محمد حافظ رجب مجدد القصة القصيرة

الكاتب المصري الراحل أخلص للقصة القصيرة وداوم على كتابتها، دون اللجوء إلى كتابة أي جنس أدبي آخر.
رجب أحدث تجديداً في كتابة القصة القصيرة العربية, وتُرْجمت أعماله إلى لغات أجنبية
محمد حافظ رجب يطلق صيحته "نحن جيل بلا أساتذة" فكانت قطيعة أدباء القاهرة له

محمد حافظ رجب كاتب مجرِّب ومجدّد في كتابة القصة القصيرة العربية، التي أخلص لها وداوم على كتابتها، دونما اللجوء إلى كتابة أي جنس أدبي آخر، فهو صاحب صيحة "نحن جيل بلا أساتذة" وهو صاحب المجموعات القصصية "الكرة ورأس الرجل"، و"كائنات براد الشاى المغلي"، و"حماصة وقهقهات الحمير الذكية"، و"رقصات مرحة لبغال البلدية"، و"طارق ليل الظلام"، و"عشق كوب عصير الجوافة"، و"مقاطع من جولة ميم المملة"، و"اشتعال الرأس الميت"، و"عيش وملح". 
وهو أول كاتب عربي يذكر اسمه في معجم أكسفورد، لكونه أحدث تجديداً في كتابة القصة القصيرة العربية، وقد تُرْجمت أعماله إلى العديد من اللغات الأجنبية، وهو الكاتب العصامي الذي اعتمد على موهبته الأدبية ذات الموسوعية الثقافية، وسِعة معرفته في تقديم تجربته الأدبية الإبداعية الفريدة.

القصة القصيرة
الكاتب العصامي الذي لم يحمل سوى شهادة الإبتدائية

وُلد محمد حافظ رجب في السادس من مايو/آيار عام 1935 بالإسكندرية بحي الباب الجديد، ولم ينل من المؤهلات العلمية سوى الشهادة الإبتدائية، ولكنه ظل مثابراً على الإطلاع والتحصيل المعرفي بجانب عمله كبائع متجول قبل أن يلتحق بوظيفة في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الإجتماعية التابع لوزارة الثقافة، والتي شهدت معركته مع القامات الأدبية والثقافية بعد إطلاقه قولته  نحن جيل بلا أساتذة"، عقب مناقشة الكاتب الراحل رشدي صالح إحدى قصص مجموعته "عيش وملح" في التليفزيون المصري، وكان الأديب الراحل يحيى حقي هو كاتب مقدمة "عيش وملح" لمحمد حافظ رجب، وفي المناقشة قال رشدي صالح "إن يحيى حقي صاحب فضل عليكم" فردّ محمد حافظ رجب عليه قائلاً: "نحن نتبادل التأثير كمتلقي ومرسل"، ثم قال "نحن جيل بلا أساتذة" فخرج رشدي صالح إلى الباب الذى يكتب فيه وصرخ "إلحقونا" هناك أدباء يقولون "نحن جيل بلا أساتذة" واستمرت هذه الصرخة وأحدثت دوياً شديداً في نادى القصة ورجاله، وعلى رأسهم رجال يوسف السباعي، وكان وقتها يعمل سكرتيرا بالمجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الإجتماعية بالقاهرة (المجلس الأعلى للثقافة حاليا) التابع لرئاسة الجمهورية، وجاء محمد عبدالحليم عبدالله" وقال له: أعرف أنك متطلع. وقال له الكاتب عباس خضر: ما معنى ما تقول فردّ عليه، وامتدت المعركة في جريدة الجمهورية مع رشدي صالح، ودخل يدافع عن التقليدية ورثة يوسف السباعي، والتقدمية الاشتراكية المتمثلة في رشدي صالح،  ولطفي الخولي، وطلب محمد عبدالحليم عبدالله مِنْه قصة "الكرة ورأس الرجل" ونشرها في مجلة القصة التي يرأس تحريرها – في هذا الوقت – محمود تيمور.  وكانت القصة صادمة لجميعهم في هذا التوقيت، وعلى رأسهم محمد عبدالحليم عبدالله، ولكن يحيى حقي شمَّر ذراعيه وكتب "إن حافظ رجب غيَّر من شكل ومضمون القصة القصيرة في مصر، وأنه يسبق زمانه بثلاثين سنة". وجن جنون التقليديين، فمجلة الثقافة وبها محمد فريد أبوحديد ممثل التقليدية المكتبية الحكومية الرسمية، وعلى مدار شهور، تناول محمد حافظ رجب بهجوم شديد مضمونه التجريح والازدراء والادعاء بأنه مخرب اللغة العربية، وتخريب الاستقرار السائد في مصر إبداعياً، وفي الوقت نفسه حدثت المحاكمة من نجيب محفوظ لمحمد حافظ رجب في ندوة بنادي القصة بالقاهرة، واشترك فيها فؤاد دواره وصالح مرسي وتوفيق حنا وعبدالله الطوخي وغالي شكري وقال له نجيب محفوظ: "يا حافظ: ما نوع ما تكتب، وما نوع الشكل الجديد السريالي الذي تكتبه؟ أنت تقول: إنك من الأساتذة، وأنا ظللت 15 سنة في رحاب سلامة موسى الذي أعده أستاذي، فما معنى الأساتذة والسريالية التي تكتبها؟".
وفي حوار لي مع محمد حافظ رجب في فبراير/شباط 2010 نشر بجريدة "أخبار الأدب" وقت أن كان طارق الطاهر رئيساً لتحريرها، أكد لي أنه بعد سنتين من المحاكمة السابقة له من نجيب محفوظ قام محفوظ بكتابة "ثرثرة فوق النيل"، هذا دليل على تأثره بكتاباتي وأيضاً تأثر سعد الدين وهبة، وكتب مسرحية "السبنسة"، ولطفي الخولي كان تقريباً ملتزماً بالواقعية الاشتراكية ثم كتب "أفواه وأرانب"، وكتب توفيق الحكيم "ياطالع الشجرة" والموضوع أصبح عاماً. 

ولي مع الكاتب الكبير محمد حافظ رجب مواقف عديدة بعد عودته من القاهرة واستقراره بمنزله في الإسكندرية رقم 32 شارع 406 بالمتراس، والمطل على ترعة النوبارية بحي الورديان بجوار أسرته وبالقرب من ابنته سامية التي ظلت ترعى شئونه ومصالحه حتى رحيلها في يناير/كانون الثاني 2021 قبل رحيله بأقل من شهرين، ومن هذه المواقف:
-    مشاركتي في هيئة تحرير كتاب الكلمة المعاصرة برئاسة د. محمد زكريا عناني في إصدار المجموعة القصصية لمحمد حافظ رجب "رقصات مرحة لبغال البلدية".
و – أيضاً – تكليفي من الكاتب الصحفي طارق الطاهر وقت أن كان رئيساً لتحرير لجريدة "أخبار الأدب" في فبراير/شباط 2010 بإجراء حوار مع محمد حافظ رجب، وقد تم نشره، وأحدث دوياً شديداً وتحريكياً للماء الساكن بعد عزلة لسنوات طوال.
وكان آخر لقائي به في العاشر من ديسمبر/كانون الأول في عام 2016 بعد أن نظمت إذاعة البرنامج الثقافي ندوة في قصر ثقافة الأنفوشي حول محمد حافظ رجب سيرته ومسيرته وتحدثت عنه مع الأدباء: د.مدحت الجيار، وسعيد الكفراوي، وأحمد عبدالرزاق أبوالعلا، ومنير عتيبة، بحضور مدير إذاعة البرنامج الثقافي محمد إسماعيل، وبحضور الإذاعي أحمد درويش، وذهبنا بعدها إلى منزله بحي الورديان (المتراس) واستقبلنا ثم قام محمد إسماعيل بتقديم درع إذاعة البرنامج الثقافي إليه تقديراً لرحلته الإبداعية الأدبية المغايرة المؤثرة.
وقد ظل الإتصال التليفوني فيما بيننا لتلبية ما يريد من مطالب من اتحاد كتاب مصر أو تيسير لقاء بينه وبين أحد الأدباء أو الإعلاميين. 
وأذكر سعادته البالغة بتكريم اتحاد كُتْاب مصر له، وقت أن كان الكاتب الكبير محمد سلماوي رئيساً له، وقد تم اختياره لنيل جائزة التميُّز من خلال لجنة الجوائز برئاسة الناقد الدكتور مدحت الجيار .
–    وأيضاً – سعاته بتنظيم مختبر السرديات برئاسة الأديب منير عتيبة لاحتفالية أدبية كبيرة تقديراً لعطائه الأدبي ودوره الرائد في التجديد في فن كتابة القصة القصيرة.
–    وفي يوم الثاني عشر من شهر فبراير/شباط 2021 ، كتب شقيقه الأصغر منه الكاتب الكبير السيد حافظ على صفحته بفيس بوك "رحل أخي الأكبر محمد حافظ رجب عن دنيانا، وهو الذي تأثر به الجميع ولم تكرمه الدولة بأي جائزة من جوائزها الرسمية.
وقد رحل محمد حافظ رجب بعد عمر يناهز السادسة والثمانين تاركاً لنا موروثاً وفيراً من التجديد في كتابة القصة القصيرة، جعله خالداً في مكتبتنا الأدبية ومضيئاً في مسيرة الأدب العربي وحيَّاً في ذاكرة التاريخ.