هزيمة النهضة هي انجاز الانتخابات التونسية

الانقلاب الشعبي على رموز السياسة المكرسة هو في حد ذاته حدث ديمقراطي فريد من نوعه على المستوى العربي.

نبيل القروي وقيس سعيد يمضيان إلى الرئاسة في تونس فيما يقف عبدالفتاح مورو خلفهما. ذلك حدث طيب له معان وطنية وإنسانية كثيرة.

هزيمة حركة النهضة من خلال ممثلها مورو يمكن النظر إليها باعتبارها إنجازا بالرغم من أن البعض صار يتحدث عن انتصار الشعبوية. فهل تنتسب حركة النهضة إلى ما يمكن أن يُسمى مجازا بـ"النخبة"؟

ليس هناك متسع من الوقت للنقاش حول ما لا جدوى فيه.

الانقلاب الشعبي على رموز السياسة المكرسة هو في حد ذاته حدث ديمقراطي فريد من نوعه على المستوى العربي. لا لأنه يشير إلى نزاهة في العملية الانتخابية. ذلك مؤكد. بل لأنه يشير إلى نزاهة العقل التونسي الذي قرر أن يضع إرادة التغيير الكامل وليس الجزئي فوق كل اعتبار. وهو ما أغرق اسطول "الحكم" بكل أجزائه القديمة والجديدة في سيل من المفاجآت غير المتوقعة بل والصادمة.

الأكثر تجسيدا لذلك التحول النادر ما جرى لحركة النهضة التي كان زعيمها إلى وقت قريب يستعد للاستيلاء على قصر قرطاج ممهدا الطريق إلى أغلبية برلمانية يستطيع من خلالها أن يستعيد هيمنته على القرار السياسي.

مع الهزيمة التي منيت بها حركة النهضة فشلت الشعبوية الدينية.

انجاز يحسب للشعب التونسي من جهة دلالته على تطور الوعي والشعور بالمسؤولية لدى التونسيين، بعيدا عن العاطفة الدينية التي كانت "النهضة" تراهن عليها، كونها مفتاحا سحريا لن يتمكن الآخرون من الوصول إليه واستعماله.

كان هناك شعور بأن حركة النهضة تملك اللغة البدائية التي تمكنها من التسلل إلى القلوب قبل العقول. وفي ذلك ما يُخيف فعلا. فحين يكون المرء سجين مشاعره الدينية يخضع تلقائيا لإملاءات لا يشعر بالحاجة إلى تفسيرها وتفكيكها عقليا. وهو ما كانت حركة النهضة على يقين من قدرتها على استعماله في اللحظات الحرجة.نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التونسية

غير أن نتائج الانتخابات اثبتت فشل الحدس الديني.

لقد وضع التونسيون وجلهم من الشباب مصلحة تونس الوطنية في اعتبارهم وهم يدلون بأصواتهم مفضلين أن يراهنوا على القادمين من خارج مؤسسة الحكم رافضين الخضوع للأوهام النظرية التي تجيد الأحزاب تحويلها إلى منطلقات نظرية، يقيم الخواء بين سطورها.

فشلت حركة النهضة لأنها جزء من مؤسسة الحكم البالية ولم يشفع لها أنها كانت قد حُجمت في السنوات الأخيرة بسبب وجود الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.

لقد تركت "النهضة" بصماتها واضحة على التاريخ التونسي الحديث. وهي بصمات لن تمحوها محاولات زعيمها لتمثيل دور الزعيم الوطني الذي يقود حزبا يمتلك رؤية وطنية ومشروعا للبناء الدنيوي.

بصمات "النهضة" تشير إلى العنف والقسر والتمييز والتفرد في الحكم وعدم الالتفات إلى المواطنين إلا باعتبارهم رعايا لدولة الإخوان التي يحلمون بقيامها. وليس من الصعب العثور على الوثائق التي تدين حركة النهضة بتبني الإرهاب باعتباره وسيلة لتحقيق حلمهم في السيطرة على المجتمع.

في حقيقة الأمر فإن التونسيين هزموا عن طريق الديمقراطية واحدة من أكبر حركات الإسلام السياسي وهم في ذلك انما أسدوا خدمة عظيمة للإنسانية. هناك معنى رمزي لما فعلوه سيكون على العالم الحر أن يقف عنده.

ذلك المعنى يمكن تلخيصه في فشل الإسلام السياسي في الاختبار الديمقراطي.

لن يندم التونسيون على ما فعلوه حين وضعوا حركة النهضة في سياقها السياسي الصحيح الذي هو واجهة لبرنامجها الاجتماعي والثقافي الغريب عن البيئة الاجتماعية والثقافية التونسية التي تأسست في مرحلة ما بعد الاستقلال. فهي بيئة مدنية منفتحة، تقيس خطواتها في سياق انتمائها إلى العصر.

ربما يختلف التونسيون في ما بينهم حول شخصيتي القروي وسعيد في الانتخابات المقبلة غير أنهم لن يكونوا مضطرين للشعور بالقلق على مستقبلهم. ذلك لأنهم أخرجوا مورو من السباق الرئاسي.