نقابة الصحفيين العراقيين ومكرمات الصحافة

أي زمن أغبر لعين، هو من ينكر أو يتنكر لأدوار مبدعينا.
لماذا تكلف نقابة الصحفيين العراقيين نفسها عناء المشاركة في مناسبات التكريم الهامشية
الأحياء من المبدعين قلما يذكرهم أحد وربما لا يُعد من يُذكرون منهم على أصابع اليد الواحد
مكارم الدنيا لن يكون لها في عهد الديمقراطية الزائف مكان من الإعراب

لم يكن تكريم الأحياء من المبدعين الإعلاميين العراقيين مثارا لاهتمام من تصدروا المشهد الصحفي، لأن التكريم ربما لايضيف لهم شيئا، وإن كان معنويا، لكنه يعد بادرة من باب التذكير بفضائل من كانت لهم إسهامات في ساحات الصحافة والإبداع الثقافي.

وعلى الرغم من أن عمري الصحفي بلغ ما يقرب من 47 عاما، خضت فيها معترك العمل الصحفي بكل ميادينه، منذ منتصف السبعينيات، وقدمت خلالها عشرات الآلاف من المقالات والمتابعات الصحفية في مختلف فنون الصحافة وأشكالها الصحفية، داخل العراق وخارجه.

وما أعتز به ويعد خلاصة عمري الصحفي وهديته القيمة، هما كتابان في مجال تسريب الأخبار والحرب النفسية، وبخاصة كتابي الأخير الذي يصدر قريبا جدا عن دار "أمجد للنشر والتوزيع الأردنية" تحت عنوان "تسريب الاخبار والحرب النفسية في أجهزة المخابرات".

إلا أننا لم نر من القائمين على الشأن الصحفي والإعلامي والثقافي، من يهتم بشخوص مبدعينا، ومن كانت لهم بصمة مؤثرة في ساحات الإبداع، ومع هذا بقيت أسماؤهم لامعة، ولم تعان من صدأ الزمان، ولا ترابه الذي انهال عليها، كي يخفف من بريقها، وبقيت تلك المآثر والمنجزات في الميدان الصحفي والثقافي شاخصة، ليس بمقدور أحد أن يحجب ضوءها بغربال.

وشاء العرف الصحفي والثقافي أن يتم تكريم المبدعين بعد موتهم، بعد أن ينتقلوا من الدنيا الفانية، حيث لايذكرهم أحد إلا ما ندر، وإن تم تكريم شخوصهم الغائبة فهو من باب الاستذكار، ليس إلا، وللإدعاء ربما بأن هناك من يهتم بالثقافة والمثقفين.

أما الأحياء من المبدعين، فقلما يذكرهم أحد، وربما لا يُعد من يُذكرون منهم على أصابع اليد الواحدة، وبعضهم لم يترك تلك البصمة التي ربما يستحق عليها هذا التكريم من هذه الجهة أو تلك، إلا بمقدار الادعاء بأن هناك اهتماما بمن قدموا العطاء الثر في خدمة بلدهم وشعبهم، وتركوا مصيرهم للأقدار، ولمن يتذكر عطاءهم ومآثرهم، كي تحظى بالعرفان.

وفي بلد مثل العراق، لا يعد تكريم النخب الثقافية وسيلة للتقدير، أو تثمين الجهود القيمة إلا في مناسبات قليلة، وإن تم تقديم مجموعة على أنها تمثل نخبه الثقافية، فيتم تقديم المغمورين منهم والمهووسين، وممن لم يجد الجمهور لهم في يوم من الأيام مأثرة، أو منجزا ثقافيا أو صحفيا، يمكن أن يرفع مقامهم، أو أن يكون لهم شأن بين الناس وعامة الجمهور المثقف.

ولا أدري، لماذا تكلف نقابة الصحفيين العراقيين، عناء مشاركتها بمناسبات التكريم الهامشية، وهي تعرف مقدما أن العناوين التي جرى تقديمها، لا يستحق الكثير منها أن يقدم الى الجمهور، ليكون الواجهة المفترضة للاهتمام بالشأن الصحفي والثقافي وعموم منابر الإبداع، ومن ذهب منهم الى "دار القرار" لم يذكرهم أحد في دنياهم هذه، برغم أن لهم باعا طويلا وركائز قوية، تكفيهم لأن يبقى ذكرهم الطيب، شامخا على مر الزمان.

وربما يعدون تكريما هامشيا من هذا النوع، انتقاصا من كرامتهم ومن دورهم وما قدموه من منجزات تذكرها الأجيال بفخر واعتزاز، على أنها هي من تبقي وهجهم الإبداعي العراقي، حاضرا في نفوس شعبهم ونخبهم، ولن ينتظروا من زمنهم الأغبر أن يكرمهم، قبل أن يرحلوا إلى زمن خلودهم الأبدي، فالكرم الآلهي هو من ينتظرونه، أما مكارم الدنيا فربما لن يكون لها في عهد الديمقراطية الزائف، مكان من الإعراب، الا ماندر.

أي زمن أغبر لعين، هو من ينكر أو يتنكر لأدوار مبدعينا، وهم نجوم لامعة في سماء الثقافة ووهجها، ممن ينتظرون أن تبقى سفنهم مشرعة، يخوضون بحور التميز والتنوير الثقافي والمعرفي، ويجوبون عوالم الدنيا بعطائهم الثر، وهو الكنز الكبير الذي يفوق كل تكريم لايقدم ولا يؤخر.