الفن والإعلام بين ادعاء التخصص وملكة الإبداع

العديد من المهن السمعية البصرية تصنع على يد هواة ذوي موهبة فطرية وشغف ممارسة فعلية.

الرباط - يعتبر الفن والإعلام من المجالات التي غالبًا ما يُعتقد أنها تحتاج إلى تخصص أكاديمي محدد للوصول إلى النجاح والتميز، لكن هناك حقيقة مهمة يجب التأكيد عليها وهي أن الموهبة الفطرية تلعب دورًا حاسمًا في هذه المجالات، حيث يمتلك الكثير من الفنانين والمبدعين موهبة طبيعية تتيح لهم التفوق والإبداع دون الحاجة إلى خلفية أكاديمية تقليدية.

فالموهبة هي الشرارة الأولى التي تميز الفرد في مجال الفن والإعلام، إذ أنها يمكن أن تكون في أشكال متعددة، كالقدرة على التعبير البصري، والحساسية الجمالية، والخيال الخصب، أو مهارات التواصل الفعّالة التي تعتبر الأساس الذي يمكن البناء عليه، وهي ما يميز الفنان أو الإعلامي الناجح عن الآخرين.

لكن الموهبة وحدها ليست كافية للوصول إلى القمة، فهنا تأتي أهمية الممارسة والتجربة المستمرة، حيث يمكن صقل الموهبة وتنميتها من خلال التجارب المتكررة، والتعلم المستمر، والانفتاح على الأفكار الجديدة، خاصة أن الفن والإعلام مجالان يتطلبان مرونة وقدرة على التكيف مع التغيرات السريعة في العالم من حولنا.

يتميز الفن والأدب عموما بكونه ليس محدودًا بالمناهج الأكاديمية، بل يتطلب روحًا حرة وشغفًا حقيقيًا، وبما أن الصحافة ولدت من رحم الأدب نجد كثيرا من الأسماء اللامعة في هذه المجالات لم يحصلوا على تعليم أكاديمي متخصص، لكنهم اعتمدوا على موهبتهم الفطرية وعملوا بجد لتطويرها وأصبحوا من المؤسسين لهذه الفنون.

وفي المجتمع السمعي البصري هناك وجهات نظر متنوعة حول بروتوكول التخصص والاستهزاء بالهواة رغم ان الهواة هم من أسسوا العديد من الفنون والعلوم، وخاصة بين الفئات التي ترى في هذه المجالات تخصصات أكاديمية مهمة وبين تلك التي تعتبرها موهبة فطرية يمكن صقلها بالممارسة.

يؤمن البعض بأن الفن والإعلام يجب أن يُدرسا في المؤسسات الأكاديمية للحصول على المعرفة العميقة والتخصص الدقيق في المجالات المختلفة، مثل السينما، الصحافة، التصميم الغرافيكي، وغيرها، وترى هذه الفئة أن التعليم الأكاديمي يوفر بنية تحتية متكاملة تشمل التاريخ، النظرية، والتقنيات الحديثة التي تعتبر ضرورية للإبداع والتفوق في هذه المجالات، كما أن الحصول على شهادات أكاديمية من مؤسسات معترف بها يضيف قيمة مهنية، حيث يعتبر البعض أن هذه الشهادات تفتح أبوابًا للفرص المهنية والاعتراف الرسمي، ولا ننسى أن العديد من ذوى الشهادات العليا والعلامات المتفوقة غير قادرين على كتابة فقرة من نسج خيالهم.

ويعتقد آخرون أن الموهبة الفطرية هي العنصر الأهم في الفن والإعلام، وأن الشغف والإبداع لا يمكن تعليمهما في الفصول الدراسية، إذ يركزون على أن العديد من الفنانين والإعلاميين البارزين بدأووا مسيرتهم بدون تعليم أكاديمي متخصص، واعتمدوا على موهبتهم وشغفهم لتطوير أنفسهم، حيث يفضل البعض التعلم من خلال التجربة والممارسة العملية، مؤكدين أن الخبرة العملية يمكن أن تكون أكثر فاعلية من الدراسة الأكاديمية، ويرون أن الممارسة المستمرة والتجربة تتيح للفنان أو الإعلامي تطوير مهاراته بشكل ديناميكي ومرن.

يحتاج الفن والأدب إلى حرية التعبير والإبداع، والتي يمكن أن تكون محدودة في إطار التعليم الأكاديمي المنظم، لأن الموهوبون يقدرون الاستقلالية في التفكير، إذ يعتبرون أن هذه الاستقلالية تتيح لهم التميز بطرق جديدة وغير تقليدية، كما أن هناك بعض التوتر بين الفئتين، حيث قد يشعر البعض من الأكاديميين بالاعتزاز بتخصصهم الأكاديمي والنظر إلى غير الأكاديميين على أنهم أقل معرفة أو مهارة.

ويشعر غير الأكاديميين بالاحتقار من قبل الأكاديميين، ما يمكن أن يخلق انقسامات وتوترات في بيئة العمل، وفي هذه الحالة  يجب الاعتراف بأن كلتا الطريقتين، سواء التعليم الأكاديمي والممارسة الفعلية، لهما قيمة كبيرة ويساهمان في إثراء المجال، ولكن بشكل ذاتي يكون لهما طعم خاص، ومن الواجب أن يكون هناك فهم مشترك أن التعلم هو عملية مستمرة ذاتية قبل كل شيء، سواء من خلال التعليم الرسمي أو الخبرات العملية.

لا يتطلب الإبداع والخلق مهارات تقنية أو معرفة أكاديمية، بل يحتاج إلى شغف حقيقي ورغبة في التعبير عن هذا الشغف بطريقة فريدة، فمن يتحدث عن فنه أو مجاله بحماس ومعرفة، غالبًا ما يتمكن من إبتكار أعمال متميزة تتجاوز التوقعات وتترك أثرًا دائمًا، لذا يمكن القول إن القدرة على التعبير بفعالية وعمق عن الفن أو المجال الذي يعشقه الفرد هو ما يمكن أن يحول الموهبة إلى إبداع حقيقي وملموس.