مرآة الطفولة في 'يوميات مريم'
تدور رواية "يوميات مريم.. ذاكرة فتاة ريفية" حول فتاة في العاشرة من عمرها، تسجل مشاعرها ومواقفها اليومية وما يحدث معها في دفتر مذكراتها، مثل تجاربها الشخصية، وأحلامها، وروابطها الأسرية بأمها وأبيها وجدها وأخيها الذي يصغرها، وعلاقتها ببعض الحيوانات مثل الكلب والحمار والدجاج والبقر والنحل والقطط، وطقوس الأعراس، وطبيعة القرية، والصداقة، والأعشاب الطبية، وحراثة الأرض، وقطف العنب، وشقاوة الطفولة، وحمل الأم، وغيرة الأخ، وحياكة ملابس الوليد، وحل المشكلات، وغيرها.
وهي رواية موجهة للفتيان من الفئة العمرية ما بين 9 إلى 12 سنة، وتقدم سردًا سلسًا لطيفاً يناسب هذه الفئة، بلغة سهلة واضحة لا تعقيد فيها. وتتميز الرواية بغياب الأحداث الصاخبة، والحبكة الدرامية التقليدية، لكنها تهتم بالتفاصيل والاهتمامات الطفولية البسيطة، وهي أقرب إلى سيرة وجدانية مجزأة في مفكّرة، تعكس بصدق وواقعية حياة فتاة قروية قبل ستة عقود تقريبًا، مؤكدة على أهمية الكتابة وسيلة للتعبير عن الذات وحفظ الذكريات.
تحديات وفرص
تهدف الرواية بشكل غير مباشر إلى تعزيز قدرات الفتيان والفتيات، وتعليمهم مهارات الحياة، ومواجهة الصعوبات والتحديات أيًا كانت، وعدم الكسل والتقوقع، وضرورة استثمار الفرص بما يعود بالنفع على الفرد والمجتمع في آن واحد.
الحياة في القرية لها متطلباتها وقواعدها، كما أن للحياة في المدينة متطلباتها، ومن هنا، يعاني المدني صعوبة العيش في القرية، والعكس صحيح، وهذا ما عبر عنه معلم المدرسة المدني عندما لبى دعوة والد مريم على الغداء. في القرية -قديمًا- كان لا بد من جلب مياه الشرب من مسافات بعيدة، وحراثة الأرض باستخدام النير الذي يجره الحمار، وقطف كروم العنب عند نضجها، والتعامل مع الكلاب والحشرات والحيوانات في الحظائر وما تحتاجه من علف وماء، وغيرها. وهذا يتطلب من الفتية صبرًا وقدرة على التحمل، والقيام بجزء من مهام الأسرة، وما يتضمنه ذلك من تدريب على مهارات الحياة والإعداد للمستقبل. ومع أن الحياة تغيرت الآن بشكل كبير، إلا أن القرية ما زالت مختلفة عن المدينة، ولكل خصوصيتها ومتطلباتها.
تشير الرواية إلى الأعشاب الطبية "صيدلية الريف" وخبرات النساء في معرفة استخداماتها بدقة بما يتوارثنه عن الجدات، ويورثنه للبنات، في دورة حياتية لا تتوقف، وللأعشاب الطبية أهميتها في القرى؛ لبعدها عن المدينة، وضرورة التدخل العلاجي في الوقت المناسب. وهذا لا يعني أن أبناء المدن لا يحتاجون للأعشاب الطبية، بل من الضرورة بمكان أن تُنشر ثقافة "طب الأعشاب" وخاصة المتوفرة منها في البيوت لفوائدها الجمة؛ وقاية وعلاجًا.
تركز الرواية على أهمية التعاون بين الإخوة في البيت الواحد، وإيجاد مساحات مشتركة بينهم، من خلال الأنشطة والألعاب والمهمات البيتية والقراءة، وهذا يُقرّب بين الإخوة، ويُمتن الروابط، ويقلل من المشاحنات والخلافات، ويقع ترتيب ذلك على الوالدين أولًا، ومن ثم الإخوة الكبار تجاه الإخوة الأصغر سنًا.
اختتمت الرواية بحلم جميل جاء أشبه بإيجاز للرواية، يحمل شكاوى وحلول لها، ومنها الخلاص من مخاوف مريم، ولما نفذت حلول الحلم لاحظت نتيجتها الفورية المرضية، مما جعل جدها يقول لها بعد أن قصت عليه حلمها وما فعلت بشأنه أنها "مصدر سعادته وبهجته حتى في أحلامها". ولهذا الفصل دلالته ورمزيته؛ أن لا يُهمل الفتية أحلامهم في اليقظة والمنام، ففي بعضها الخلاص والنجاة، وبعضها يتطلب سعيًا وجهدًا وإصرارًا لتحقيقها وترجمتها على أرض الواقع، ومن لا أحلام له لا مستقبل له، إلا إن رضي أن يعيش على هامش الحياة.
اليوميات كقالب روائي
اعتمدت الروائية صفاء الحطاب "اليوميات" كقالب سردي رئيس للرواية، حيث جاءت الرواية على هيئة مذكرات يومية تسجلها البطلة "مريم" لتعبر عن أفكارها وانفعالاتها ومشاكلها الصغيرة ونشاطاتها وأعمالها التي تأخذ في نظرها أبعادًا كبيرة. هذا الشكل يمنح الرواية واقعية وصدقًا وجدانيًا.
ولكن هذا الشكل قد يُثير تساؤلًا حول تقبل "اليوميات" كشكل من أشكال الرواية أو كأساس للرواية. ويبدو أن الكاتبة توقعت ذلك، فبدأت روايتها وأنهتها بسرد روائي لا علاقة له باليوميات، وما بين البداية والنهاية سبع عشرة يومية، أقرب إلى فصول روائية مترابطة، مما يزيل أي إشكال أو لغط حول الرواية إلا لمن أراد أن يتنطع ويحبس نفسه في قوالب جامدة، متجاهلاً أن الرواية قادرة أن تستوعب وتوظف جميع الفنون الإبداعية والكتابية.
وبعد، فإن رواية "يوميات مريم.. ذاكرة فتاة ريفية" للروائية الأردنية صفاء الحطاب، الصادرة حديثًا في عمّان، عن أمواج للنشر والتوزيع بدعم من وزارة الثقافة، عمل أدبي تربوي يستحق القراءة، وهي نص ينمو مع القارئ، ويحثه على التفكير في حياته وتدوين تفاصيلها وخاصة الأحلام بنوعيها. وتفتح بابًا للقارئ نحو الحوار مع ذاته، وتمنحه نموذجًا لطيفًا يُحتذى به في مواجهة الحياة اليومية، والتمتع بما فيها من جمال ومميزات، وضرورة تغليب النظرة الإيجابية وحسن الظن. وهي لا تُقدّم مواعظ مباشرة، ولا أحداثًا مثيرة، لكنها تزرع في القارئ شعورًا بالطمأنينة، وتُحفّزه على أن ينظر داخل نفسه. إنها دعوة صامتة للكتابة، ولحب التفاصيل الصغيرة، والتعامل مع التحديات بمرونة وشغف وعقل متفتح.