مهرجان موازين بين دوافع المقاطعة وحاجة الترفيه

الحدث الموسيقي الأهم في المنطقة يثير سخط قطاع واسع من الشعب المغربي بسبب الوضع الاقتصادي.

الرباط - يتبنى مهرجان موازين نموذجًا اقتصاديًا مبتكرًا يعتمد بشكل كبير على العائدات المتغيرة والتعاون مع الشركات المحلية، ما يجعله شبه مستقل عن التمويل العمومي، إذ يسهم هذا النموذج في ترويج الاقتصاد الوطني، ويخلق فرص عمل في قطاعات عدة مثل الضيافة والأمن، ويعزز دور الفعالية كعنصر رئيسي في تحسين الصورة الدولية للمغرب والتبادل الثقافي بين الشعوب.

ورغم النجاحات العديدة التي حققها مهرجان موازين على مدار السنوات، إلا أنه يواجه انتقادات ومعارضة من بعض المواطنين المغاربة لعدة أسباب، حيث يعتقد البعض أن الأموال الكبيرة التي تنفق على استضافة الفنانين الدوليين يمكن استخدامها بشكل أفضل في مشاريع التنمية والبنية التحتية، خاصة في ظل وجود مشكلات اقتصادية واجتماعية مثل البطالة والفقر، إذ يشعر بعض المغاربة بأن المهرجان لا يتماشى مع القيم والتقاليد المغربية، يعرض فنانين يرتدون أزياءً أو يقدمون عروضًا تعتبر غير لائقة أو تتعارض مع الثقافة الشعبية، وتأتي الانتقادات بشكل خاص في السنوات التي تواجه فيها البلاد أزمات القدرة الشرائية للمواطن، ما يشعر البعض بأن الإنفاق على المهرجان ترفً غير ضروري في مثل هذه الظروف، خاصة بعد أزمة كورونا والارتفاع الصاروخي الذي تشهده المواد الغدائية.

ويشكو بعض سكان المدن التي تستضيف المهرجان، مثل الرباط وسلا، من الازدحام والتأثيرات السلبية على الحياة اليومية بسبب الصخب، إذ تتردد بعض الاتهامات بأن هناك فسادًا ومحسوبية في كيفية تنظيم المهرجان وتوزيع العائدات، ما يثير استياء المواطنين، وفي ضوء هذه الأسباب يقوم بعض المغاربة بمقاطعة مهرجان موازين كوسيلة للتعبير عن رفضهم لهذا الوضع والمطالبة بالتغيير.

وينظم مهرجان موازين من قبل جمعية مغرب الثقافات، ويعتبر أبرز حدث لعشاق الموسيقى يستقطب أكثر من مليوني ونصف المليون زائر سنويًا يتجولون بين مدينتي الرباط وسلا، كمت يستضيف أبرز الأسماء في الموسيقى العربية، الإفريقية، والدولية، بالإضافة إلى أفضل الفنانين المغاربة، لإبراز مواهبهم، إذ يدعم موازين قيم المملكة المتمثلة في التسامح والانفتاح والاحترام والحوار، وتشجيع النشاط في قطاع السياحة وتطوير المهن المرتبطة بالموسيقى.

ويتبين أن مهرجان موازين يجسد التناقض بين الفخامة والإسراف من جهة، ومعاناة المواطنين من جهة أخرى، إذ يعاني العديد من المغاربة من ارتفاع الأسعار، خاصة في شهر عيد الأضحى الذي يشكل عبئًا ماليًا كبيرًا على الأسر، وهنا يعتبر تخصيص ميزانية ضخمة لمهرجان موسيقي ترفيهي غير متناسب مع الاحتياجات الفعلية للمواطنين، بينما يمكن توجيه هذه الأموال إلى برامج دعم اجتماعي ومشروعات تعزز قدرة الناس على مواجهة التحديات الاقتصادية.
ويتزامن تنظيم مهرجان موازين مع معدلات بطالة مرتفعة تزيد من التوتر الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، في وقت يحتاج فيه الشباب إلى فرص عمل واستثمارات تساهم في تحسين حياتهم، بينما يتم إنفاق مبالغ طائلة على مهرجان قد لا يقدم سوى ترفيهًا مؤقتًا، إذ ينبغي على الحكومة والشركات الممولة للمهرجان أن تراجع أولوياتها وتحقيق توازن أفضل بين الترفيه ودعم التنمية الاقتصادية التي توفر وظائف وتحسن مستوى المعيشة للمواطنين.
وتشهد الساحة الدولية حروبًا وصراعات تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي، وبالتالي على اقتصاد المغرب، حيث أن هذه الأزمات العالمية تضيف ضغوطًا إضافية على الموارد المالية للبلاد، وتزيد من تحديات تحقيق النمو الاقتصادي المستدام، وفي ظل هذه الظروف يصبح من الضروري إعادة النظر في كيفية تخصيص الموارد المالية، وتوجيهها نحو تعزيز القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية، بدلاً من صرفها على مهرجانات ترفيهية لا تحقق فوائد طويلة الأمد للمجتمع.
إن تنظيم مهرجان موازين في مثل هذه الظروف يعكس عدم توازن واضح في تحديد الأولويات الوطنية، بينما يعاني المواطنون من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، إذ يستمر الإنفاق على فعاليات ترفيهية بشكل يثير التساؤلات حول التوجهات الحكومية والتزامها بتحقيق رفاهية المجتمع، فمن الضروري توجيه الجهود نحو معالجة القضايا الحقيقية التي تواجه الناس، بدلاً من التركيز على الأنشطة التي لا تقدم حلولًا ملموسة للتحديات الحالية.