نجوم السوشيال يزحفون على السينما والتلفزيون

رواد وسائل التواصل الاجتماعي يثيرون استياء خريجي المعاهد الفنية بسبب حصولهم على أدوار البطولة في الدراما والفن السابع.

الرباط - تُثير ظاهرة دخول نجوم السوشيال ميديا إلى عالم السينما والتلفزيون إشكالية مهمة تتعلق بجودة المحتوى الفني وتأثيره على الجمهو، فبينما يجلب هؤلاء النجوم جمهورهم الكبير والمتحمس معهم، تُطرح تساؤلات حول ما إذا كان لديهم المهارات الفنية اللازمة لتقديم أداء محترف ومقنع في هذه المجالات التقليدية، إذ تتفاقم هذه الإشكالية عندما يُلاحظ أن الفرص المتاحة للمواهب الحقيقية والمتخصصة في التمثيل قد تتضاءل لصالح الأسماء الكبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، ما يؤدي إلى تراجع مستوى الأعمال الفنية وانخفاض جودتها، ويثير هذا الأمر  جدلاً واسعًا بين النقاد والجمهور حول القيمة الحقيقية للمحتوى المُقدَّم ومدى تأثير الشهرة الرقمية على صناعة الترفيه التقليدية.

يعتبر الانتقال إلى السينما والتلفزيون فرصة للرواد الرقميين للوصول إلى جمهور أوسع، حيث يمكن للأفلام والبرامج التلفزيونية الوصول إلى شرائح مختلفة من المجتمع، بما في ذلك الأشخاص الذين قد لا يكونون نشطين على منصات التواصل الاجتماعي، حيث إن هذا الانتقال فرصة للرواد الرقميين لتحقيق أهدافهم الفنية والمهنية، بما في ذلك تقديم الأداء التمثيلي، أو كتابة السيناريو، أو إخراج الأفلام، وعلى الرغم من الفرص الكبيرة التي يمكن أن يوفرها الانتقال من الإنترنت إلى السينما والتلفزيون، إلا أن هذا التحول يأتي مع تحدياته الخاصة.

مثل الحاجة إلى اكتساب مهارات جديدة  كالتمثيل أو الكتابة السينمائية، والتعامل مع ضغوط العمل في بيئة إنتاجية مختلفة عن عملهم على الإنترنت، والتنافس مع نجوم آخرين على الساحة السينمائية والتلفزيونية، ما يفتح أمام الرواد الرقميين فرصًا جديدة للتطور والنمو، ويساهم في تعزيز مكانتهم الفنية.

ويتبين لذا البعض أن هذا التحول يشوه صورة الصناعة الفنية، حيث يتم تفضيل الشهرة السريعة والمحتوى السطحي على الأعمال الفنية المتعمقة والمتميزة، إذ يعتبر النقاد أن رواد السينما والتلفزيون الذين انتقلوا من عالم الإنترنت إلى الشاشات الكبيرة والصغيرة يفتقرون إلى الخبرة والمهارات التقليدية في هذه الصناعة، ما يؤدي إلى تقديم أعمال ضعيفة فنياً، كما يُعتبرون هذه الظاهرة تجارية فقط، حيث يتم استغلال شعبية رواد الإنترنت لجذب الجماهير إلى الأعمال التي قد لا تكون ذات جودة عالية، كما يرى هؤلاء المنتقدون أن هذا الانتقال يضر بالمجال الفني المغربي ويقلل من قيمتها وتقديرها.

ويظن البعض منهم أن نجاح  نجوم السوشل ميديا في السينما والتلفزيون يعتبر تهديدًا لرواد الدراما ويضعف من مكانتهم كمحترفين مدربين تقليديًا، كما أن هناك عوامل أخرى تلعب دورًا في هذا التوتر، مثل الغيرة أو المنافسة،إذ يشعر البعض من خريجي المعاهد السينمائية والمسرحية بالغيرة على النجاح السريع والشهرة التي يحققها رواد وسائل التواصل، خاصة إذا كانوا قضوا سنوات طويلة في دراسة الفن وتطوير مهاراتهم داخل بيئة أكاديمية، كما قد يكون هناك توتر بين الأجيال، وينظر البعض من الأجيال الأكبر سنًا إلى الرواد الرقميين بنظرة استهزاء أو ازدراء نتيجة لعدم فهمهم الكامل لطبيعة وقيمة المحتوى الرقمي وتأثيره على الجمهور.

يفتح الفن حقًا أبوابه للجميع لأن الجودة والابتكار ليست مقتصرة على الطرق التقليدية لتعلم الفن، حيث يجلب نجوم السوشل ميديا معهم أساليب وتقنيات جديدة، وقدرات على التواصل مع الجمهور تختلف عن تلك التي يمتلكها الصناع التقليديون، وبالتالي  يمكن أن يكون التوتر الحالي نتيجة للتغيرات الطبيعية في صناعة الفن وانتقال الأفكار والممارسات الجديدة.

ويظهر التاريخ الفني أن العديد من عظماء الفن يكرسون جهودًا شديدة في ممارسة فنهم دون الحاجة إلى دراسة أكاديمية رسمية أو تحصيل شهادات، إذ يكون لديهم شغف طبيعي بالتعبير الفني والإبداع، ويُركزون جهودهم على تطوير مهاراتهم واكتساب الخبرة من خلال الممارسة الدؤوبة والتجارب المستمرة.

ويمكن النظر إلى عظماء الفنون فتجدهم هواة، لأن الفن أسسه هؤلاء بدون تخصص، حيث كانوا يمارسون فنهم بشكل عاطفي ومكثف دون أن يلتحقوا بمدارس فنية رسمية، وكان لديهم رؤية فريدة وطموح في خلق رؤية إبداعية خاصة بهم.

ويشير هذا النهج إلى أن الفن لا يقتصر على المعرفة الأكاديمية، بل يتطلب بشكل أساسي الشغف والتفاني والتجربة المستمرة، فهو يساهم في تطوير المهارات الفنية وإثراء الخبرات، وبالتالي يمكن لرواد صناع المحتوى أيضًا أن يصبحوا عظماء في مجال الفنون دون الحاجة إلى التخصص الأكاديمي الرسمي، ولا يمكن إغفال حقيقة أن الفن هو موهبة ربانية تنمو وتتطور من خلال التكرار،  فالممثلون والمبدعون الذين لم يتلقوا تعليماً رسمياً قد يظهرون مواهبهم بشكل طبيعي، وقد يصلون إلى النجاح دون أي تدريب مهني، ومن جانب آخر نجد أن الذين اختاروا الدراسة الأكاديمية يتمتعون بفرصة لاكتساب المهارات والمعرفة اللازمة لتطوير مواهبهم بشكل مستدام ومتقدم.

ونخلص القول أن لكل منهم مكانته ودوره في عالم الفن، فالممثلون والمخرجون والكتاب الذين يأتون من خلفية أكاديمية مختلفة يمكن أن يقدموا إضافات قيمة للصناعة الفنية من خلال فهمهم العميق للفنون وتقنياتها، وفي المقابل نجد أن الذين اكتشفوا مواهبهم بشكل طبيعي وتعلموا من خلال التجربة والعمل العملي، يجلبون للفن أصالة وروحًا مميزة تعكس خبراتهم وتفاعلاتهم الشخصية، لذلك  من الواجب أن نقدر ونحترم كل مسار فردي في الفن، سواء كانت البداية من خلال التعليم الأكاديمي أو من خلال الاكتشاف الذاتي، لأن ما يهم هو العطاء والتميز والإلهام الذي يقدمه الفنانون للعالم، بغض النظر عن مسارهم التعليمي  أو خلفيتهم الثقافية، فالفن والاعلام ليس تخصصا بل موهبة تصبح حرفة مهنية بالممارسة الفعلية.