هونغ كونغ: بلد واحد بنظامين مختلفين، أم بنظام واحد؟

كم تبدل حال هونغ كونغ منذ ان استعادة الصين السيادة عليها قبل عقدين. كم تبدل حال الصين.

ما خلا سحنات الناس واللغة والكتابة فليس ثمة شيء في هونغ كونغ صيني، لا أعلام صينية حمراء، ولا مطرقة ومنجل، ولا حزب شيوعي، فقط المال والإعمال والتجارة والعمارات الفارهة والمولات، وعروض "الدزاين" من أرقى وأغلى الشركات العالمية. وغلاء يصل حد الفحش قياساً ببرها المجاور، ولكن مستوى معيشي ودخل فردي يقف في الصدارة في السلم العالمي للرفاهية. الوقوف على ميناء هونغ الهائل يشعرك أنك أمام ميناء لدولة عظمى وليس لأدارة مدنية ملحقة بدولة لا تتجاوز مساحتها 1,104 كم مربع، ونفوسها لا يتعدون السبعة ملايين، ما يقارب 94% منهم من قومية الهان الصينية. ومطارها الهائل المصنف كأفضل مطار في العالم يتباهى بكل شيء. أجزم أنك لو زرت هونغ كونغ كما زرتها أنا ستنبهر بها في يومك الأول، والثاني، وربما الثالث، لكنك ستقف في الأيام التالية متسائلاً عن حالها ومصيرها غير المستقر، وستشعر حتماً أن هذه البقعة الصغيرة المنزوعة الإسنان، بمواجهة تنين جاثم عليها وحولها من كل الجهات، وهو يزرع أسنانه بلا توقف، ويمد قوته وجبروته إلى أبعد نقطة في هذه الأرض، وربما أبعد نقطة في الفضاء مستقبلاً، ستعرف أين سيكون مآلها ومصيرها الحتمي.

هونغ كونغ منذ القدم تابعة للصين كمدينة صغيرة قليلة الأهمية، لكن إحتلالها من قبل البريطانيين في أعقاب حرب الإفيون 1839 – 1842 سيغير وجهها ووجهتها، سيجعلها مركز التجارة العالمية، جوار الصين التي سينشأها ماو، الصين الشعبية الحمراء.

أعيدت هونغ كونغ إلى الصين الوطن الأم عام 1997، ولكن كإدارة خاصة تتمتع بالحكم الذاتي الواسع، بإستثناء شيئين، العلاقات الدبلوماسية، والبنية العسكرية، تطبيقاً لشعار "بلد واحد، نظامان مختلفان"، الذي سمح لها بالإبقاء على نظامها الاقتصادي الرأسمالي لمدة 50 عاماً، وهي ما زالت لحد الآن تتبع النظام القانوني الإنكليزي، ويرى البعض أن مشروع قانون تسليم المجرمين إلى الصين يتناقض كلياً مع هذا القانون، وربما يكون بداية للتخلي عنه، وإحلال القوانين الصينية مكانه، وهذا ما يفسر درجة الغضب لدى المعارضين الذين يرون في إسقاط هذا المشروع قضية ترتقي إلى معادلة حياة أو موت، وهم يرون أن هذا المشروع الذي قدمته الرئيسة الموالية للصين إن تم إقراره فإن أي معارض للصين سيكون حتماً تحت رحمة القوانين الصينية، وبالتالي فإن هونك كونك ستفقد فرادتها فبدل "بلد واحد، نظامان مختلفان" ستصبح المعادلة "بلد واحد، نظام واحد".

بعيداً عن المبالغات حول حجم التظاهرات فقد شارك فيها 150 ألف متظاهر وفق بيانات الشرطة، و500 ألف متظاهر وفق بيانات المعارضة. يقابلهم ويعارضهم 300 ألف متظاهر وفق بيانات الشرطة، و750 ألف وفق بيانات مؤيدي الصين، فإذا أضيف لهذا أن الانتخابات التي جرت بإشراف دولي قد أتت برئيسه مؤيدة للصين، يتبين لنا أن ليس كل سكان هونغ كونغ معادين للصين ولا حتى نصفهم. فالصين لم تعد تلك الصين الفقيرة التي شكل إقتصاد هونغ كونغ 1997 أكثر من ربع إقتصادها، أضحى إقتصاد هونغ كونغ الآن يشكل أقل من 1% من إقتصاد الصين المنطلق كصاروخ عابر للقارات، وهذا يعني أن الصين حتى لو فقدت هونغ كونغ، وهو أمر شبه مستحيل، فإن تطورها الاقتصادي لن يتأثر، سوى لبضعة أشهر في أسوء الإحتمالات إذا ظلت نسبة نمو الاقتصاد الصيني على ما هي عليه.

من المؤكد أن ما يجري في هونغ كونغ الآن هو جزء من الحرب التي تشنها أميركا وحلفاؤها على الصين التي وقفت بوجه العقوبات بشن عقوبات موازية أفقدت الاقتصاد الأميركي ما حصل عليه جراءها، لكن هذا الرد "الهونغكونغي" يبدو أن الزمن قد تجاوزه، فالصين التي تغلغلت في إقتصاد أميركا ذاتها، لا يعقل أنها لم تفعل الشيء ذاته، وأكثر منه في إقتصاد هونغ كونغ، والصين التي إنتشر أتباعها ومؤيدوها في قارات العالم، لا يمكن أن تعجز عن نشرهم في هونغ كونغ التي هي صينية ثقافة وأرضاً ولغة وروحاً وتأريخاً.

ليس ضربا بالودع القول بأن الصين ستتجاوز عقبة التظاهرات في هونغ كونغ، وستعزز إرتباط هونغ كونغ بالبر الصيني، ربما ليس الآن ولكن بعد حين، وستتجه لإستئصال الوجود الأميركي في هونغ كونغ، ولكن ليس الاقتصادي المطلوب من قبلها ولو إلى حين، وإنما المخابراتي غير المرغوب به والمثير للفتن والعراقيل.

أميركا تريد، والصين تفعل ما تريد، قد نصحو يوما على إلتحاق تايوان بالصين، وقد يأتي هذا اليوم عبر انتخابات نزيهة بإشراف دولي، فعندما تشرق شمسك يحل نهارك، وعندما تغرب شمسك، يحل ظلامك.