مركز الحرية للإبداع بالإسكندرية يحتفي بالشاعر أحمد سويلم

الاحتفالية تنهج شكلا مختلفا فبالإضافة لكلمات عدد من المثقفين عن دور الشاعر الكبير في حياتهم ودعمه لهم تم تقديم أوراق بحثية عن أعماله الشعرية وإبداعاته المختلفة.

أقام مركز الحرية للإبداع التابع لصندوق التنمية الثقافية الأربعاء الموافق 14 ديسمبر/كانون الأول احتفالية بالشاعر الكبير أستاذ أحمد سويلم  بعنوان "الشاعر الكبير/أحمد سويلم رحلة الشعر والعطاء" بمناسبة بلوغه 80 عاما، بمشاركة نخبة من أدباء الإسكندرية ومثقفيها.

ونهجت الاحتفالية شكلا مختلفا، فبالإضافة لكلمات عدد من المثقفين عن دور الشاعر الكبير في حياتهم ودعمه لهم، تم تقديم أوراق بحثية عن أعماله الشعرية وإبداعاته المختلفة، وقدم الاحتفالية الشاعر جابر بسيوني، وشاركه المنصة كل من أ.د. بهاء حسب الله، أستاذ الأدب العربي، كلية الآداب، جامعة حلوان، والشاعر والروائي الكبير أحمد فضل شبلول والشاعرة عزة رشاد، وتنوعت الأوراق المعروضة بين دراسة عن شعره، ودراسة عن مذكراته، وقصيدة شعرية في مدحه.

وفي البداية ألقى الشاعر والروائي الكبير أحمد فضل شبلول كلمة د. فوزي خضر والتي قال فيها:

"ربما كنت أسبق أدباء الإسكندرية في التعرف إلى الأستاذ أحمد سويلم، فقد امتدت الصداقة العائلية بيننا عشرات السنين كان خلالها الأستاذ أحمد الأخ والسند. ويكفي أن اشهد أنه كتب تقارير نشر معظم دواويني، وهذا  شيء من أشياء كثيرة في مجال الأدب، فهو كان يمد يد العون للجميع بكل مصداقية ومروءة، لذلك أسعدني أن نسهم معا في الاحتفال به في عامه الثمانين، أقدم لكم جميعاً أسمى آيات الشكر وكل التقدير لكل من  أسهم في هذه الاحتفالية بالشاعر الباحث المسرحي ، مؤلف مسرح الأطفال".

ثم عرض الأستاذ الدكتور بهاء حسب الله، أستاذ الأدب العربي، كلية الآداب، جامعة حلوان، ورقته البحثية بعنوان "تجربة أحمد سويلم في ميزان النقد" وركز في دراسته النقدية على لزوميات أحمد سويلم، واختار 3 لزوميات هي: لزوميات السباق، لزومية الاحتواء، لزومية الارتواء.

حيث أكد على أنه من واجبهم على الشاعر أحمد سويلم ومن واجبه عليهمأن يستمع إليهم كنقاد وراصدين لحركته الشعرية التي امتدت إلى قرابة ثلاثين عاماً أو أكثر، تطورت عنده الفكرة الشعرية، والموضوعية الشعرية، وما ترتب عليه من بنيات فنية جديرة بالرصد والتحليل، فأحمد سويلم الذي رأيناه في يوم من الأيام شاعرا كلاسيكيا في مطلع حياته مشغولا بتجربة البحور وموضوعية القصيدة التلقائية المباشرة، هو أحمد سويلم الذي نراه مجدداً في أنماط بناء القصيدة ومعانقا لفكر التفعيلة الشعرية وموضوعاتها ودراميتها، وهو نفسه الذي رأيناه يخط فن اللزوميات بإضافة جديدة بلا شك تعكس الوجه الحقيقي لسويلم الإنسان والشاعر والمبدع، وأكد أن فن اللزوميات عند أحمد سويلم في حاجة إلى قراءة جديدة من زاويتي "النقد والتحليل"  "الرصد لرحلة الرجل" وإلا ما كان هذا الفن عنده.

ثم أشار إلى أن لزوميات أحمد سويلم خرجت من وحي الشخصية الشاعرة، ومن وحي إبراز الذات، ومن وحي القول والحقيقة بأنه يقول:"هاأنا ذا وهذه خطوتي وهذا روي الوحيد لمن راهن على تجربتي يوما أو ظن أنني راهنت في عالم الفن والشعر على حصان خاسر أو أنني خدعت من تسابق معي بقول غادر أو أنني جئت أنافر بحرف غير حرف الشاعر"، وهذا ما برز في "لزومية السباق" التي يقول مطلعها:

ما جئت أراهن بحصان خاسر

أو أخدع من أتسابق معه.. بالقول الغادر

لكني جئت أنافر... بالحرف الشاعر

حرف يبدأ منذ بدأ العالم... لا قيد عليه ولا خاتم

يعلو صهوة كل ركاب... لا يوقف سطوته طاغوت راغم

ثم انتقل إلى لزومية أخرى ليشرح من خلالها وجه سويلم الموضوعي الصادق والفني الآسر وطبيعة التكوين الحقيقي لمبدعنا الذي هو في الأصل مخلوق من نبت الورود والزنابق والياسمين، وهذا ما جاء في "لزومية الارتواء" التي يقول مطلعها:

زنبقة نبتت في صدري.. تتفرع ، تمتد

تقطر عطر هواها في نهر العمر وتجدد شعري

أعشق شلال الحلم المتدفق من فتنتها

نبع من شهد وعطاء

يروي عطش القلب

ويشفي أعتي الأدواء

 يعصر كل نجوم الليل بكاس لقاء.

وأشار حسب الله أنه هنا قد بات صدره "المؤشر المجازي هنا" لأن الصدر موطن الروح والنية الإنسانية قد بات منبتا (اسم مكان) للورود والزنابق  والياسمين في صورة جدلية بارعة جديدة تكشف عن أن الصدر هو منبت الروح والإنسانية والعشقي في وقت باتت الصدور بالحقد والكراهية والمكر والتربص بل أن من ذلك المجاز بهذا المعنى قد أخذ يتفرع ويمتد ويقطر عطرا ويجدد شعرا.

وأكد د. بهاء حسب الله في ختام ورقته البحثية إلى موضوعية الشاعر الكبير أحمد سويلم ولزوميات طغيان المرادف الصوفي عبر كل أعماله في منهجية تحتاج فعلا إلى الرصد، وهذه المنهجية لا غرابة فيها لسبب ألا وهو ما يكشفه الإبداع من خصيصة نفسه ودخيلة ذاته، هذه الخصيصة تتضح في لزومية الارتواء، فيقول فيها أن له نبت حقيقي من الزنبق والعطر وواصلالأرض بسماء الوجود لنراه في "ضي نجوم الليل" وفي "طوفان النور" وفي "شموس الحق" وفي "مواكب الحكم" فلا غرابةأن يكون ساكنها هو نبع النور الصافي الغارق، الذي بدا كمحرك خلفي لكل قصائد اللزوميات عند سويلم، كيف سكن المحرك الصوفي ظلال النص في قصيدته الرائعة، وكيف أنه يدمج المعني الصوفي بمفردات العشق والطبيعة في انسجامية مضفرة تشي بدرجة من درجات التوحد والتماهي والاختلاج بين عناصر المثلث الثلاث (العشق والضيعة والتماهي الصوفي)، وهذا مطلع "لزومية الاحتواء":

 النهار انقسم واللظى يحتدم

والمدى موجه يضطرم

إنها طلعة أشرقت في الربى السامقة

الصبا.. والجمال

واشتعال العيون بسحر الحلال

وألف قصيدة من شعر وألف سؤال

ثم عرض الشاعر والروائي الكبير أحمد فضل شبلولالورقة الثانية في الاحتفالية والتي عنونها ب "مذكرات الفتي الشاعر"، حيث أكد على أن الشاعر الكبير لم يتحدث كثيرا عن نفسه في هذا الكتاب الذي أسماء "مذكرات الفتي الشاعر" والذي تساءل عنه قائلا: هل هذه المذكرات في سيرة ذاتية؟ أم لقطات من الذاكرة البعيدة والقريبة أم إضاءات حول بعض المواقف والشخصيات التيلاقيتها في حياته يحكيها ببساطة وعفوية، ولكن الشاعر أحمد فضل شبلول يميل إلى استبعاد الكتاب عن دائرة السيرة الذاتية، إلا أنه لم يجد أحمد سويلم كثيرا به،  فهو يتحدث عن الشخصيات التي أثرت في حياته وفي مشواره الإبداعي والإنساني والوظيفي، وربما يلقي عليها الضوء أكثر من إلقائه على نفسه كما نرى في كتب السيرة الذاتية الأخرى مثل الأيام لطه حسين، أو الخبز الحافيلمحمد شكري، أو "أنا" للعقاد، وغيرها.

أضاف شبلول أن سويلم قد قسم  كتابه إلى قسمين مذكرات الطفولة، وشخصيات القامات العالية. وأشار إلى أن القسم الأول من الكتاب الذي استغرق حوالي 45 صفحة شمل ملامح من السيرة الذاتية، والتي تحدث فيها الشاعر بصيغة الغائب وعبر عن نفسه بـ "الفتي" ويرى أن في ذلك حرية أكبر وبعدا عن النرجسية والمبالغة، وهو ينهج في ذلك نهج طه حسين في "الأيام" الذي كان يُطلق على نفسه الصبي أحيانا، و"الفتى أحيانا أخرى. وقد روى الشاعر أنه كان أكبر إخوته الصغار؛ لذا أحس بالمسئولية تجاه والدته وإخوته طوال حياته، سواء في بيلا بكفر الشيخ، أو عندما انتقلت الأسرة للعيش بالقاهرة بعد أن انتقل الشاعر للعمل فيها بدار القلم عند خاله الناشر محمد المعلم، كما يشرح لنا كيف اكتشف موهبته الشعرية في فصل أحلام كبيرة في عقل صغير، حيث فجأة هاجم الفتى شيطان الشعر، جذبه كثيرا من مذاكرته، لكنه سرعان ما كان يتذكر مسؤوليته القادمة فيخفي أوراقه وقصائده.

وأضاف شبلول أن سويلم في سيرته يحكي في لمحة ذكية كيف تبدت العلاقة بينه وبين والدته عندما أحست الأم أن هناك شيئا ما يصرف ابنها عن المذاكرة، فيكتب قائلا عن الفتي: "يتذكر كيف كانت أمه تدخل عليه وهو يجلس متربعا على السرير وأمامه حقيبته الخشبية متخذا منها متكئا لكتابه الذي يذاكر فيه - وتدخل الأم – وهي مثل كل أمهات ذلك الجيل أمية لا تعرف القراءة ولا الكتابة – لكي تطمئن عليه.. لكن الفتى كان يندهش حينما تدخل عليه وهو يكتب الشعر.. فتدرك أمه ذلك وتصيح في وجهه مش وقته يا ابنى ، ذاكر الأول وبعدين اكتب الشعر.

يندهش الفتي: كيف أدركت الأم الأمية أنه يكتب الشعر ولا يذاكر.. لا بد أن إحساس الأم بولدها أعمق وأصدق كثيرا من أي شيء اخر".

ويسترسل شبلول فيقول: تمضي الأيام بالفتى سويلم فيحدثنا عن شجرة التوت التي تلقى بسببها ضربا وصفعا من صاحب الحقل عندما تسلق الشجرة، فوجد الرجل يقف أسفلها، بعد أن هرب أصدقاؤه الأطفال ومن يومها قرر الفتى ألا يأكل توتا طوال عمره. هل سنجد ذكرا للتوت في أعمال سويلم سواء للكبار أم للصغار؟

 كما يحدثنا عن الصديق جرجس حيث كان الفتى يؤمن بالصداقة وكان أصدقاؤه يعتزون به لأنه شاعر حساس وخاصة جرجس الذي رحل في صباه فحزن عليه الفتى حزنا شديدا وكتب عنه قصيدة نشرها في إحدى مجلات الحائط المدرسية فقامت أسرته بدعوته لإلقاء قصيدته في كنيسة بيلا في ذكرى الأربعين، لكنه انخرط البكاء حزنا على رحيل صديقه ولم يستطع إكمال قراءة القصيدة.

هكذا تمضى حياة الفتى الشاعر وصولا إلى القاهرة حيث تحقيق الحلم، سواء حلم العمل في دار نشر خاله محمد المعلم واستكمال دراسته الجامعية، أو تحقيق الحلم الشعري بالكتابة والنشر على مستوى كبير متصدر المشهد الشعري المصري منذ عام 1964 فكانت أول قصيدة بنشرها في إحدى المجلات البيروتية بدون واسطة ثم تقدم بها إلى وسائل النشر بالقاهرة واثقا في خطوه وإبداعه. في الباب الثاني من الكتاب "الشخصيات القامات العالية ويقع في حوالي مئة صفحة" يمضي الفتى في حكاياته عن شخصيات التقاها وقابلها وأصبحت مؤثرة في حياته الشخصية والأدبية بطريقة أو أخرى، وبلغ عددها في الكتاب إحدى عشرة شخصية "أنيس منصور، القلم الرشيق"،"توفيق الحكيم، اليقظة الفكرية"، "يحيى حقي، سيمفونية العشق"،"صلاح عبد الصبور، الشاعرالإنسان"،"د. عبد القادر القط، شيخ النقاد"،"عباس محمود العقاد، شموخ الشخصية"،"سعد الدين وهبة، الفارس الذي مات واقفا" "عبدالرحمن الشرقاوي، القامة الشعرية العالية" "طاهر أبو فاشا، آخر ظرفاء العصر" "د. أحمد مستجير، زراعة الفقراء"، و"محمد المعلم، الفارس المعاند".

ويؤكد سويلم في سيرته وفق ما ذكره شبلول أن هذه الشخصيات لم تكن هي التي حفرت في ذاكرته فحسب، فهناك شخصيات أخرى ليست أقل من هؤلاء قيمة وتأثيرا، ولكن مواقفه معها قليلة، وربما مرت به أو مر بها سريعا، ومنها ثروت أباظة، ونجيب محفوظ، وفاروق خورشید، وأمل دنقل، الذي كان بينه وبين الفتي علاقة محترمة حتى جاء ليستشيره زواجه بعبلة الرويني، كما جاءت هي الأخرى لتسأل سويلم في الموضوع نفسه.

 وفي ختام الاحتفالية ألقت الشاعرة عزة رشاد قصيدتها في مدح الشاعر الكبير أحمد سويلم:

يا شاعراً وحروفه الألواننَطقَ الفؤادُ ببوحها وَلِسانُ

إن كنت للشعر العفيف أميرهوعليه منك بلاغة وبيان

فلأنت للفن الأمير إذا انبرىلخياله عبر المدى فنان

وكما زهت بك روضة الشعر الذيتصبو له الأسماع والوجدان

أضحى بك الفن الأصيل حديقة أزهارها الأخلاق والإنسانُ

أورقت زهر الوجد في الشجر الذيكادت به تتساقط الأغصان

وبعثت نبض الحب في الزمن الذيكاد الهيام يلفه النسيان

أنطقت صخر اليوم والماضي الذي       عبقتْ بعطر عفافه الأزمانُ

وأعدت للشعر الفوارس بعدماکاد القصيد يغيب والفرسان

يا "حمدا" بقصيده وبفنه وبأصله: لك في القلوب مكان.