هل من دور للعلوم الإنسانية والاجتماعية في الذكاء الاصطناعي؟

الحديث عن ثورة في الذكاء الاصطناعي يستثير نقاشا لا يقل أهمية بعلاقة الإنسان بالآلة الذكية.

تعدّ العلوم الإنسانية والاجتماعية ضرورية للمساعدة في التصدي للتحديات الرئيسة التي يواجهها الذكاء الإصطناعي في عالم اليوم، فمن خلال التحليل الدقيق للمفاهيم، وفهم العوامل الثقافية والإجتماعية المؤثرة على الأفراد والمجتمعات، والتعبير عن القيم ووجهات النظر المختلفة، وإثراء التفكير النقدي، يمكن للعلوم الإنسانية والإجتماعية أن تلعب دوراً مهماً وأساسياً في بناء ذكاء إصطناعي مسؤول.

يتم حالياً تضمين الذكاء الإصطناعي والروبوتات في سياقات كثيرة ومتنوعة من مجتمعاتنا وفي حياتنا اليومية. ولكن ماذا يعني ذلك بالنسبة لنا، كأفراد ومجتمعات؟

تثير ثورة الذكاء الإصطناعي والروبوتات مجموعة من التحديات والتساؤلات المعقدة التي أشرت الى بعضها في كتابي بالإشتراك مع الكاتبة والباحثة صفات سلامة، بعنوان "تحديات عصر الروبوتات وأخلاقياته"، ضمن سلسلة "دراسات إستراتيجية" عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، هذه التحديات لا يمكن معالجتها إلا من خلال التعاون البحثي متعدد التخصصات الذي تلعب فيه خبرات الباحثين في العلوم الإنسانية والإجتماعية دوراً حاسماً. على سبيل المثال، من المرجح أن تؤدي الأتمتة إلى تغييرات إجتماعية وإقتصادية عميقة يمكن أن تؤثر سلباً أو إيجاباً على قيمنا الأخلاقية والثقافية، ما هي التحديات والآثار السياسية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية للأتمتة، وكيف يمكن فهمها والإستجابة لها؟ كما أن تعاملنا وتفاعلنا مع الروبوتات الاجتماعية، سيعمل على إعادة تكوين خبراتنا وتجاربنا الاجتماعية والأخلاقية بطرق جديدة، الأمر الذي يتطلب التطوير التكنولوجي المسؤول في الروبوتات الاجتماعية، وكيفية إستخدامها لتقديم فرص جديدة، مع الحفاظ على القيم الأخلاقية والإجتماعية والثقافية للأفراد والمجتمعات، ويعد ذلك مهمة جديدة للباحثين في العلوم الإنسانية والإجتماعية. كما أن البيانات الضخمة التي يعتمد عليها الذكاء الاصطناعي ويغذيها الإنسان، تتضمن تعقيدات إجتماعية، وعدم الإهتمام بها يمكن أن يديم ويزيد من التحيز والتمييز في تطبيق نظم الذكاء الإصطناعي، لهذا يعد كيفية التعامل مع التعقيدات الاجتماعية للبيانات، من المهام الأساسية للعلوم الإنسانية والاجتماعية. هذا بالإضافة الى الدور الذي ستلعبه العلوم الإنسانية والاجتماعية في تحديد القضايا القانونية والأخلاقية المرتبطة بتبني ونشر الذكاء الإصطناعي والروبوتات في المجتمع.

لهذا تحتاج العلوم الإنسانية والاجتماعية إلى لعب دور نشط في المجتمع، في إطار التحولات والتحديات التي تسببها ثورة الذكاء الإصطناعي والروبوتات، ولن يتم ذلك إلا من خلال فرص التمويل المناسبة لهذه العلوم.

يحتاج خبراء التكنولوجيا إلى الاستعداد للمشاركة والتواصل بشكل أكبر مع خبراء العلوم الإنسانية والإجتماعية، للحصول على معلومات وخبرات ورؤى أفضل قبل إطلاق تكنولوجياتهم إلى العالم، حتى لا تتسبب أنظمة الذكاء الإصطناعي التي يبنونها في تعزيز وتفاقم المشاكل الاجتماعية، والكثير من الجدل.

تحديات وأخلاقيات الذكاء الإصطناعي، تتطلب ضرورة وجود تعاون أعمق وأشمل مع العلوم الإنسانية والاجتماعية، للتأكد من أن أدوات الذكاء الاصطناعي لا تسبب مشاكل أكثر مما تحل. كما أن تخصصات العلوم الإنسانية والاجتماعية تلعب دوراً رئيسياً في التفكير النقدي والإبداع، وتهيئة الأفراد والمجتمعات لمواجهة عالم متغير، حيث تعطي السياق والفهم الأعمق للعالم من حولنا، وللمشاكل التي تطرحها التكنولوجيا.

ولهذا بدأت شركات التكنولوجيا العالمية ومجلس أخلاقيات الذكاء الإصطناعي بالدول المتقدمة في الإستعانة بخبراء العلوم الإنسانية والإجتماعية، لإطلاق العنان للإمكانات الهائلة لتطوير وإدارة حلول الذكاء الاصطناعي، فهل نحن فاعلون؟ ذلك ما نأمله.