من يحارب الإرهاب، ويكشف مصادر قوته، لا يدعمه: مسرور بارزاني نموذجاً

قائمة الإرهاب التي وزعتها السلطات السورية لا تتناسب مع حقيقة سلمية أكراد سوريا المقيمين في كردستان العراق.

قبل أسبوعين من الآن، ونحن نتصفح الصحف الأجنبيّة والمواضيع التي تتعلق ببلدنا وتحدياته، والأزمات التي أصبحت عنواناً دائماً لحالتنا، قرأت حواراً مفيداً. كان الحوار مع كاك مسرور بارزاني، مستشار مجلس أمن كُردستان ومرشح رئاسة حكومتها. الحوار كانت قد أجرته صحيفة أميركيّة. ولعل أهميّة الحوار تكمن في أنّه لأول مرة يكشف عن التغييرات التي جرت بعد الحرب على الإرهاب طيلة الأربعة أعوام الأخيرة، ألا وهو مصادر مال الإرهاب-داعش، وكشف عن تحولات في هذه المصادر، فضلاً عن كشف مكامن القوة والضعف لهذا الارهاب. وبحكم موقع البارزاني استطاع أن يحدد مصادر مال داعش وأدواته.

ما يثير الإستغراب هو أمران. الأول، انّ الكُرد طيلة حياتهم السياسيّة والنضاليّة كانوا قد تجنبوا التطرف. فإذا كان التطرف في رأي الكُرد أمراً ممجوجاً وغير محبب كسبيل لإنتزاع الحقوق، فكيف سيقبلون أن يكونوا داعمين ما هو مدانٌ من قبل الجميع.

الأمر الثاني هو إنّ الكُرد كان وما زال أحد أسباب قوتهم، هو محاربة الإرهاب، وهل يفعل أحد ويدعم شيئاً هو لغير مصلحته؟

قبل فترة، جالست زميلاً إعلاميّاً. كنا نتحدث عن جذور عائلة البارزاني. فتحدث ذاك الزميل، وهو مستقل وغير حزبي ومراسل لإحدى القنوات الإعلاميّة، وقال إنّ جده قد تحدث في أحد مجالسه بأنّ البارزانيين كانوا على خلاف غيرهم. فمن كان مظلوماً من عشيرته كان يرى في البارزانيين ملاذاً وحضناً آمناً. فالبارزانيون لم يصادروا متراً واحداً من أراضي أبناء عشيرتهم أو من أبناء عشيرة أخرى.

ونحن هنا نتحدث عن القيّم طبعاً. فهناك عائلات وأقوام لديها قيّمٌ معروفة. ومهما حدثت التغييرات في المصالح، فأن قيمها لا تتغير، لأن انماط العلاقات مبنيّة على أسس التعايش مع الآخر ومراعاة نمط الحياة واسلوب العيش. ولذلك، وما إن هرب العراقيون من الإرهاب حتى وجدوا في كُردستان مكاناً وحضنا يتسع لهم ولغيرهم.

لعل من الملاحظ أن هناك في كُردستان العراق مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، وهناك عشرات الآلاف من العرب السوريين وجدوا في كُردستان، مقراً لمصالحهم، وهؤلاء العرب كنا قد أجرينا تحقيقاً صحفيّاً عنهم. وجلّهم من دمشق وحمص واللاذقيّة، لديهم مطاعم ومصالح تجاريّة، ومن موظفي الدولة السورية أي من أصحاب الخبرات، فضلاً عن الأطباء، وعدد منهم أصحاب المعامل والمصانع، ففضلوا هولير-أربيل، والسليمانيّة، ودهوك على أوروبا، والبلدان الأخرى.

إن "القائمة المحليّة للأشخاص والكيانات" التي قيل بأنها داعمة للإرهاب، هي ليست قائمة عبثيّة، وتسد الطريق أمام بناء العلاقات بين السوريين أنفسهم فحسب، إنّما تقطع الأمل بعودة سوريا كبلد يجمع الرسامين، وإدارة المصالح ومحل جذب الفاعلين المحليّين والاقليميّين والدوليّين.

الذين قاموا بوضع هذه القائمة لم يفكروا قط بحال سوريا وناسها، وحتى بمؤسسات الدولة. فمن الأبدى لهم أن يفكر المسؤولون في النظام والحكومة بأنّ البلد في خطر كبير، وأنّ السوريين بحاجة إلى العون والمساندة. وفي كُردستان وجد السوريون كل الدعم.

قبل عامين، كلنا سمعنا بحادثة الشاحنة المهربة (في النمسا) والذي مات فيها أكثر من 70 سوريّاً وسوريّة، ومنهم 3 أشخاص من دير الزور. وعندما قرر الرئيس مسعود بارزاني نقل رفاتهم من النمسا إلى سوريا عبر كُردستان على نفقته لم ينقل رفاة الكُرد فقط إنما حتى شمل القرار 3 أشخاص من دير الزور، في الوقت الذي لم تساعدهم سفارتهم في أوروبا.

حتى سياسيّاً، لم يحدد الرئيس، وكذلك كاك مسرور ورئيس الحكومة كاك نيجرفان، عندما قرروا الوقوف إلى جانب السوريين في محنتهم، للقوى السياسيّة قرارهم بل تركوه لهم ولم يتدخلوا في السياسة. وما إن تجد كُرديّا معارضا للنظام في هولير حتى تجد كُرديا آخر مواليا للنظام فيها أيضاً، ودائماً، كان يقول الرئيس إنّ على الكُرد السوريين أن يقرروا مصيرهم سواء مع المعارضة أو مع النظام.

إن باب كُردستان وإلى الآن مفتوحة للحيزين، المدني-الإنساني، والسياسيّ، ولم يزر عسكري واحد من القوات المقاتلة ضد النظام، ولم تُعقد ورشة عمل واحدة تضم العسكر والساسة للمعارضة في كُردستان، وبالموازاة فإن كُردستان تشكل اليوم أهم قاعدة للإستجابة الإنسانية في شمال شرق سوريا، ومقراً لبناء الإستقرار.

عندما نجلس مع نخبة كُردستان العراق، نسمع منهم نصائحهم ومشورتهم عن أن يكون الحوار سبيلاً لأي حل، وغالبية هذه النخبة لهم من الذكريات الكثير في دمشق.

نعتقد إنّ قائمة كهذا لا تُكتب ارتجالياً، ولا تُكتب بقلم حاقد، وإنّ اتهام الأشخاص والكيانات جزافا له مردودٌ عكسي، لأنّ مقاربة كهذه هو أمرٌ له مسؤوليّة اجتماعيّة.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا وبقوة، من هو الطرف الكُرديّ المصنف إرهابياً حتى قام كاك مسرور بتمويله ودعمه؟ لا يوجد حتى الآن أي حزب كُردي أو شخص أو فصيل كُردي مصنف بخانة الإرهاب. ثم إنّ الكُرد حاولوا منذ اليوم الأول أنّ يكون الحراك السلمي هو الخيار الأفضل، وإنّ مسألة السلم الأهلي مسألة مبدأ، فضلاً عن التركيز على التعايش السلمي ومسألة بناء الجسور بين المكونات الإجتماعيّة- السياسيّة هي من مركبات الخطابات الكُرديّة السياسيّة والمدنيّة.

ملخص القول، انّه، بعد أيام سيستلم كاك مسرور بارزاني منصبه في إدارة حكومة كُردستان، وهو يأتي في وقت هذه التحولات التاريخيّة، والمنعطفات السياسيّة الجمّة، وما إن رُشح إلى هذا المنصب حتى رحبت الأطراف الدوليّة والأمميّة والعراقيّة بهذه الخطوة. هو الشّاب المُلم بتفاصيل كل المكامن الأمنيّة، ويدرك نقاط الضعف والقوة، وتأهيله العلمي وعلاقاته كل ذلك تشكل محل الرهان الكبير. ولعل التحدي الأكبر أمام البارزاني هو تحدّي الإرهاب، واستعادة الشراكة بين حكومتي بغداد وأربيل هي من الخطوات العاجلة والملحّة، وذلك لنقل حال العراق من خانة يشوبها الإرهاب إلى خانة الشراكة ومواجهة أي تحد للإرهاب، فمن يحارب الإرهاب ويكشف مصادره لا يدعمه!