محمد سلماوي يحكي قصته مع الكتابة والالحاد في مكتبة الاسكندرية

الكاتب والروائي والمثقف الكبير يواكب على هامش معرض مكتبة الإسكندرية للكتاب في دورته الثامنة عشر بحضور الدكتور أحمد زايد مدير المؤسسة لقاء تحت عنوان 'سيرة وإبداع وتاريخ'.
سلماوي: كتبت قصة إلحادي في المراهقة واعتمدت الصدق والتوثيق في مذكراتي
زايد: لا يمكن تعريف الثقافة في مصر في ال 50 سنة الماضية دون ذكر سلماوي
سلماوي: ميلادي ونشأتي وتعليمي كونوا شخصيتي
سلماوي: مذكراتي توثيق لحقبة زمنية ثقافيا واجتماعيا وسياسيا
سلماوي: سيرتي الذاتية كالضفيرة التي ربطت بين العام والخاص
سلماوي: عملي النقابي كان من باب رد الجميل
سلماوي: كل ما ذكرته في السيرة الذاتية غير معتمد على الذاكرة ولم أنس منها شيئا

استضافت مكتبة الإسكندرية لقاء مع الكاتب والروائي والمثقف الكبير محمد سلماوي على هامش معرض مكتبة الإسكندرية للكتاب في دورته الثامنة عشر، حمل اللقاء عنوان "سيرة وإبداع وتاريخ"، وذلك بحضور الدكتور أحمد زايد؛ مدير مكتبة الإسكندرية، وتقديمالأديب منير عتيبة.

رحب الدكتور أحمد زايد بالكاتب محمد سلماوي، وأكد على أنه لا يمكن تعريف الثقافة في مصر في ال 50 سنة الماضية دون ذكرمحمد سلماوي؛ حيث أنه صاحب مسيرة كبيرة لا تقف فقط عند المؤلفات النقدية والفكرية، ولكن أيضا تتمثل في الإبداع الأدبي الكبير له، والرؤية الفلسفية والفكرية، مؤكدًا أن إبداعه الأدبي الكبير في عدد من الروايات يكشف عن رؤيته الفلسفية أيضًا وليس الجانب الأدبي فقط.

وكذلك النشاط الثقافي الذي بذله في حق الثقافة المصري بداية من قيادته لاتحاد الكتاب المصري لمدة عشرة أعوام،واللقاءات الدولية التي كان يقودها سلماوي والتي كانت تعقد حتى مع رئيس الجمهورية،وإنشاء وإدارة المسرح التجريبي عام  1988، حيث أن فكرة التجريب نفسها هي عمليةإبداعية كبرى، كما وصفه زايد بأنه قامة من أهم قامات الصحافة المصرية، وقائدًا للنخبة الثقافية التي أدارت المشهد في السنوات الأخيرة.

ووصف زايد السيرة الذاتية التي عرضها سلماوي في كتابي "يومًا أو بعض يوم" و"العصف والريحان" بالتجربة الثرية للحكي عن الذات وعن الوطن، وأنها تكشف عن أن من يكتبها على دراية بكل التفاصيل التي جرت في التاريخ، مشيرًا إلى أن كتبه هي الأكثر مبيعًا لأنها تعكس خبرة ثرية في العالم الثقافي والأدبي.

وعبر سلماوي عن سعادته الغامرة لوجوده في مكتبة الإسكندرية، هذا الصرح الثقافي الهام والفارق في حياة مصر ليس فقط الثقافية، وإنما أيضا السياسية والاجتماعية،وأكد أنه من حسن الحظ أن يكون على رأس هذا المكان العظيم العلامة الكبير دكتور "أحمد زايد" الذي لديه باع طويل في الفكر ونظرة خاصة للمجتمع وطبيعته وتاريخه،وأكد على اعتزازه بالمكان واعتزازه بالمشاركة في أنشطة هذا المكان العريق.

وعن دوره الناشط والفاعل في المجال الثقافي والصحفي، أشار سلماوي أنه كما وصل في الناحية الأدبية إلى إنجاز فنفس الشيء حدث معه في الصحافة؛حيث وصل إلى منصب رئاسة التحرير وإلى عضوية  المجلس الأعلى للصحافة.

وبالإضافة لتعدد المجالات التي أبدع فيه، فكان هناك أيضا الجانب النقابي، وهذا الجانب نابع من احساسه بأنه مدين لأقرانه الذين كتبوا عنه والناشرين الذين نشروا له، فكان هذا الجانب الإنساني الذي دفعه لرد الجميل، فالعمل النقابي هدفه خدمة مصالح الغير،وقد عملفي مجلس نقابة الصحفيين لفترة معينة، حقق فيها إنجازات أفادت أقرانه من الصحفيين، ثم اتحاد الكتاب.

 وكذا في كل الأنشطة والتطورات والتحولات الوطنية والقومية الكبرى كان هناك تفاعل بينه وبينها، وعلى سبيل المثال، في موضوع الدستور أو في تأسيس مهرجان سينما وغيرهم، حتى أنه كان ضحية لبعض الأحداث الكبرى أثناء عمله عندما تم اعتقاله، و فصلمن عمله في الأهرام.

في جميع الأحوال حدث هناك تداخل ما بين الحياة الخاصة بمختلف اتجاهاتها أو أبعادها المهنية والتخصصية وتاريخ الوطن نفسه،ولهذا السبب فالسيرة الذاتية هنا جاءت على هيئة الضفيرة  التي أدت إلى الخلط بين الخاص والعام، من هنا فهو نوع من التأريخ يختلف عن كتب التاريخ، وفي رأيه فهو يختلف كثيرا أيضا عن كتب السيرة الذاتية .

وأضاف سلماوي أنه التزم في كتابة  السيرة الذاتية بمعايير هامة:

أولها: الصدق الشديد الذي يؤدي إلي التواضع؛ لأن آفة الكثير من السير الذاتية في عالمنا العربي هي التجميل، وعن سبب اختياره لـ "يوما أو بعض يوم" عنوانا للجزء الأول من سيرته الذاتية، قال سلماوي أن ذلك اقتباسا عن سورة "المؤمنون"، وأن حياته على مدار 70 عاما أو أكثر ما هي إلا يوم أو بعض يوم.

ومن شدة صدقه في مذكراته تحدث عن أنه ألحد في مرحلة المراهقة، وأن مرحلة وصوله للإيمان كانت مهمة جدا، وذكر قصة إلحاده ولم يخجل منها لأنها قد تفيد الكثير من القراء، كما ذكر أول تجربة جنسية له، وأكد أن هذا الصدق هو الذي يعطي  للسيرة الذاتية قيمتها.

ثانيها: التوثيق فلم يذكر أي واقعة دون ما يوثقها، وأخذ هذا التوثيقأكثر من شكل فهو إما وثيقة مكتوبة، أو صورة فوتوغرافية، أو قصاصة من صحيفة تؤكد المعلومة، وربما هذا ما جعل السيرة

رائجة بشكل لم يكن يتوقعه؛ لأن القارئ يجد فيها تاريخ سياسي، ثقافي، ذاتي، وطني.

وعن عنوان الجزء الثاني "العصف والريحان" فالعصف هو ما يطير في الهواء ولا قيمة له، أما الريحان فهو العشب الذي له رائحة تظل في ذاكرة الفرد لفترة طويلة، والحياة هي هذا وذاك.

وأضاف سلماوي لميدل إيست أون لاين أن كل ما ذكره في السيرة الذاتية غير معتمد على الذاكرة وذلك لأنه يسجل مذكراته ولم ينس شيئا منها.

وتحدث سلماوي عن حبه للكتابة منذ الصغر، ولم يعلم في ذلك الوقت واضحا له هل سيصبح كاتبًا أم هي مجرد هواية، وكانت اللحظة الفارقة في حياته عندما كتب مسرحية باللغة الإنجليزية وعرضها على مسرح الجامعة الأمريكية، ونالت إعجاب أحد النقاد الإنجليز.

وأضاف "سلماوي" إن هذه المسرحية الأولى والأخيرة التي كتبها باللغة الانكليزية، عقب ذلك اتخذ قرارًا بالكتابة باللغة العربية لأنه يكتب للجمهور المصري والعربي، وساعده حفظه للقرآن على تحسين لغته العربية، وكتب أول مسرحية "فوت علينا بكرة" بالعربية وتوالت المسرحيات عقب ذلك.

واستطرد قائلاً: "كنت أعتقد أنني سوف أتخصص في الكتابة المسرحية، ولكن اكتشفت غير ذلك، فالكتابة مثل الولادة ولكن تكوين الجنين يتم في عقول المتلقين، وكتبت بعدها القصة القصيرة والرواية ومؤخرًا الشعر الذي اعتبره أقل إنجازاتي الأدبية".

وأوضح سلماوي إنه انتقل إلى الصحافة عن طريق الصدفة بعدما مدحه أصدقاءه أمام محمد حسنين هيكل، رئيس تحرير جريدة الأهرام في ذلك الوقت، وعقب شهر عُين بها، ووجد في الصحافة الارتباط بالواقع، والأهرام في وقتها لم تكن انعكاس للواقع فقط ولكن تشارك في صناعته، وقد اختار الأهرام واختارته للعمل بها.

وعن الوضع الثقافي في مصر؛ قال سلماوي إن مصر تمر بمرحلة انتقالية هائلة ليس فقط في الأدب والثقافة، والتي بدورها تشهد حراكًا، فعلى سبيل المثال عند مراجعة الروايات التي صدرت خلال العامين الماضيين والتي تقارب 30 رواية نجد أنها لكتاب في بداية مشوارهم مما يعني أنه من الممكن أن يكون هناك 5 من بينهم نجيب محفوظ جديد، متوقعًا أن يكون خلال 10 سنوات أسماء أدبية كبيرة لأن التحولات الكبيرة تنتج نجومها.

وأكد سلماوي أن المثقفين لهم صوت ومتواجدين على الساحة الثقافية بشكل كبير منذ ثورة 2011.

وتابع: "إن من يقوم بعملية التنوير التي طالب بها الرئيس عبدالفتاح السيسي عن طريق تجديد الخطاب الديني، هم الكتاب والمثقفين، ولايوجد أزمة ثقافة في مصر ولكن هي ليست في أفضل حالاتها، كما الحال بالنسبة للصحافة الحالية التي لا تستحقها مصر، فهي مازالت المدرسة القديمة التي لا تواكب التطور التكنولوجي، ولكن هناك جيل جديد من الصحفيين رافضين الصحافة الحالية وسيتولون مسئولية التطوير قريبًا".

وعن الحوار الوطني؛ شدد سلماوي أن الرئيس أكد في أكثر من مناسبة متابعته لنتائج الحوار والتزامه بما يصدر عنه وهو ما يعني وجود نية حقيقية باتخاذ خطوة جديدة.

وعقب الندوة عُقد حفل توقيع للكاتب ضم الكتابين الجديدين "يومًا أو بعض يوم" و"العصف والريحان" الذي يحكي فيهما عن سيرته الذاتية وتداخلات الأحداث التي شهدها الوطن التي تأثر بها وشارك في صناعة بعضها.

جدير بالذكر أن الكاتب محمد سلماوي درس اللغة الانكليزية بكلية الآداب جامعة القاهرة والتي تخرج فيها عام 1966، كما حصل على دبلوم مسرح شكسبير بجامعة أكسفورد بإنكلترا، ثم التحق بالجامعة الأميركية وحصل على درجة الماجستير في الاتصال الجماهيري.

عين مدرسا للغة الإنكليزية وآدابها بكلية الآداب جامعة القاهرة ثم انتقل إلى جريدة الأهرام ليعمل محرراللشؤون الخارجية، كذلك تم انتدابه وكيلا لوزارة الثقافة للعلاقات الخارجية.

تم تعيينه مدير تحرير بجريدة الأهرام الصادرة باللغة الإنكليزية، كما عين رئيسا لتحرير جريدة الأهرام الصادرة بالفرنسية، كذلك شغل منصب رئيس مجلس أمناء صحيفة المصري اليومالمصرية المستقلة ورأستحرير الصحيفة في عام 2014.

مؤلفاته تغطي عددا كبيرا من جوانب الإبداع ففي المسرح له إبداعات عديدة أهمها: "فوت علينا بكرة"، "قاتل خارج السجن"، "سالومي"، "اثنين تحت الأرض".

أسس مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي عام 1988 وكان أول أمين عام للمهرجان.

صدرت له مؤلفات قصصية وروائية كثيره منها "الرجل الذي عادت اليه ذاكرته، الخرز الملون، أجنحة الفراشة".

وقد نال سلماوي ثقة الكاتب الكبير نجيب محفوظ ليلقي كلمته في الاحتفال بحصوله على جائزة نوبل في الآداب.

كما حصل على الكثير من الأوسمة المستحقة منها، جائزه الدولة التقديرية، وجائزة النيل، ووسام التاج الملكي البلجيكي، ووسام الاستحقاق من الرئيس الإيطالي، والوسام  الفرنسي.