مناظرات الذكاء الاصطناعي والجمهور.. أين العرب منها؟

عالمنا العربي لا يزال يتلمس الخطى في ثورة تجتاح العالم.

يعتبر الذكاء الاصطناعي والروبوتات أحدى أكثر القضايا إلحاحاً وأهمية في الوقت الحاضر. ويعد وعي ومشاركة وثقة عامة الجمهور فيه وتطوراته وقضاياه وتحدياته جزءاً مهماً وأساسياً في تقبل المجتمع له وتوجيهه الوجهة الصحيحة. ولعل السؤال المطروح هو: هل الذكاء الاصطناعي حاضر على ساحة النقاش العام العربي؟ وما هو نصيب عامة الجمهور منه؟

مع التقدم السريع في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، يعتقد بعض أنصاره أنه سيساعد في حل العديد من التحديات الاجتماعية والإقتصادية المعقدة، لكن منتقديه يقولون إنه ينبغي علينا المضي قدماً بحذر، وأن السعي وراء الذكاء الفائق والآلات المستقلة قد يؤدي إلى عواقب غير مقصودة. هل ينبغي أن نخشى الذكاء الاصطناعي، هل سيأخذ وظائفنا؟ أم أن هذه المخاوف ستمنعنا من المضي قدماً واللحاق بهذه الثورة التكنولوجية؟ هل فرص الذكاء الاصطناعي تفوق مخاطره. هل هناك فروق بين الجنسين في الرأي حول إمكانات وتحديات الذكاء الاصطناعي؟ هل ينبغي بذل الجهود عربياً لتحسين فهم عامة الجمهور للذكاء الاصطناعي والتفاعل معه؟ وإذا كان الأمر كذلك، كيف؟

والسؤال الأهم هنا هو: أين عالمنا العربي من مناظرات الذكاء الاصطناعي؟ وكم عدد البرامج الحوارية التي تتناول مجال الذكاء الاصطناعي في فضائياتنا العربية؟، وهل نستمع لآراء العلماء والباحثين والمتخصصين العرب في هذا المجال؟ وكم نصيب الكتب العربية من هذا المجال؟ الإجابة على مثل هذه التساؤلات وغيرها يفيد في تقديم توصيات رئيسية للحكومات التي تتبنى مجال الذكاء الاصطناعي.

تقوم دول العالم المتقدمة وبخاصة في بريطانيا بعمل رائع تجاه مناظرات الذكاء الاصطناعي، سواء من خلال الحكومة أو الجامعات أو الجمعية الملكية أو وسائل الإعلام المختلفة، من خلال العديد من الأحداث والندوات التوعوية والتثقيفية التي تستكشف كيف يمكن للذكاء الاصطناعي والروبوتات أن تحدث ثورة في المجتمع، وما هي أبرز التحديات والأخلاقيات التي تواجه المجتمع نحو المضي قدماً في مجال الذكاء الاصطناعي؟

إن التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات سوف يغير من الطريقة التي نمارس بها أعمالنا وعلاقاتنا الإنسانية، وكذلك من أساليب إنخراطنا في الحروب. وفي حين أن بعض الناس يرحبون مثلاً بصعود السيارات ذاتية القيادة التي تعمل بدون سائق، والثلاجات الذكية والطائرات بدون طيار، فإن الكثيرين قلقون بشأن أخلاقيات الآلات التي تأخذ أدواراً معقدة. هل هذه المخاوف لها ما يبررها. كيف يمكن أن يبدو مستقبل الذكاء الاصطناعي والروبوتات، وماذا يعني أن تكون إنسانًا؟ وكيف يمكن أن نعيش بشكل جيد مع الذكاء الاصطناعي، وهل من حق المجتمع أن يشعر بالقلق من أن التجاوزات في الذكاء الاصطناعي يمكن أن يضر بالثقة فيه؟ هل نحن بحاجة إلى قوانين وإرشادات جديدة تحكم الذكاء الاصطناعي والروبوتات؟، وهل نستمع في مناقشة هذه المسائل لآراء الخبراء في العلوم الإنسانية والاجتماعية، جنبا الى جنب مع خبراء الذكاء الاصطناعي والروبوتات؟

أين عامة الجمهور العربي من مثل هذه التساؤلات وإجاباتها؟ هل نبذل ما يكفي من جهد لإشراك عامة الجمهور في نقاش حول فوائد ومخاطر الذكاء الاصطناعي؟

تعد مناظرات الذكاء الاصطناعي، من خلال الندوات العامة والفعاليات الثقافية، وسيلة مهمة في وعي عامة الجمهور بالتطورات والتحديات في مجال الذكاء الاصطناعي، ويمكن من خلالها الإجابة على العديد من التساؤلات، الأمر الذي يفيد في كسب ثقة الجمهور وتبني هذه التكنولوجيات في المجتمع.

وجدير بالذكر هنا أن "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية"، أصدر دراستي بالاشتراك (مع الكاتبة والباحثة صفات سلامة)، بعنوان "تحديات عصر الروبوتات وأخلاقياته"، ضمن سلسلة "دراسات إستراتيجية"، ورغم أهميته، إلا أنه لم يحظَ بالنقاش العام سواء في البرامج الثقافية الحوارية في فضائياتنا العربية المتزايدة، أو في الفعاليات الثقافية في معارض الكتاب، مثل مناقشة الكتب أو حفلات التوقيع، فمثل هذه الفعاليات التي تهتم بمناقشة الكتب العلمية حول الذكاء الاصطناعي والروبوتات وبحضور مؤلفيها، تفيد في تشجيع المواطن العربي للالتفات لهذه الكتب وقراءتها ومناقشتها ومن ثم زيادة وعيه وفهمه وإدراكه للتطورات والتحديات في مجال الذكاء الاصطناعي.

يجب أن تكرس الحكومات العربية المزيد من الموارد لإشراك عامة الجمهور ورفع مستوى الوعي العام بالفرص والمزايا التي ستحققها ثورة الذكاء الاصطناعي، والإجابة عن التحديات والتساؤلات والمخاوف الحقيقية وغير المبررة التي قد تضر بتقبل هذه التكنولوجيا والثقة فيها.