مخاطر النظام الرئاسي في العراق

بحجة تركيز المسؤولية، سيضيع على السنة والأكراد حصصهما في تشكيلة المحاصصة الحالية.

تتصاعد الدعوات في العراق منذ أكثر من عشرة أعوام، لإقامة نظام رئاسي في العراق، في أعقاب فشل العملية السياسية وساستها في تقديم أنموذج مقبول لنظام الحكم في هذا البلد.

ومن الملاحظ أنه طيلة فترة الستة عشر عاما الماضية، لم يقدم ساسة البلد، وبخاصة رؤساء الحكومات المتعاقبين، جميعهم وبلا إستثناء، أي شكل لدولة يطمئن الجمهور العراقي على أنهم قادة دولة. بل لقد أثبت من قادوا مسيرة رئاسات الوزراء في الحكومات المتعاقبة، أنهم غير قادرين على قيادة دولة، وبشهادة جمهور مكونهم، وهم لا يؤمنون بها في قرارة أنفسهم، لأن ارتباطاتهم وتبعية أنظمتهم السياسية تدور في فلك آخر، يسير بإتجاه إقامة نظام "ولاية الفقيه" في العراق، على غرار النظام السياسي القائم في إيران، وهو الأمر الذي يقلق كثير من العراقيين التواقين الى إقامة دولة ديمقراطية، لا دينية، تؤمن بالحرية والتعددية للجميع، وانتقال السلطة السلمي، ولم يعد الخضوع لإرادة طائفة تحت مبررات الأغلبية في أي نظام سياسية يجري الاعداد له في المستقبل أمر مقبولا بأي شكل من الأشكال.

ويعد النظام البرلماني الحالي في العراق على علاته، وفشله في تحقيق طموحات العراقيين، هو الأفضل نسبيا، والاكثر موائمة، للمحافظة على إرادات المكونات الطائفية والقومية العراقية، وهو وحده الذي يحفظ للمكونات التي تتهم بأنها أقلية أن بمقدورها في ظل نظام تقاسم السلطات الثلاث أن يكون مجلس النواب من حصتها، وبخاصة المكون السني، الذي يرى في الدعوات التي تهلهل للنظام الرئاسي انها حيلة كبرى ومخطط وأد إن صح التعبر، يكرس مفهوم الهيمنة للطائفة الشيعية، وبخاصة الموالية منها لايران، لكي تقيم نظاما شبيها بنظام ولاية الفقيه القائم في إيران. كما أن النظام البرلماني يحفظ للكرد، كذلك ان تكون سلطتهم مكفولة، تحت ظل تسلمهم لـمنصب رئاسة الجمهورية، ولو لم تكن هناك سلطتا مجلس النواب ورئاسة الجمهورية، لذهب كل من سنة العراق وكرده في خبر كان.

لقد بلغ بساسة المكون الآخر الذي يدعي الأغلبية أن سلطة رئاسة الوزراء، وكل الوزارات والقيادات العليا في سلطتي الدولة والبرلمان وباقي المؤسسات الاخرى لم تعد تكفيهم او تشبع نهمهم، وهم يريدون الاستحواذ والهيمنة على كل مقدرات العراق وثرواته ومكونات شعبه الأخرى، وياليتهم لو وظفوها لبلدهم، ولكنهم يسرقونها ويمنحونها لبلد آخر، ولا يترك لباقي المكونات العراقية الأخرى، الا بقايا عظام نخرة، وربما تتم معاملتهم على أنهم "كلاب" ينبغي إعطائهم "عظمة" لكي يكون بمقدورهم أن يكردشوها، أي انه يمكن الهائهم بتلك العظمة، وعليهم أن يقبلوا بها، والا يتم حرمانهم، من كل شيء، كون هؤلاء الساسة يمتلكون ثروة النفط ضمن محافظاتهم، والعدد الكبير من الاتباع هناك، ويجدون ان بإمكانهم ان يهيمنوا على أي معلم متبق لشكل الدولة، لكي لا يبقى معلم من معالم دولة في يوم ما، إذ أن رجال دينهم أصلا لايؤمنون بـ بمنطق الدولة حتى وان حكمها ساستهم أنفسهم، فهم لا يؤمنون بأي حاكم حتى من طائفتهم، وهذه النظرة ليست وليدة اليوم، بل هي نتاج فترات عشرات السنين، ومنذ عهد الملكية وحتى الان، وهم يريدون ان يجنوا من الدولة حليبها، ويجنوا منها الثروات، بطرق مختلفة من الهيمنة على المقدرات، وما يتبقى من فضلة فيترك للآخرين من أبناء العراق من طائفتهم الفقيرة المعدمة، ولبقية الطوائف والمسميات الاخرى.

ولهذا فإن أي تفريط من قبل المكونين السني والكردي بالنظام البرلماني فلن تقوم لهم قائمة بعد اليوم، وسيتذكرون أنهم كانوا في يوم ما في السلطة ولهم بقايا نفوذ. اما في النظام الرئاسي، فسيبقى مصيرهم "مولدا بلا حمص" كما يقال.

النظام الرئاسي، لن يكون ملائما للمكونات العراقية، في كل الاحوال، وهم يريدون لهم فقط، لكي يحتكروا هذا المنصب المهم لهم وحدهم، وهو عملية نصب أفخاخ وخدعة كبيرة، بل ومؤامرة خطيرة، على المكونات العراقية، ولن يقدم لها خدمة إن لم يسلب منهم بقايا المكتسبات التي حصلوا عليها، والتي يراهنوا من خلال سلطتي البرلمان ورئاسة الجمهورية لكي تحفظ لهم بقايا ماء وجههم، إن صح التعبير.

والأخطر من هذا هو ما يجري من عمليات تغيير ديموغرافي واسعة النظاق ومتعددة الاشكال والوجوه، تجري في كل مدن العراق، وبخاصة في بغداد والمحافظات الغربية، والخطوة الأولى تتجه نحو التشييع الواسع النطاق في تلك المحافظات، من خلال تواجد أحزابها وجماعاتها المسلحة، لتمتد دولة ولاية الفقيه من ايران حتى سوريا والاردن ولبنان، وعلى المكونات العراقية الأخرى أن لا تقع هذه المرة ضحية عمليات نصب واحتيال وتآمر يستهدف وجودها، ولهذا يجب المحافظة على النظام البرلماني، على ضعفه ومحدوية امكاناته، فهو الوحيد الذي يحفظ للسنة وللكرد ولباقي الأقليات، بقايا هيبتهم، ولكي لا نقرأ على العراق السلام.