مهادات السايبورغ الرقمي من الفرضية إلى التطبيق

الشاشة المثبتة بالرأس والتي هي نفسها تدعى نظارة غوغل تعد من ملامح تنشيط  فكرة السايبورغ.
معهد ماساتشوستس للتقنية خصص جل جهوده لتطوير الإنسان الآلي المتحرك
المستقبل الفريب سيصبح نطاق المشكلات التي نتعامل معها متساويا مع نطاق العقل البشري

إن كل التعريفات المتداولة عن الشخصية السايبورغية الرقمية والتي أشرنا إليها في دراسات سابقة، إلى جانب الطروحات والأفكار الفلسفية والمستقبلية التي أعقبتها هي لم تأت من فراغ، بل إن هنالك مهادات أولية فتحت لهذه الشخصية الرقمية أبوابا للتأمل وبلورة لها آفاقا من التوقعات والتنبؤات، بحكم الخبرة والمحصلات التي قبض عليها عدد من الباحثين والعلماء، من هذه المهادات مثلا ما أورده تورستن قريكه واولريش فريكه: إنه في "عام 1992 خصص معهد ماساتشوستس للتقنية جل جهوده لتطوير الإنسان الآلي المتحرك وكانت هذه الشركة من أنجح الشركات العاملة في هذا المجال" وهي شركة بوستن داينامك التي انضوت للعمل تحت مظلة غوغل الشهيرة  ... وإن شركة غوغل قد راودتها التطلعات للعمل على تطوير نظم خاصة بها لتشغيل الإنسان الآلي".   
ومهاد سايبورغي آخر، وجده الباحث، وهو أن الشاشة المثبتة بالرأس والتي هي نفسها تدعى نظارة غوغل تعد من ملامح تنشيط  فكرة السايبورغ .. وملمح سايبورغي آخر وجده الباحث هو: في وحدة غوغل واسمها "غوغل اكس" كانت قد ابتكرت عدسة رقمية لاصقة تصلح لقياس سكر الدم. وأن "الحاسوب المثبت بالرأس مشروع له مستقبل باهر، وفقا لما يزعمه البعض، بيد أنه من غير المؤكد أن تغزو نظارة غوغل الأسواق مستقبلا. فمنذ عرضها لأول مرة عام 2012، يتسلى بضعة آلاف من المبرمجين وأفراد تطوعوا لاستخدام النظارة بشكل تجريبي، بالنظارة الثمينة البالغة سعرها 1500 دولار أميركي .. لكن اتضح لاحقا وإلى اليوم أن هذه النظارة الرقمية، لا نفع منها، أو أن أهميتها محدودة على أحسن تقدير بحسب فريكه نفسه". 

عمليات وضع قلب خارجي أو داخلي اصطناعي لمرضى القلب برغم محدوديتها وغلائها إلا أنها أثبتت نجاحها، إلى جانب عمليات الأسنان البديلة وغيرها

ومن مهادات  السايبورغ أيضا، تلك التي أشار إليها عبدالحميد في كتابه "الخيال من الواقع إلى الكهف الافتراضي" وسماها "الأوتوماتا القديمة: في فترة الحضارة الأغريقية، أنتجت علوم الفلك والفيزياء (الأوتوماتا) أو النماذج المتحركة المحاكية للسماوات، ثم جاءت الرياضيات في القرن السابع عشر لتقدم نماذج محاكية للعمليات الحسابية التي يقوم بها الإنسان والتي تحولت بعد ذلك خلال القرن العشرين إلى الآلات الحاسبة التي تنطق وتتحاور.". وهذه الأوتوماتا اتضح أن لها علاقة بالخيال الفني أو السينمائي "ففي الولايات المتحدة حدث أيضا إخصاب متبادل بين الخيال الأدبي والتصميم الآلي الصناعي الميكانيكي للأوتوماتا، فـ توماس اديسون كون دمية متكلمة في العام 1894. وسوف تظهر الأوتوماتا بشكل كثيف في الأفلام السينمائية بعد ذلك، كما تظهر الكائنات شبه الآلية هذه في كثير من اللوحات التشكيلية لدى أصحاب المدرسة ما بعد التعبيرية ولدى أصحاب المدرسة السيريالية أيضا." (بحسب عبدالحميد نفسه).
ويضيف عبدالحميد أيضا، وللأهمية ولتعلق الأمر بالجانب السينمائي، بأنه: "وخلال القرن العشرين أصبحت السينما ميدانا آخر لتجسيد الأوتوماتا المعروضة على المسرح أو في الكتب وتعتبر (مارا) الأنثى شيطانية الطابع في فيلم ميتروبوليس ومن إخراج فريتز لانج 1926 أحد أشهر البشر الآليين الأوائل في السينما، وقد ظهر أول إنسان آلي في السينما في الفيلم الفرنسي "المهرج والحركة الآلية" العام 1897 ثم ظهرت أفلام كثيرة في السنوات الأخيرة عن تلك الكائنات الآلية البشرية الشريرة".  
وتتوجب الإشارة أيضا إلى أن من المهادات السايبورغية الأخرى، تلك التي أشار إليها راي  كيزويل في كتابه "عصر الآلات الروحية" نقلا عن بحث نشره سيمون ونويل في عام 1958، قالا فيه: "إن هناك الآن في العالم آلات تفكر وتبتكر، ويضاف إلى ذلك قدرتها على القيام بهذه الأمور سوف تزداد بسرعة، حتى أنه في المستقبل الفريب سيصبح نطاق المشكلات التي تتعامل معها متساويا مع نطاق العقل البشري"، وأيضا "يستمر البحث ليتبأ بأنه خلال عشر سنوات (أي في 1968) سيكون بطل العالم في الشطرنج كمبيوتر رقمي، وبعد عقد تنبأ سيمون بأنه في عام 1985 ستكون الآلات قادرة على إنجاز أي عمل يستطيع الإنسان إنجازه. كانت هذه التنبوءات بالتأكيد أكثر تفاؤلا من نبوءات تورينج، وأحرجت مجال الذكاء الاصطناعي الوليد". وفعلا ، بعد ذلك بسنوات، وتحديدا في عام 1997، تفوق الكومبيوتر على لاعب الشطرنج العالمي كاسباروف، على الأقل في الشطرنج". 
إذن، فإن علم الذكاء الاصطناعي والكومبيوتر الذكي هما من دعامات الثورة المعلوماتية المستمرة ، وأن  السايبورغ هو الدعامة المنضوية ضمنا في خباء هذه الثورة التي ستجعل إنسان ما بعد الإنسانية  مكونا من جزئين: جزء حيوي، و جزء آلي، ولديه قدرات خاصة، السؤال: أيوجد بالفعل أشخاص بهذه المواصفات الآن، أو مستقبلا؟ وسيكون عمره مديدا، أو قد يتحكم بموته، أي لا يموت؟ 
يشير ميشتو كاكو في كتابه "رؤى مستقبلية" إلى اعتقاد مارفين منسكي من معهد "ماساشوستس للتكنولوجيا" أن هؤلاء الناس المعدلين قد يمثلون المرحلة التالية من مراحل التطور البشري، وبذلك سنكون قد حققنا خلودا حقيقيا عن طريق استبدال الفولاذ والسيليكون بالجلد". ويشير أيضا إلى "الكومبيوتر النهائي" والكومبيوتر الفائق، وهو الذي يدمج العقل والآلة معا، وأن المستقبل البعيد سيكون قادرا على توليد سايبورغ في المعمل، "ستقدم لنا ثورة الكومبيوتر شبكات عصبية بقوة الشبكات الموجودة في المخ، وتمنحنا الثورة البيوجزئية القدرة على استبدال الشبكات العصبية لدماغنا بأخرى مصنعة، مما يعطينا شكلا من أشكال الخلود". 
من هذا نفهم ان السايبورغ خالدا لا يموت، يؤكد ذلك ما يطرحه كاكو نفسه عبر تساؤله: "ما الذي سيحدث في المستقبل البعيد عندما نصبح قادرين على التحكم في الخلايا العصبية؟ افترض اللحظة أن تصبح فكرة ميركل حول إمكان مسح كل خلية عصبية موجودة في الدماغ حقيقة في أواخر القرن الحادي والعشرين أو بعد ذلك، هل يمكن عندئذ أن نعطي أدمغتنا أجساما خالدة؟"  

"لقد تصور هانز مورافيك في كتابه الذي أصدره عام 1988 بعنوان (أبناء العقل) أن اتحادا إلكترونيا من هذا النوع بين البشر سيقود إلى نوع من أنواع الخلود، إنه يتصور أن بإمكان البشر في المستقبل البعيد أن ينقلوا تدريجيا وعيهم من أجسادهم إلى إنسان آلي من دون ان يفقدوا وعيهم ... وعند الانتهاء من النقل سيمتلك دماغ الإنسان الآلي كل الذكريات وأنماط التفكير للشخص الأصلي، ولكنه سيكون ضمن جسم ميكانيكي من السيليكون والفولاذ يمكنه أن يبقى إلى الأبد" بحسب كاكو نفسه.  ولقد أخذ مارفين منسكي مؤسس الذكاء الاصطناعي هذه الأفكار على محمل الجد. ويرى الباحث، أن هذه الاحتمالات والفرضيات العلمية التكنولوجية المستقبلية قد حققتها الأفلام السينمائية بامتياز كما سنرى في متن هذه الدراسة وعينتها التحليلية لاحقا. 
تجارب سايبورغية ناجحة
مثلما مر بنا آنفا عن الطب واجتهاداته وتدخلاته الجراحية، التي بدأت مع فيكتور فرانكشتاين، تواصل الطب في تجاربه العلمية على وفق الفرضيات والتنبوءات التي مرت بنا في هذا البحث، فكانت التجربة السايبورغية الناجحة وهي الأولى من نوعها، تجربة الفنان نيل هاريسون بوصفه أول سايبورغ بشري.
في عام 2004 كان الفنان هاريسون حاضرا في محاضرة عن علم السيبرانيات عنوانها "علم التحكم بالآلات والجهاز العصبي" فسال المحاضر إن كان بإمكاننا أن نبتكر شيئا يعينه على استقبال الألوان؟ فكتب له برمجية العين السيبيرانية، لان هاريسون كان مريضا بعمى الألوان، والناتج عن عدم سلامة نظام المخاريط والألياف المسؤولة عن استقبال الألوان ونقلها بإشارات إلى الدماغ لترجمتها. وقد تم في حينها تسجيل أول سايبورغ في بريطانيا في عام 2014 ويدعى نيل هاربيسون. 
يعاني نيل من مرض عمى الألوان, لذلك تم وضع هوائي في رأسه ليساعده على تمييز الألوان. قام العالم آدم مونغاندون بابتكار وتصميم هوائي مربوط بكمبيوتر وزنه 5 كغ، وسماعات أذن  تنقل عدسة الكاميرا إلى دماغ نيل الصور التي تقسم ألوانها ثم تنقل عبر السماعات إلى أذنه على شكل 360 موجة صوتية. يستطيع نيل هاربيسون تمييز ورؤية الأخضر والأحمر والأزرق بالإضافة إلى الأشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية. أسس هاريسون شركة باسم Cyborg Foundation . (وللمزيد ينظر موسوعة "ويكيبيديا الالكترونية" وهذه التجربة مسجلة رسميا من الأمم المتحدة).  
استطاع هاريسون عبر هذا الجهاز الذي وضعه على رأسه والذي يقوم بتحويل الألوان إلى نغمات مختلفة يسمعها هاريسون فيتعرف على الألوان، ولقد تمكن من سماع 360 لونا بدرجات مختلفة، إذ تم وضع أقطاب كهربائية له عددها 68 قطبا في منطقة القشرة البصرية. ولقد كتب علاء الدين السيد في إحدى مقالاته: "بان هاريسون لم يشعر بأنه كائن سيبيراني إلا بعد أن شعر بأن - أو لاحظ بأن - برمجة النظارة فد توحدت مع برمجة عقله، ما أعطاه حاسة جديدة". 
أما التجربة الطبية الأخرى، فتلك التي قام بها بعض الجراحين في بريطانيا بزرع رقاقات في العين لمرضى التهاب الشبكة الصبغية، مرض يسبب العمى التدريجي، من أجل تأخير تطور الحالة. وتجارب طبية ناجحة أخرى يجريها الأطباء في أنحاء العالم كافة، مثل تبديل مفاصل ركبة الساق الواحدة أو الساقين، وكذلك عمليات وضع قلب خارجي أو داخلي اصطناعي لمرضى القلب برغم محدوديتها وغلائها إلا أنها أثبتت نجاحها، إلى جانب عمليات الأسنان البديلة وغيرها.