من الذي يحكم العراق الآن؟

"زبالة" الشيعة مثلما "زبالة" السنة والكرد هم من يحكمون. ليس ثمة من "زبالة" أوسخ من "زبالة".

ليست مجرد أكاذيب ومغالطات إنها سياسة مُخطط لها، رسم تفاصيلها المُحتل، ونفذها الأذناب الذين جاء بهم، والذين إلتحقوا بركبهم، ونسج على منوالها المغفلون، القول بأن الشيعة يحكمون العراق!

لم يسأل مرددوا هذه الفرية عن حقيقة من يحكم العراق، وهل يحكمه الشيعة فعلاً؟

إلى من ينتمي رئيس الجمهورية، ورئيس البرلمان، ووزير التربية، ووزير التخطيط، ووزير الدفاع، ووزير الثقافة، ووزير الكهرباء، وغيرهم من الوزراء، وكيف يتشكل البرلمان وأجهزة الأمن والشرطة، والتشكيلات غير المرتبطة بالسلطة التنفيذية قولاً، لا فعلاً؟

ومن هم على رأس السلطة في المحافظات ذات الأغلبية السنية، ومم تتشكل حكومة كردستان، ومن يقود محافظاتها الثلاث، ومن على رأس بيشمركتها الكرد، والكرد فقط؟

سيقول قائل: كل هذه المناصب شكلية، المنصب الحقيقي الفعلي هو منصب رئيس الوزراء، الذي هو بنفس الوقت القائد العام للقوات المسلحة؟

هذا كلام صحيح، إلى حد ما، ولكن طالما ظل البعض ينظر للأمور بمنظار طائفي أو عنصري، وطالما إعتمدتم صناديق الإنتخاب، فأن هذا المنصب سيظل من حصة العنصر والطائفة الأكثر عدداً، إلا إذا إرتأيتم طريقاً آخر، ألا وهو الإنقلاب، الذي أصبح متعذراً في الوقت الحالي، أو الإنفصال، الذي سيتبعه إنفصالات بلا حصر ولا عد.

وزعموا أن حكم الشيعة حكم فساد وإفساد، والحال أن الحكم الذي جاء به المحتل، كان ومازال وسيبقى حكم فساد وإفساد، ويتساوى في الفساد والإفساد الشيعة والسنة والكرد، وبقية الأقليات المشتركة فيما يسمى بالعملية السياسية، وهي عملية نهب بلا حدود، رسمت بذكاء سيجعلنا نلف وندور كثور الناعور.

الطائفيون المكشوفون، والمستترون تحت غطاء اليسارية أو القومية أو الوطنية، يزعمون أن الشيعة غير مؤهلين للحكم، وأن تجربة السنوات ما بعد الاحتلال تؤكد هذا!

ترى ماذا عن فساد الساسة السنة، الذين يبيعون ويشترون علناً المناصب الوزارية، وحتى عضوية البرلمان، وماذا عن فساد وزراء التربية، والكهرباء، وبقية الوزارات، وهو فساد لا يقل عن فساد بقية الوزارات التي يحتلها الشيعة إن لم يزيد؟ وماذا عن فساد حكومة إقليم كردستان، وإحتكار الهيمنة والنهب من قبل الحزبيين الكرديين؟

ثم كيف يكون وطنياً أو قوميا، أو تقدميا، من يزعم أن أغلبية الشعب العراقي المتمثلين بالشيعة غير مؤهلين للحكم لأنهم جهلة وفاسدين، والحال أن "زبالة" الشيعة مثلما "زبالة" السنة والكرد هم من يحكمون، وليس ثمة من "زبالة" أوسخ من "زبالة" من يتعاون مع المحتل على إحتلال بلاده، ويساهم في هذا الإحتلال.

ويقولون لك لا نأمنن على الديمقراطية في ظل المليشيات الشيعية، وهذا كلام حق يراد به باطل، فمن جهة لا ديمقراطية في ظل السلاح المنفلت والعصابات المنظمة، ليس هذا فقط، بل لا ديمقراطية في ظل عدم المساواة بين إبن الفلاح وإبن المرجعية، بين إبن العامل وإبن السيد، أو الشيخ، أو الملّة، ليس المساواة على الورق، بل المساواة الفعلية، فليس من المعقول أنك تُقبّل يد صبي، ثم لا تنتخبه أو تنتخب من يمثله عندما تتوجه لصندوق الإقتراع، وتقبل عجلات سيارة السيد، ولا تنتخب من يطالبك بإنتخابه. المساواة تستلزم إبطال سطوة المال السياسي، ونفوذ العوائل، والعشائر، والقوى المتغولة، والعمل على جعل المواطن حراً عندما يدلو بصوته.   

الغريب أن هؤلاء الذين يسمون الحشد الذي هزم أكثر التنظيمات إرهاباً بالمليشيات، وسموا الزرقاوي والقاعدة وداعش ثواراً، ينتصرون لمظلومية الطائفة المهمشة، وطالما أنت غير منصف أخي السني فإن أخوك الشيعي سيظل يتحذر منك، وسيدافع عن ميليشياته التي تحمية، وقد حمته فعلاً، وطالما أنت أخي الشيعي غير منصف، وغير عادل، ومحتكر لقرار البلد الذي يشاركك فيه الآخر من أبناء الوطن، فأن أخوك السني سيلوذ ويحتمي بأي مصيبة يضعوها أمامه حتى لو أدت هذه المصيبة إلى إحراق بيته بمن فيه.

لقد وضعوا قطارنا على السكة الخطأ، ولا خيار لنا إلا بتغيير هذه السكة وإتجاهها، وليس بتغيير القطار، فالقطار قطارنا، وهو الذي يظلنا جميعاً ويأخذنا إلى ضفاف المستقبل الذي نريده سعيداً ومشرقاً لنا جميعاً كعراقيين، عراقيين لا سنة ولا وشيعة ولا كرد ولا مسيحين، عراقيين وعراقيين وحسب.

إذا لم نحدد بشكل واضح، وصارم، من يحكم العراق الآن فعلاً، فإننا نكون كمن يسير على عماه، بلا هداية، ولا دراية، تماماً مثل ذاك الذي يحارب طواحين الهواء، أو ذاك الذي يحسب السراب ماءً وسط ظمأ الصحراء.