مسيرات ومسيرات والحرب في بلاد أخرى

لم تستعمل إيران مسيراتها بشكل مباشر للرد على الهجمات الإسرائيلية، غير انها فعلت الأسوأ حين وضعتها بين أيدي وكلائها في اليمن والعراق ولبنان.

هذا هو عصر المسيرات الطائرة. فالقوة القادمة هي أقل عبئا وأخف معدنا وأكثر سرعة وأشد ضررا، إضافة إلى أنها تبدو مسلية مثل ألعاب الأطفال. أما وقد أعلنت إسرائيل أنها توصلت إلى اختراع المسيرة الشبح أي التي لا تُرى، قنابلها لا تُحدث ضوضاء ولا ينبعث منها دخان أثناء سقوطها فإن موقع إيران المتقدم في صناعة الطائرات المسيرة صار معرضا للتراجع.

وعلى سبيل الاستعراض فقد قامت إسرائيل بتجريب طائراتها المسيرة الجديدة في ضرب منشآت عسكرية إيرانية يُرجح أنها لتصنيع نوع متقدم من السلاح الصاروخي. وكما العادة فإن إسرائيل لا تعلن عن امتلاكها لسلاح جديد إلا بعد أن تستعمله. وهو ما يعني أن هناك أسلحة متطورة جديدة لم تشعر إسرائيل حتى الآن بالحاجة إلى استعمالها. وهو عكس ما تفعله الجمهورية الإسلامية التي تسعى إلى إخافة الآخرين من خلال استعراض أحدث ما تنتجه مصانعها الحربية.

لم تستعمل إيران مسيراتها بشكل مباشر غير انها فعلت الأسوأ حين وضعتها بين أيدي وكلائها في اليمن والعراق ولبنان. وهو ما يؤكد أنها دولة مراهقين يمكن أن يرتكبوا الحماقات بكل أنواعها بسبب تمكن نزعة الشر منهم. وهو ما يجعل من إجهاض المشروع النووي الإيراني مسألة في غاية الضرورة من أجل سلام وأمن الحياة البشرية على سطح كوكبنا.

غير أن اللافت في الأمر أن إيران التي ضُربت منشآتها العلمية والحربية من خلال الطائرات الإسرائيلية المسيرة غير مرة لم تلجأ إلى الرد على تلك الضربات باستعمال طائراتها المسيرة التي صارت روسيا تستعملها في حربها على أوكرانيا. وهو ما لا يمكن إحالته إلى سلوك عاقل اخترق برصانته فجأة منظومة الجنون التي عمل نظام الملالي على وضعها بديلا للقانون الدولي الذي يحكم العلاقة بين الدول.

فبغض النظر عن التهويل الإعلامي للقوة الإيرانية فإن إيران التي سمحت لها الولايات المتحدة بقصف واحدة من قواعدها العسكرية في العراق تنفيسا لغضبها بعد عملية قتل قاسم سليماني لا تجرؤ على قصف العمق الإسرائيلي خوفا من رد إسرائيلي لا يمكن توقع حجمه أو نوعه أو الأضرار التي يمكن أن تنتج عنه. وهو ما يعني أن إيران هي عبارة عن فأر يظهر في مرايا إعلامه وإعلام أتباعه أسدا يجب التعامل معه بحذر وعدم إغضابه.

وليست الهيمنة على دول منهكة ومخترقة ومسلوبة الإرادة تم استضعافها مثل اليمن ولبنان والعراق بمقياس يعتد به في مجال القوة. فالعراق على سبيل المثال لم يعد دولة ذلك الجيش الذي هزم إيران ولقنها دروسا عميقة عبر ثمان سنوات، اضطر الخميني في نهايتها إلى التسليم بشرب السم الذي هو السلام من أجل انقاذ نظامه من الانهيار. عراق اليوم هو دولة مكنت الولايات المتحدة الميليشيات الإيرانية فيها من اغتصاب إرادتها الوطنية ونزع هويتها الوطنية ونهب ثرواتها وإخضاعها لحكم الولي الفقيه باعتبارها حديقة خلفية رثة.

لا تجرؤ إيران على معاملة إسرائيل بالمثل. أولا لأنها تدرك أن ميزان القوى ليس لصالحها فهي أن فعلت فإن حربا سريعة يمكن أن تؤدي إلى سقوط نظامها المحاط بكراهية الشعوب الإيرانية. كما أنها تدرك أن العالم كله ينظر باشمئزاز إلى سياساتها التي لا تقيم اعتبارا للقوانين الدولية ولحق شعوب الدول المحيطة بها في اختيار أنظمتها السياسية. لذلك فإن أحدا في العالم لن يقف معها إذا ما قررت الدخول في صراع مباشر مع إسرائيل التي يرى العالم أنها في كل الأحوال تدافع عن نفسها.

عبر العشرين سنة الماضية استعملت إيران وكلاءها في المنطقة من أجل إزعاج إسرائيل وإشغالها. حزب الله من جنوب لبنان وحركة حماس من غزة التي قطعت علاقتها بفلسطين. ولكن النتائج كانت سيئة بطريقة مريعة. درس "حرب الـ 2006" لا يمكن أن يُنسى. لدوافع أخلاقية وقف اللبنانيون مع حزب الله في حربه مع إسرائيل وكانوا يعرفون أن الحزب يغامر في جر لبنان إلى الحضيض وهو ما حدث فعلا. أما في غزة فقد كانت قيادة حماس تُدير حروبها ضد إسرائيل عن بعد فيما كان الأهالي يدفعون ثمن حرب لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية.  

حاربت إيران إسرائيل من خلال وكلائها العرب غير أنها لم ولن تجرؤ على المس بطرف أصبع من إسرائيل. ذلك لأنها تعمل على تأسيس علاقات مستقبلية معها وليذهب العرب بقضيتهم في فلسطين إلى الجحيم.