معايير تغيب أحيانا عن المهرجانات المسرحية والسينمائية بالمغرب

التظاهرات الفنية والثقافية تحتاج احترام الذات وفرض شروط العروض الأولى لضمان تكافؤ الفرص.

الرباط - تعد المهرجانات المسرحية والسينمائية من أهم الفعاليات الثقافية التي تعكس غنى وتنوع المشهد الفني المغربي، كونها تشكل جسراً يصل بين المبدعين والجمهور، وتتيح فضاءً لتقديم أعمال فنية جديدة تسهم في ترسيخ الهوية الثقافية المغربية وربط الحوار بين الثقافات، لكن نجاح هذه المهرجانات واستمرارها في أداء دورها الثقافي والتنويري يتطلب الحفاظ على نزاهتها واحترام ذاتها من خلال الالتزام بشروط صارمة وواضحة، لا سيما فيما يتعلق بالعروض الأولى، فهذه الشروط تمثل حجر الزاوية لضمان الاحترافية والموضوعية، بعيداً عن التدخلات السلبية مثل العلاقات الشخصية أو الوساطة، التي تهدد مصداقية هذه الفعاليات وتقلل من قيمتها الفنية.

وتلعب العروض الأولى دوراً محورياً في المهرجانات المسرحية والسينمائية، فهي تعد محطة بارزة لإطلاق الأعمال الفنية وتقديمها لأول مرة أمام الجمهور، وهذه العروض بمثابة إعلان عن هوية العمل ورؤية صانعيه،  ويجعل منها حدثاً مهماً يحظى بمتابعة واسعة من النقاد والجمهور  المغربي المتابع، لهذا فإن فرض شروط دقيقة لتنظيم هذه العروض يُعد أمراً ضرورياً لضمان تقديم أعمال ذات جودة عالية تعكس فعلاً مستوى الإبداع الفني في المغرب بدون واسطة او مصالح مشتركة، وعندما يتم احترام هذه الشروط بعيداً عن أي اعتبارات شخصية أو محاباة، تبرز المهرجانات كمنابر حقيقية لدعم الفن وصناعته، بينما يؤدي التساهل في تطبيق هذه الشروط إلى فقدان المهرجان لهيبته وتراجع ثقته في الأوساط الثقافية والفنية.

وتعتبر العلاقات الشخصية والوساطة من أكبر التصرفات المثيرة للشفقة التي تواجه المهرجانات المسرحية والسينمائية في المغرب، فهذه الظاهرة الخبيثة تُلقي بظلالها على نزاهة المهرجانات وتضعف من مصداقية اختياراتها، إذ يتم في كثير من الأحيان تفضيل أعمال معينة على حساب أخرى ذات قيمة فنية أعلى بسبب تدخلات شخصية أو علاقات خاصة، وهذا الأمر يضر بجودة العروض التي تقدمها المهرجانات، ويُضعف كذلك من حماس الجمهور والنقاد تجاه هذه الفعاليات، ويُشعر العديد من الفنانين الشباب الموهوبين بالإقصاء أو التهميش بسبب غياب تكافؤ الفرص، وعليه فإن استمرار هذه الظاهرة يهدد بتحويل المهرجانات من منصات لدعم الإبداع إلى ساحات تعكس مصالح ضيقة لا تخدم الفن ولا الثقافة.

العلاقات الشخصية والوساطة من أكبر التصرفات المثيرة للشفقة

ومن الضروري أن تعتمد المهرجانات المغربية على آليات تضمن النزاهة والشفافية في كل مراحل التحضير والتنفيذ، إذ ينبغي أن يتم اختيار لجان تحكيم مستقلة، تتمتع بالخبرة والكفاءة والحيادية الكاملة، قادرة على تقييم الأعمال الفنية بشكل موضوعي، كما من الضرورة استحضار الشفافية من خلال وضع معايير معلنة ومحددة لاختيار الأعمال والعروض، وتطبيق هذه المعايير دون استثناء، بينما يُفضل إنشاء ميثاق شرف يلزم جميع المشاركين والمنظمين باحترام النزاهة الفنية والابتعاد عن أي تدخلات شخصية رغم ان العديد من البنود على الورق لا علاقة لها بالواقع، مثلها مثل بروفايلات اصحابها، لكن مثل هذه الخطوات من شأنها أن تضمن توفير بيئة عادلة ومحترمة تحتضن المواهب وتدعمها، على الاقل من أجل جودة العروض وتحقيق أهداف المهرجان الثقافية.

وعندما تلتزم المهرجانات المغربية بالمهنية والحياد وتفرض شروطاً صارمة للعروض الأولى، فإنها تقوي صورة الفن المغربي محلياً ودولياً، وتصبح هذه المهرجانات منصات حقيقية تبرز الإبداع المغربي في أبهى صوره، وتتيح الفرصة للمواهب الجديدة للتألق دون مخاوف من التهميش أو التمييز، كما أن هذه النزاهة تنشر الثقة في المهرجانات كمؤسسات ثقافية قادرة على تطوير المشهد الفني المغربي وتحقيق تطلعات الجمهور، ووبالتالي فإن التزام المهرجانات بشروط واضحة ومعايير شفافة مطلب تنظيمي ومسؤولية ثقافية وأخلاقية  من اجل دفع عجلة الفن المغربي نحو آفاق أرحب.

وتبقى المهرجانات الفنية في المغرب مرآة للواقع الثقافي والفني، وتعكس مدى احترام المجتمع لقيمة الفن ودوره في تشكيل وعي الجمهور، وعندما تحترم المهرجانات ذاتها وتلتزم بمعايير صارمة تحقق العدالة والنزاهة، فإنها تتحول إلى مراكز إشعاع ثقافي يثمن الهوية المغربية ويثري الحوار الفني، أما إذا استسلمت لضغوط العلاقات والوساطة، فإنها تتجه نحو فقدان دورها  الثقافي، فأهل الفن الطبيعي نزهاء، أما الدخلاء فهم جرثومة التملق والحشو وتسميم العلاقات من اجل مصالحهم الشخصية، وتعقيم هذه الوسط من الجراثيم ضرورة قصوى خاصة مع التقدم الذي تشهده المملكة في مختلف القطاعات، وعلى كل من يحب الفن ان يقطع سبل هؤلاء المسممين بترياق واسع.