من يطلق الأسئلة لم يتراجع قليلا لتجنب ما قيل من قبل!

يبدو أننا سنفشل في إيجاد معادل جدّي للنوبلي الراحل أف.أس نايبول، عندما يتعلق الأمر بإجراء حوار مفيد يعرض علينا الجديد ولا يكرر المكرر.

لقد تعامل نايبول بشكل حاسم مع صحافية أيرلندية صعدت الطائرة من دبلن وقضت بعدها ساعة ونصفا في القطار من لندن كي تصل إلى منزله في ساليسبوري، لكنها بمجرد أن أطلقت أسئلتها التقليدية عليه من قبيل متى بدأت تكتب؟ أنت هندي أم بريطاني؟ اكتشف نايبول بسهولة أن هذه الفتاة لا تفهم شيئا. وأنهى الروائي الراحل الحوار مطالبا زوجته بإيصال الصحافية إلى الخارج؟

كم يُفرض علينا اليوم الاستماع إلى أسئلة عبر الحوارات التلفزيونية مثل تلك التي أطلقتها الفتاة التي عاشت الخيبة في منزل الروائي؟ صحيح أننا نمتلك خيار عدم استمرار المشاهدة عندما تكون لغة الحوار ركيكة وغير ذي فائدة، لكن ماذا عن صناعة الرأي، وماذا عن المحتوى المتميز، لماذا لا تعدنا الحوارات المتدفقة من دون مناسبة بالجديد في المعلومة والمعرفة.

على مدار الأسابيع الماضية ارتُكبت مجزرة حوارات تلفزيونية لم تضف للجمهور ولا للمُحاور شيئا جديدا. عندما يطلق عدد كبير من المحاورين التلفزيونيين أسئلة يعرفون وتعرف غالبية الجمهور إجاباتها، أليس ذلك تعبيرا عن الجهل في معرفة نتاج الضيف من أجل إعادة تحليله وتشخيص مواضع القوة والضعف فيه؟

لأننا تابعنا على مدار شهر رمضان عشرات الحوارات التي أجريت من دون مناسبة سوى إعادة تقديم الضيف في أمسية رمضانية، فإننا لم نحصل إلا على معلومات ضئيلة لتكون دليلا للحياة والمعرفة معا.

في بعض الأحيان، يتهم الصحافيون بالمبالغة، أعتقد أنه عندما نواجه الحقيقة التاريخية فإننا نخاف من الاعتراف بذلك. إلا أنه في الحقيقة نسبة الفشل صارت تفوق بكثير نسبة النجاح.

نحن ندرك جميعا أن هناك أميين في علوم الغناء، لكنهم اليوم من بين أشهر المطربين، مثلما نعرف ممثلين يختصرون تعبيرية الأداء بتحريك قسمات وجوههم وأصواتهم! بينما ثمة الكثير من المشاهير يقفون عاجزين عن صياغة فكرة جديدة، بل يفشلون في التعبير عن أنفسهم بلغة مقبولة، لسوء الحظ إنهم لا يفكرون!! لا أحد من كل هؤلاء الضيوف الأكارم تلقى السؤال الذي يفترض أن يجيب عليه، وانتهت ساعات من الحوارات في ثرثرة أفضل ما فيها تكرار معلومات لا جديد فيها!

في كل هذه المسحة من التشاؤم ثمة أخبار سارة بالتأكيد ممن استطاع من بين عشرات الضيوف على مدار شهر كامل في التعبير عن أنفسهم بجدارة، لكن لسوء حظنا إن من يطلق عليهم الأسئلة لم يتراجع قليلا لتجنب ما قيل من قبل!