مصطفى نصر روائي كبير تجافيه الجوائز الكبرى

صاحب رواية 'يهود الإسكندرية': كل الجوائز فيها شك، فجائزة نوبل مثلا يدخل فيها نوع المتقدم للجائزة وبلده وموقفه السياسي والديني أحيانا.أما عن جوائزنا ففيها ألف شك، تتدخل فيها أشياء كثيرة، لكن كل الجوائز تحرص على أن يمنحوها بين فترة وأخرى لمن يستحقها حتى لا تفقد الجائزة قيمتها ومكانتها.
النجم محمود حميدة اشترى روايتي 'يهود الإسكندرية' لتحويلها لعمل سينمائي
أكتب المقال نتيجة ضغط نفسي
رفضت وزارة الداخلية رواية 'الهماميل' بسبب المبالغة في سلبيات الشرطة
الروائي الكبير مصطفى نصر نعرف أن كل كتاباته عن الإسكندرية، التي لم يخرج منها إلى القاهرة أرض الفرص، يستحق الجوائز الكبرى ولكنه لم يحصل على أيا منها، ولديه شك كبير فيها، يقول: "حقيقي كل الجوائز فيها شك، فجائزة نوبل مثلا يدخل فيها نوع المتقدم للجائزة وبلده وموقفه السياسي والديني أحيانا.أما عن جوائزنا ففيها ألف شك، تتدخل فيها أشياء كثيرة، لكن كل الجوائز تحرص على أن يمنحوها – بين فترة وأخرى – لمن يستحقها حتى لا تفقد الجائزة قيمتها ومكانتها".

حاورته: منى لملوم

في روايتك "يهود الإسكندرية" قدمت أنماطا مختلفة لليهودي فقدمت الشخص المثالي بلا أخطاء والشخص المحب لأهله وكذلك الشخص الجشع، هل قصدت بذلك كسر الصورة النمطية عن اليهودي؟

كنت جالسا في مكتبي ككل صباح، فدق جرس التليفون، وقال المتحدث إنه من القنصلية الفرنسية،  وقالوا لي إن قنصل فرنسا يدعوني للغداء، وهناك قال لي قنصل فرنسا: أنت العربي الوحيد الذي قدم شخصية اليهودي بحيادية.

هل ضريح جون في الرواية تأثرا بضريح أبي حصيرة؟

مضبوط – ما حدث لضريح جون في الرواية، متأثر بما كانوا يفعلونه مع ضريحأبي حصيرة؛ فقد قرأت كثيرا عن ضريح "أبي حصيرة" وسجلت ما يفعله اليهود في احتفالهم بذكراه، فاتخذت في روايتي يهود الإسكندرية ما حدث لأبي حصيرة ونقلته لجون وضريح جون.

هل عزبة جون اسقاط على الأرض المحتلة؟

انتقلت للعمل لمنطقة الطابية في عام 1974، كنت موظفا بالإدارة المالية بشركة الورق الأهلية، فطفت في المنطقة، كانت معظم البيوت هناك –وقتها– مبنية بالطوب الني، لكنني فوجئت باهتمام زائد بعزبة جون؛ ففيها مسجد للصلاة ووحدة صحية، كنا موظفي شركة الورق نذهب إليها للعلاج تاركين التأمين الصحي الذي سيرسلنا لأماكن بعيدة للعلاج، ومن حسن حظي عملت معي امرأة أصلا من منطقة الطابية التي تجمع الكثير من العزب هناك، امرأة تهوى الحديث، حكاياتها أحيانا تكون حقيقية وأحيانا تحكي حكايات غير حقيقية، يرددونها هناك في المنطقة. منها أن الرئيس السادات – في فترة هروبه من الجيش ومطاردة الشرطة له لاتهامه في الاشتراك في قتل أمين عثمان- لجأ السادات لعزب منطقة الطابية واختبأ في عزبة منها، وساعدته أسرة هناك. وعندما أصبح رئيسا لمصر، جاء لمنطقة الطابية وكافأ هذه الأسرة،بلوأعطى اهتماما – بصفة خاصة – لعزبة جون؛ ففيها وحدة صحية ومجمع استهلاكي ومسجد.

كيف كانت مقابلتك للفنان محمود حميدة، والذي وأهديته روايتك الأشهر يهود الإسكندرية ووعد بتحويل الرواية لعمل درامي؟

في الحقيقة لم أتحدث مع الفنان محمود حميدة، وإنما هو حضر احتفال تكريم  الشارقة لي. فطلبت من ابني - الذي كان مرافقا لي – أن يهديه نسخة من روايتي "يهود الإسكندرية"، فقال لابني: لو لم تهديها لي، لكنت سألته عنها، أسعدني أن الفنان الكبير محمود حميدة سمع عن روايتي يهود الإسكندرية، ويرغب في قراءتها. وعندما انتهى من قراءتها اتصل بالأستاذ حسين القباحي وطلب نمرة تليفوني، وأخبرني بأنه سيحول الرواية لفيلم سينمائي ومسلسل تلفزيوني، وأرسل ابنته للإسكندرية، وتم الاتفاق وشراء الرواية عن طريقها.

لديك تشكك دائم في الجوائز بما فيها جائزة نوبل، ورغم إبداعاتك الكثيرة، هناك جوائز يرى كثير من المثقفين أنها مستحقة لك لم تحصل عليها، فهل هذا يعني عدم اهتمامك بالجوائز؟ أم عدم سعيك لها؟ وهل أثر عدم سفرك إلى القاهرة مثل أدباء كثيرين على فرصة حصولك على تلك الجوائز؟

ياااه، هذا موضوع مؤلم للغاية.

حقيقي كل الجوائز فيها شك، فجائزة نوبل مثلا يدخل فيها نوع المتقدم للجائزة وبلده وموقفه السياسي والديني أحيانا.أما عن جوائزنا ففيها ألف شك، تتدخل فيها أشياء كثيرة، لكن كل الجوائز تحرص على أن يمنحوها – بين فترة وأخرى – لمن يستحقها حتى لا تفقد الجائزة قيمتها ومكانتها.

بعض الكتاب أجادوا التعامل مع الجوائز، خططوا ونجحوا في التأثير على من يصوتوا لنيل الجائزة، وهناك حكايات كثيرة تحكى عن هذا، مثل زميلنا الكاتب الذي أدرك حقيقة ما يحدث، فاتصل بكل من له صوت في التحكيم للجائزة تليفونيا وقال: أعلم أني لن أفوز بالجائزة، لكن أريد أن أخسر خسارة لا تحرجني. كل ما أريده أن أخسر بشرف. أدى هذا أن تعاطف معه كل من له صوت في الجائزة، وفوجئ الأدباء بإنه حصل على الجائزة بهذه الخدعة.

طبعا بعدنا عن القاهرة أثر فينا، ففي مقابلة مع الأستاذ الدكتور مصطفى الفقي عندما كان رئيسا لمكتبة الإسكندرية، حدثته عن ظلم القاهرة للأدباء الذين يعيشون خارجها، قلت له: توقعنا أن وجود مكتبة الإسكندرية على أرض الإسكندرية ستعوضنا عن بعدنا عن القاهرة التي فيها كل الضوء والشهرة، فقال: أنا حاسسبيكم، ووعد بفعل أشياء كثيرة، لكن هذا لم يحدث. وكأن المكتبة بنيت وتكونت على أرض القاهرة أيضا. فعندما احتفلت مكتبة الإسكندرية بالكاتب الإنجليزي "لورانس داريل" مؤلف رواية رباعية الإسكندرية، احتفلوا ب"إدوارد خراط" و"إبراهيم عبد المجيد" وكأننا – الكتاب الذين مازالوا يعيشون في الإسكندرية – لم نكتب عن الإسكندرية،  علما بأن كتاباتنا كلها عن الإسكندرية.

قال لك صديقك محمود قاسم: " أنت الوحيد الذي يكتب المقال بطريقة الحكي" فكيف ساعدتك كتابة المقالات في نشر أفكارك وما هي أهم تلك الأفكار في رأيك التي طرحتها في تلك المقالات؟

سؤال جميل وكنت أريد أن أتحدث فيه، فأنا أكتب الرواية والقصة القصيرة وكتبت قصصا للأطفال، وكتبت سيناريوهات أطفال، أما المقالة فكنت أكتبها نتيجة ضغط نفسي، فلو أثارني أحد، أرد عليه مضطرا بمقالة، لكن عشت فترة من حياتي وقد فضلت الابتعاد عن الرواية، فوجدت نفسي في حاجة لكي أملأ الفراغ بكتابة المقالات، خاصة أن جريدة القاهرة قد أتاحت لي فرصة الكتابة، فكتبت مقالات كثيرة، ونشرت مقالات كثيرة.

في روايتك الستات.. تتداخل حكايات الستات مع تداخل تعدد الأديان، لماذا؟ 

حي بحري حي لا مثيل له في أي مدينة أخرى، فهو يجمع بين الفقر والغني، تجد فيه باشوات وتجار كباروفقراء وشخصيات غاية في الغنى، وتجد فيه كل الأديان، يهود أصحاب شركات ويهود فقراء، وتجد فيه لاعبي كرة مشهورين وممثلين ومطربين، حي يجمع كل المتناقضات.

كتابك حكايات مصطفى نصر، تتعرض من خلاله لكثير من المواقف التي جمعتك برموز الثقافة والأدب في مصر، ما هي أهم المواقف التي وردت في الكتاب؟

كتابي "حكايات مصطفى نصر"، جمعت فيه كثيرا من المقالات التي سبق نشرها في الجرائد والمجلات.

وقد أهديت الكتاب لأكثر حكائين قابلتهما في حياتي وهما: المخرج الإذاعي هنادي محمود والشاعر الأستاذ صبري أبو علم، فقد كنت أذهب لإذاعة الإسكندرية كل يوم، فأتقابل مع هنادي محمود، يقول لي أنا أحبك لأن فيك شبه من المخرج الإذاعي عبد الحي شحاتة، نضع –أنا وهو- مقعدين في فراندة حجرة الإذاعة ونجلس معا، يحكي لي عن الواحات التي نشأ وعاش فيها، ثم التحاقه بمعهد الفنون المسرحية. وعمله بإذاعة الإسكندرية حتى أصبح مديرا للتمثيليات فيها.

حكيت ضمن حكايات مصطفى نصرعن أول زيارة لي للقاهرة مع كاتب أكبر مني سنا، يعرف أماكن المجلات والصحف ودور النشر، ثم بعض الشخصيات غريبة الأطوار التي قابلتها في ندوة القصة بقصر ثقافة الحرية.

تحولت 3 قصص قصيرة من أعمالك هي: بجوار الرجل المريض، الكابوس، الزمن الصعب، البروفة إلى أفلام روائية قصيرة، أي تلك الأفلام تراه قدم رؤيتك بشكل أقرب إلى تصورك؟

تعرفت على أستاذ جامعي من أصل سكندري، لكنه عمل أستاذا للأدب بجامعة في الصعيد، وقد أرسله رئيس القسم بأن يأتي له بروايتي جبل ناعسة، فجاء لبيتي وأنا غير موجود، فطلبت منه زوجتي أن يصعد للشقة ويبقى بحجرة الصالون حتى أعود للبيت،لكنه أصر على أن يبقى في الشارع ما دمت غير موجود في البيت، فنزل ابني بكوب الشاي له، وعندما عدت للبيت صعد درجات البيت معي وجلسنا معا، فحكى لي بأن ناشره -وهو صاحب مكتبة ومطبعة في الشاطبي في مواجهة الكليات النظرية التجارة والآداب والحقوق وغيرها- أرسله للمطبعة لكي يراجع بروفة كتابه، فاشترى قلما جاف، وأمسكه في يده خشية أن يسيح ويفسد ملابسه، وعندما ينتهي من مراجعة بروفة كتابه يرمي القلم الجاف على كوم الزبالة الذي سيقابله في طريقه، حكى لي هذا الأستاذ أن المنطقة التي بها المطبعة فيها ناس في منتهى الكرم، شباب يقف على ناصية الشوارع، ما أن يروه حتى يقتربوا منه ويسألوه: عايز حاجة؟! فقلت له: أنا أعرف هذه المطبعة وأعرف المنطقة التي حولها، وهي مشهورة بتجارة المخدرات، وعندما يرون غريبا يقتربون منه ويسألوه:"عايز حاجة"، فقد ظنوه جاء للمنطقة لشراء الحشيش.

هذا موضوع أحد أفلامي القصيرة، وأهمها بالنسبة لي، فقد أكملت بأن الأستاذ الجامعي الطيب، جلس مع هؤلاء فجاءت الشرطة وقبضت عليهم، فقبضوا عليه معهم.

كان هناك مشروع لتحويل روايتك الجهيني إلى فيلم سينمائي، سيناريو وحوار مصطفى محرم، ومن إخراج المخرج الكبير الراحل علي عبد الخالق، فلماذا لم ير هذا المشروع النور خاصة في ظل وجود إنتاج سينمائي ضخم ودائما ما يقال أن المشكلة مشكلة ورق؟

اشتري المرحوم محمود ياسين روايتي "الجهيني"، وذهبت أنا ومحمود قاسم وقابلنا الأستاذ مصطفى محرم في بيته، وقد أثني كثيرا على الرواية، لكن لم يتم تحويل الرواية لفيلم سينمائي، رغم تحمس الكثير لها فقد اشتراها أيضا المنتج محسن علم الدين.

وروايتي "الهماميل" أكثر من مخرج وسيناريست أرادوا تحويلها لفيلم، لدرجة أني سافرت وقابلت الأستاذ يوسف عثمان مدير الإنتاج التلفزيوني لكي أزكي مخرجا منهم، لكن سوء البخت طاردني فقد أصر يحيى العلمي أن يأخذ رأي وزارة الداخلية التي رفضت بسبب المبالغة في إظهار سلبيات الشرطة.