هل ستكون إيران جائزة أميركا الكبرى أم اللقمة التي ستغص بها؟

المواجهة بين واشنطن وطهران في وجه من اوجهها بين الخيارات على الولايات المتحدة أم الصين.

في كل ما يجري من صخب، ليس المقصود به إسقاط النظام القائم في إيران، لجملة أسباب منها: إن هدف كهذا صعب التحقق في الظروف الحالية من دونما خسائر ربما تؤدي في نهاية المطاف إلى إزاحة أميركا من موقعها الحالي كأعظم قوة لا تقهر. وربما يتسبب في هزيمة نكراء لإسرائيل لا تقوم لها قائمة بعدها، وربما يتعرض حلفاء أميركا إلى هزات لا يعرف مداها، قد تؤدي إلى سقوط العديد من هذه الأنظمة، وهي البقرة الحلوب التي كان ترامب يحلبها عبر الإبتزاز لضخ المليارات للخزينة الأميركية، والتي كان لها التأثير الكبير في تحسن المستوى الاقتصادي الأميركي، وهذا تحديداً هو المكسب الأهم الذي يراهن عليه ترامب من أجل إعادة إنتخابه، إضافة إلى أن عدم حسم الحرب بعجالة سيضع ترامب وإدارته في موضع صعب، ربما يؤدي لا إلى عدم إعادة إنتخابه فقط، بل لإسقاطه قبل أن يتم ولايته الأولى، يضاف إلى كل هذا أن قدرات إيران الحقيقة تكاد تكون شبه مجهولة بالنسبة لأميركا، وإن كانت ليس بمستواها، لكن لا أحد يعرف مقدار تأثيرها في مجريات النزال، ولعل في إسقاط الطائرة الأميركية المسيرة، ذات التقنية العالية خير مثال على ما نقول.

إسقاط النظام الإيراني عبر الحصار الاقتصادي، وهو ما يراهن عليه ترامب وإدارته، ليس مضموناً، صحيح أن الحصار سيضر بالشعب الإيراني، وربما يتسبب في فوضى، ويزعزع الاستقرار الداخلي، ولكن النظام ككل لن يتأثر، ولعل صمود كوبا التي لا تبعد عن أميركا سوى بضعة كيلومترات كل هذه الفترة التي تجاوزت الستين عاما، وصمود فنزويلا حالياً، خير مثال على كون الحصارات لا تجدي نفعاً ولن تسقط إلا الأنظمة الآيلة للسقوط أساساً، يعرف الأميركيون قبل غيرهم أن النظام الإيراني لن يسقط إلا بالحرب، والحرب شبه مستحيلة للأسباب التي أوردنا بعضها، وحتى لو شنت الحرب فليس ثمة تأكيد بأن النظام سيسقط.

إن مطلب ترامب الذي عبر عنه لعدة مرات هو تغيير سلوك النظام الإيراني وليس إسقاطه، وتغيير السلوك هذا يعني فيما يعنيه إنقلاب إيران على ذاتها، وهذا وفق المعطيات الحالية محال.

في الصدارة من تعديل السلوك هذا الموقف من إسرائيل والقضية الفلسطينية، وبقية الأمور الأخرى، كالموقف من حزب الله اللبناني، وسوريا، والعراق، مجرد تفصيلات، وتفرعات للموقف الأساس. وبتقديري أن الموقف من إسرائيل والقضية الفلسطينية أمر يرتقي للمسلمات بالنسبة للسياسة الإيرانية المعلنة على الأقل، ولا ينتابني أي شك في أن أميركا سوف تفشل فشلاً ذريعاً في هذا الجانب.

الموقف الثاني يتعلق بالنووي، فبموجب الاتفاق النووي تكون إيران مطالبة بتقليل المخزون النووي إلى 202.2 كيلو غرام بنقاء 3.67 بالمائة خلال فترة 15 عاماً وهي الفترة التي حددها الاتفاق.

وبعد الإنذار الإيراني لأوروبا زادت الكمية إلى 217.5 كيلو غرام بنقاء 4.5 بالمائة، علماً بأن لصنع قنبلة نووية واحدة ستحتاج إيران إلى 1050 كيلو غرام من اليورانيوم المخصب بتركيز 3.67 بالمائة.

المضحك، و"شر البلية ما يضحك"، أن أميركا قدمت شكوى للأمم المتحدة تتهم فيها إيران بخرق الاتفاق النووي الذي تخلت عنه هي ذاتها ومن طرف واحد وداسته بأقدامها!

في هذا الجانب أعتقد أن الجانبين لديهما فرصة للإتفاق، إذ ليس في وارد إيران صنع القنبلة النووية، التي حرمتها بفتوى من قبل المرشد، وما الزعم بسعي إيران لإمتلاك القنبلة النووية إلا تهريج وتدجيل، يمكن الرجوع إلى الاتفاق النووي السابق، وربما تعديل بعض بنوده من دون الخروج إلى قضايا أخرى خارجه، بمقابل رفع الحصار وتطبيع الأوضاع في المنطقة، وهذا هو الإحتمال الأرجح، إذا لا خيار غيره.

تظل القضية الأخرى والتي لا تقل أهمية عن سابقاتها، وهي موقف إيران من الصين، الهدف الحالي والمستقبلي لأميركا.

البحار، كل البحار تقريباً لأميركا، ويمكن القول أن الصين محاصرة بحرياً فعلاً، وهذا بحد ذاته خطر مميت للصين، التي لم تجد أمامها من سبيل سوى اليابسة وبناء علاقات مع الجيران والمحيط الآسيوي، تتطور بإستمرار معززة بمشاريع عملاقة لربط هذه البلدان بطرق برية فائقة الحداثة، وما طريق الحرير سوى مثال صارخ، وكذلك خطوط السكك العملاقة والموانيء الجديدة كميناء جوادر في باكستان، الصين في هذا المجال تتعاون مع الدول وفق المصالح المشتركة، وهي لا تميز بين دول كانت عدوة لها في السابق كالهند وتايلند، ودول صديقة، فالمنفعة المتبادلة هي المعيار، في حين تتصرف أميركا بالعكس من هذا فتشن حصاراً مرفوقاً بإبتزاز المستقوي بقوته على جيرانها ككوبا، وفنزويلا، وكندا، وتفرض بناء سور حاجز بينها وبين المكسيك على أن تدفع المكسيك نفقات هذه الرغبة الترامبية أو تساهم في النفقات على الأقل. نهجان وسلوكان يشيران إلى دولة ناهضة تغذ السير في طريق التعاون الذي يعود بالمنفعة على كل الأطراف، ودولة غاربة شمسها، تحاول التقوقع وعزل نفسها حتى عن جيرانها، وهي سمة للذبول الآتي بلا ريب.

أين سيكون موقف إيران؟ هل ستكون مع قوة غاربة لها تأريخ غير مشرف، أم دولة ناهضة تمد يد التعاون لبناء عالم أكثر أمناً وإنفتاحاً، أغلب الظن أن إيران إختارت، ولذا لن تسمح لخيار كهذا أن يوضع على مائدة التفاوض.