نقاد العراق يترافعون عن 'بنات غائب طعمة فرمان'

أمانة الشؤون الثقافية بالاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق تقيم جلسة احتفاء بالقاص والروائي خضير فليح الزيدي، بمناسبة صدور روايته الجديدة.

أقامت أمانة الشؤون الثقافية في الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق جلسة احتفاء بالقاص والروائي خضير فليح الزيدي، بمناسبة صدور روايته الجديدة "بنات غائب طعمة فرمان" الصادرة عن منشورات ميسكلياني في تونس.

الجلسة أدارها الكاتب جمال الهاشمي الذي رحب بالحضور وبالروائي المحتفى به، حيث قال "اليوم نحن على موعد مع جلسة مختلفة للاحتفاء بروائي مهم هو خضير فليح الزيدي ورواية مهمة هي بنات غائب طعمة فرمان، وهي جلسة تقيمها أمانة الشؤون الثقافية في اتحاد الأدباء تقديرا لهذا المنجز".

وقدم الهاشمي بعضا من السيرة الذاتية للأديب المحتفى به وتوقف عند أهم محطاته الإبداعية، منذ انطلاقته من مدينة الناصرية ومن ثم انتقاله إلى العاصمة بغداد التي حقق خلالها منجزا سرديا كبيرا.

بعدها تحدث الروائي المحتفى به والذي قدم بعض التفاصيل عن روايته الجديدة، حيث قال "هذه الرواية هي الأكثر مشقة بالنسبة لي، فزمن كتابة رواية بنات غائب طعمة فرمان هو الأطول من بين كل رواياتي التي عملت عليها حتى وصل زمن الاشتغال المكتبي إلى أربع سنوات متواصلة، كي تكون – حسبما أزعم – رواية فنية احترافية الاشتغال من حيث الأداء اللغوي والفكري والسردي".

وقال الزيدي "الرواية جاءت من فكرة هي أصلاً متخيلة، وهنا تكمن عقدة الاشتغال في إقناع القارئ، ففي هذه الرواية كان الاشتغال فيها هندسيا دقيقا، بمعنى هناك حسبة خوارزمية دقيقة، تكون فيها مسطرة القياس هي المتحكمة من حيث رشاقة وحيوية أداء اللغة المنتقاة وحسبة الحوار والصمت الحواري".

بعدها جاء دور الأوراق النقدية التي افتتحت بورقة نقدية للناقد فاضل ثامر الذي جاء في جزء من ورقته ما نصه "هذه رواية ظريفة واستثنائية تقوم على افتراضات تخمينية مسرفة في الخيال، حيث ينهض الموتى من قبورهم وفي مقدمتهم الروائي الراحل غائب طعمة فرمان الذي يستحضره المؤلف ليلتقي بأبطال رواياته الذين طلبوا منه الحضور لتصحيح أوضاعهم الحياتية بعد أن خرجوا من عالم الورق إلى العالم الحقيقي، وهو مشهد يذكرنا بمسرحية "ست شخصيات تبحث عن مؤلف" للكاتب الإيطالي ميغيل بيراندلو، ومن بين الموتى كانت شخصية "كريم" الذي يخاطب غائب بغضب "لقد أجرمت بحقي أيها المؤلف حين تركتني في صفائح بغداد، دائخا ومرعوبا وهربت وجعلت آمنة تفرّ من شباكي وتركتني وحيدا".

بعدها قدم الناقد الدكتور شجاع العاني مداخلة سريعة أكد فيها على أن هذه الرواية هي عمل يضاف إلى جهد خضير فليح الزيدي في الاحتفال بغائب طعمة فرمان الذي سبق أن أقام له الزيدي ندوة خاصة.

وأضاف العاني "أفترض أن البنات في هذه الرواية ليسوا بنات غائب، بل بنات البيرقدار، كما كان هناك مجال لدراسة وضع المرأة في زمن غائب ومنحنا المعرفة بمصير أبطاله مثل سليمة وصاحب أبوالبايسكلات الذي كان نواة حركة الطبقة العمالية في أربعينيات القرن المنصرم".

ثم قدم الناقد الدكتور سمير الخليل ورقة نقدية جاء فيها "ترصد الرواية حجم التحولات والمفارقات الزمنية في زمن الوصوليين، وضياع القيم وحدوث التغيّرات في كل جوانب الحياة للسنوات 2006 - 2007 وما شهدته من إفرازات الواقع السياسي، والرواية في مجملها هي إعادة بناء وتصوير لأجواء روايات غائب، حيث تجد تلك الأجواء موجودة في هذه الرواية، لكن الواقع يكون مختلفا حيث لا يمكن لغائب طعمة فرمان أن يعيش مثل الواقع المليء بالوصولية والوحشية الذي يتحدث عنه الزيدي".

كما قدم الناقد الدكتور جاسم الخالدي ورقة نقدية جاء فيها "ثمة أسئلة ضمّنها الروائي خضير فليح الزيدي في روايته الجديدة، فهو أرادها أن تكون وثيقة تأريخية تؤرخ لحقبة عاشها، فقد ذكر ما لم يستطع ذكره، ووثق كثيرا من الممارسات التي ظهرت على السطح، لم يعشها فرمان، وهي مقاربة بين الروائيين، بين ما كان، وما يكون، زمن غدا جزءا من الذاكرة، وآخر معيش، يغطّ بالمشاكل والاضطراب، وهو ما انعكس على شخصيات الرواية".

ثم جاء الدور على الناقد الدكتور جاسم محمد جسام عبر ورقة نقدية تفصيلية جاء فيها "استعمل الزيدي في روايته بنات غائب أساليب حديثة في الكتابة، متأثرا بمدارس التحليل النفسي والطرائق الأخرى التي تكمن وراء الذهن، كالحوارات والتقنيات ومنها الاسترجاع في كتابة النص الروائي، وكأن الراوي هنا هو الشخص الواقف خلف ستارة السرد ليحكي أحداثا منعكسة في مرآة الخرافية، تنزاح عن الواقع قليلاً لكنها تدل عليه حتما، أو تشير إليه بدلالات كثيرة مهما حمّلها الكاتب من رمزية، فهي تسرد تاريخا أدبيا وتتخذ من السرد قناعا واضح الملامح والإشارات".

وقدم الشاعر والروائي منذر عبدالحر ورقة نقدية أخرى جاء فيها "ابدأ من العنوان الذي يبدو عنوانا تسويقيا، يراد منه تتبع الشخصيات النسائية في أعمال هذا الكاتب، طبعا لمن قرأه من القراء، أما الذي لم يقرأه فسيكون له الفضول في التعرف على هؤلاء البنات، لأن الرواية لا تتحدث عن البنات بشكل مهيمن على جسد الرواية بل عن آثار عوالم وشخصيات أعمال الروائي الراحل فرمان، أما مدخل الرواية بالترقب الذي أحدثه والتمويه الذي صوره الروائي الزيدي، فقد ذكرني برواية وقائع موت معلن للروائي الكولومبي غابريل غارسيا ماركيز، والمشهد الغرائبي الذي جمع فيه الروائي أبطال غائب طعمة فرمان مع أبطال عدد من الروايات العربية، وهذا الاستحضار ينم عن طبيعة الأبطال المرصودين ليكونوا مادة سردية متاحة لأي متفحص باحث عن توليدات فنية ينطلق فيها من خلال شخوص مرسومة على الورق، وأظن أن الباحث في هذا السياق سيجد عند الراحل عبدالستار ناصر ما يغري في الاشتغال على عوالم مشابهة... رواية بنات غائب طعمة فرمان استطاعت أن ترسم عوالم متضادة تظهر في طبيعة مستوى الحوار الدائر بين الأبطال، وكذلك استطاعت أن تأخذ نموذج المثقف من قاع المدينة وهو ينتمي لجماعة فيها شيء عال من الرمزية وهي تعالج تفجير اللغة من خلال البحث عن مستجداتها التي أفرزتها الحياة العراقية الجديدة... وما أريد أن أقوله، وهو رأي شخصي حتما، أن الروائي خضير فليح الزيدي ومن خلال مجمل أعماله التي سلطت الضوء على الحياة العراقية والتاريخ وطبيعة المجتمع العراقي بمهارة سردية وحرفية عالية يستحق أن أطلق عليه تسمية نجيب محفوظ العراق، ولي في هذا الأمر وقفة طويلة".

أما الشاعر والناقد ستار زكم فجاء في ورقته ما نصه "نجح خضير فليح الزيدي في توظيف شخصية فرمان بشكل ممتاز ومختلف، بعد تلمس القارئ بأن هناك شبه انشطار في هذه الشخصية بين فرمان الروائي المعروف وفرمان الذي أعتبر إحدى شخصيات الزيدي، فتارة يشير الكاتب من خلال سرد أنا الكاتب كروائي وقامة سردية معروفة ومن جانب آخر يشير له من خلال المنولوج كشخصية من شخصيات الرواية، بل شخصية محورية في الاشتغال الفني، فأصبحت شخصية غائب تمتاز بحالة من حالات التجذر في مخيلة القارئ".

كانت للشاعر والناقد علي شبيب ورد ورقة نقدية أخرى جاء فيها "النص السردي بنات غائب طعمة فرمان هو نص قائم على مفهوم التناقض الإيجابي مع نصوص أخرى تكشف عن أمكنة متنوعة وأزمنة فائتة، ومجريات وتداعيات وشخوص واقع وروايات، وقد عملت مخيلة السرد على إعادة قراءتها وفق رؤية فاحصة منفتحة على احتمالات شتى لنصوص التدوين والتي وحدّها زمن كتابة النص الروائي الذي نحن بصدده، ونشير هنا إلى أن الزيدي وكما عهدناه يطرح أسئلة عميقة رؤيويا، وفاعلة في زعزعة البنى التقليدية للسرد، ومؤثرة في إجاباتها اتصاليا، كونها أنتجت ملامح تشويق جديدة".

وكانت لرئيس اتحاد الأدباء والكتاب في العراق الناقد علي الفواز رؤية خاصة قدمها في ختام الجلسة، حيث قال "تأخذنا رواية بنات غائب طعمة فرمان للروائي خضير فليح الزيدي إلى تقاطعات ثنائية التاريخ والسرد، حيث تتحول هذه الثنائية إلى لعبة سردية، تقوم على استدعاء فعل التخيّل بوصفه تمثيلا للسرد، وطردا للتاريخ، فينشغل الروائي بسردية هذا الطرد لصالح السرد، ويُعطي للغائب فاعلية سردية من خلال لعبة البحث عنه، ليُحرك الأحداث، أو يصطنع لها تحبيكا يتجوهر فيه الصراع حول ما يصنعه السرد من تخيّلات يستكنه من خلالها الروائي الصراعات المتشظية، على مستوى الصراع الوظيفي في كشف التحوّل الفارق في المدينة/ الجمهورية/ المكان، وفي الزمن النفسي، وعلى مستوى الصراع النفسي الذي تتجلى أعراضه من خلال معاناتها جرّاء البحث، أو جرّاء التحوّل".

وأكد الفواز "لعبة السرد في الرواية بدت وكأنها لعبة أقنعة، لها فاعليتها وظائفها في تعرية المسكوت والمخفي، وما يحدث في الواقع بعد عام 2006، فيتحول هذا الزمن إلى عتبة مفارقة تتمثل التغايرات التي تعيشها الشخصيات التي ابتكرها فرمان في رواياته، أو الشخصيات التي صنعها الزيدي كمعادل ضدي لما صنعه فرمان، فهي شخصيات مشوهة، وضالة، تعيش التحول بوصفه هروبا إلى التخيّل، كونها شخصيات من ورق كما يسميها رولان بارت، لكنها تعيش هواجس هذا التحوّل المُفارق من خلال ما يقترحه لها الروائي من أنساق ميتاسردية أو حكاية بوليسية، أو مغامرة عاطفية، أو بحث عن غائب عالق بالتاريخ وليس بالواقع".

بعد انتهاء طرح الأوراق النقدية فتح مقدم الجلسة الكاتب جمال الهاشمي باب المداخلات للجمهور والحضور وقد شارك فيها النقاد حمدي العطار وأمين الموسوي وعباس لطيف وحسين محمد شريف ويوسف جويعد.

وفي ختام الجلسة تم تكريم الروائي المحتفى به بشهادة تقديرية مقدمة من الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق قام بتقديمها الناقد الكبير شجاع العاني.