مخاطر المواقع الألكترونية على الأمن الوطني

العراق مثال كلاسيكي على هشاشة الدفاعات أمام الهجمات السيبرانية التخريبية والدعائية.
الدعاية تأثيراتها كارثية على أمن العراق وتهدد السلم المجتمعي بأضرار بالغة
دعوات في العراق لحماية الأمن السيبراني ومواجهة التهديدات الالكترونية
التهديدات الالكترونية للمواقع الحكومة دليل على توسع رقعة الفساد

أصبحت المواقع الألكترونية، أو ما يطلق عليه الان، الجيوش الألكترونية السبرانية أحد أهم التحديات التي تواجه الحكومات والأمن الوطني لبلدانها، وهو تحد خطير ومتشعب، تدخل فيه قوى سياسية وجماعات مسلحة وشركات تجارية ومواقع الكترونية متخصصة بمختلف أنشطة الحياة وفروعها.

وتبدو مخاطر تأثيرات تلك المواقع في الجوانب السياسية والاجتماعي والاقتصادية والرياضية، ويعد الوسط الرياضي هو البيئة الاكثر سلبية بالتأثير بتلك الحملات التي تقودها جهات وشخصيات مؤثرة، بهدف ارباك هذا الوسط والشخصيات والرموز الرياضية التي تعددت أنواعها وفروعها ومهامها والشخصيات التي تنضوي تحت لواءها، وكيف تكون هدفا سهلا لتلك المواقع، سواء كانت إستهدافات شخصية، أو جماعية، وهو مايشكو منه الوسط الرياضي والبرامج الرياضية عبر الفضائيات والصحافة الرياضية المثقلة بإساءات كثيرة للجهات التي تقع تحت دائرة إستهدافها.

ويعد العراق البلد الأكثر رواجا وخطورة لتوجهات المواقع الألكترونية وانتشارها خارج المألوف، حتى أصبحت تشكل تهديدا جديا، ليس للأمن الوطني فحسب، ولكن لسمعة الشخصيات السياسية والافراد والجماعات، إذ يصعب مواجهة حملاتها واخطبوطها المتسارع، بعد تسارع وتيرة ثورة الاتصالات وغزو وسائل التواصل الاجتماعي للمجتمعات وساحات الدول، ثم دخل الفيسبوك الى تلك الساحة، لينضم العديد من الاشخاص الى جوقة المواقع الالكترونية في حملات حربها النفسية ذات الأغراض المتعددة.

ويمثل الانتشار الواسع للمواقع الألكترونية حالة من حالات الفوضى والفلتان في الحرب الألكترونية الدعائية، والتي لابد وان تترك تأثيراتها الكارثية على أمن البلد وتهدد السلم المجتمعي بأضرار بالغة، وبخاصة أن الكثير من تلك المواقع من هو مرتبط بجماعات مسلحة أو جهات سياسية او اقتصادية أو إجتماعية، وتبث عبر تلك المواقع مختلف الاخبار والتقارير الاخبارية والتسريبات الدعائية، التي تمثل حالة الانفلات والفوضى في هذا العالم الالكتروني، لعدم قدرة الحكومات والأجهزة الأمنية السيطرة على العدد الكبير من تلك المواقع.

ولم تسلم الأجهزة الحكومية وبخاصة الأمنية منها من هذا الاستهداف، إن لم يكن الأخطر من بين دائرة الاستهداف هذه، حيث كانت أجهزة الامن في العراق قد أعلنت قبل أشهر عن توصلها الى هجمات الكترونية إستهدفت مواقع إلكترونية حكومية، تسببت باختراق عشرات المواقع بين فترة وأخرى، بعضها يخص مواقع تابعة لوزارة الداخلية واخرى للأمن الوطني وثالثة لهيئة النزاهة ورابعة لوكالة الاستخبارات وخامسة للصحة، ووزارات اخرى، وقعت جميعها في أوقات مختلفة، لكن الاجهزة الامنية المتخصصة بمتابعة أنشطة المواقع الالكترونية نجحت في إستعادة غالبية تلك المواقع بعد ساعات من تعرضها للاستهداف.

ومن أخطر ما تعرضت له تلك المواقع الحكومية إنّ المخترقين تمكنوا من سحب معلومات كثيرة من قاعدة البيانات ومحتوى المواقع التي تم اختراقها، إضافة إلى الولوج إلى أجهزة كومبيوتر حكومية، وتمكنت قوات الأمن من التحقق من تلك المجاميع التي تبنت مثل هذه العمليات الهجومية، وتبين أن غالبيتها من مجاميع محلية لا ترتبط بالخارج، والعملية كانت معدة وموجهة ضمن رسائل للحكومة، إذ ترك المخترقون ما جعل المحققين يفهمون نوع الرسالة التي أرادوا إيصالها، وهي أن هناك فساداً في فريق الأمن السيبراني الحكومي، ويتورط بعضهم بجرائم فساد مالي وانتهاك خصوصيات عراقيين وسياسيين ومشاهير لصالح جهات معينة داخل وخارج العراق، ومثل تلك الأنشطة موجودة في أغلب دول العالم المهمة، حتى ان الولايات المتحدة نفسها كانت هدفا لمثل تلك الهجمات حيث تعرضت مواقع للبنتاغون وأجهزة أمنية للتهكير والاختراق أكثر من مرة، وهناك شباب باعمار صغيرة كان بعضهم وراء تلك المهام الخطيرة.

وكانت لجنة الأمن البرلمانية العراقية قد حذرت من تسرب معلومات أمنية مهمة وحساسة خلال عمليات الاختراق، التي تتعرض لها بين وقت وآخر، وعبرت عن قلقها من خطورة المعلومات في المواقع المخترقة، والتي قد تكون بيد المخترقين، داعية الحكومة العراقية إلى "حماية مواقعها الإلكترونية وتشديد الحصانة عليها، من خلال تحصينها بشكل محكم وعدم اختراقها مجدداً وذلك من خلال التعاون مع مختصين في عالم التكنولوجيا الحديثة والمتطورة في البلد، وليس الاعتماد على الخبرات السابقة، وعدم تطورها بما يتناسب مع الواقع الحالي لعصر التطور والتكنولوجيا".

وكان مركز الإعلام الرقمي قد دعا إلى ضرورة تأسيس هيئة مهنية ومستقلة للأمن السيبراني في العراق، تأخذ على عاتقها النهوض بهذا المجال الذي بات يشكل تحدياً أمام الكثير من الدول.

وأكد المركز، في بيان أن "إيجاد مثل هذه الهيئة المختصة بالأمن السيبراني سيُسهم في تعزيز الوعي الرقمي لدى الأفراد والمؤسسات الحكومية والأهلية على حد سواء، كما أنها ستوفر أرضية جيدة لحماية البنى التحتية للمؤسسات الحكومية التي تعتمد على التكنولوجيا في جزء كبير من أعمالها".

وعدَّ مركز الإعلام الرقمي عملية اختراق العديد من المواقع الحكومية الإلكترونية، "دليلاً على افتقار العراق لاستراتيجية واضحة للأمن السيبراني، خصوصاً أن بعض المواقع التي تم اختراقها مختصة بالأمن القومي، ومن المفترض أن تكون مُحصّنة وبعيدة عن الاختراق".

ويؤكد محللون أن التهديدات الإلكترونية (السيبرانية) تنتشر عبر تحديات غير مرئية تؤثر على منظومة الأمن الوطني العراقي، وفي عصر التكنولوجيا أصبح لأمن المعلومات الدور الأكبر في صدّ أي هجوم إلكتروني ومنعه، وقد تتعرض له أنظمة الدولة المختلفة، وأيضاً حماية الأنظمة التشغيلية من أي محاولات للولوج بنحو غير مسموح به لأهداف غير سليمة، فالتطور التكنولوجي الذي شهده العراق في مجال المعلومات والاتصالات بعد عام 2013 أدى إلى أن يصبح العراق مرتعا خصبا لكثير من دول العالم، لاختراقه والتجسس على المعلومات الخاصة بالمؤسسات الأمنية، واستخدام العراق كساحة لشنّ الهجمات الإلكترونية لضرب أمن معلومات أي دولة كانت واختراقها.

ومن المظاهر التي أشرتها الأجهزة الأمنية أن أكثر المؤسسات العراقية تتعاقد لتجهيز معلوماتها من أقمار صناعية ذات مورد خدمة واقع خارج الحدود العراقية الذي يؤدي إلى مرور تلك المعلومات في خوادم تلك الدول، ورجوعها إلى العراق إذ يشكل هذا الإجراء خرقاً لأمن المعلومات العراقي، ولتلافي مثل هذه الخروقات الكبيرة التي تتعرض لها حركة المعلومات في العراق يتوجب بناء منظومة متكاملة لأمن المعلومات؛ مع التركيز على ضمان توافر أنظمة المعلومات وتمتين الخصوصية، وحماية سرية المعلومات الشخصية، واتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لحماية المواطنين من مخاطر الفضاء السيبراني.