هل يستثمر العرب في بحوث مخاطر الذكاء الاصطناعي؟

علينا أن نتخيل مدى الضرر الذي قد يلحق بالمجتمع إذا تم بناء أو استخدام ذكاء اصطناعي بطريقة غير صحيحة أو غير مسؤولة.

الإستثمارات العالمية والمنافسات المحمومة للإستفادة من فرص ووعود مجال الذكاء الإصطناعي جارية على قدم وساق، ولكن السؤال الأهم الذي يفرض نفسه هو: هل هناك إستثمارات مماثلة تتعلق ببحوث مخاطر الذكاء الإصطناعي، وبخاصة في عالمنا العربي، للدفع قدماً نحو الإستفادة بهذا المجال الواعد؟

التطورات في تكنولوجيا الذكاء الإصطناعي سيكون لها القدرة على التأثير في كل جانب من جوانب حياتنا الحديثة تقريباً، إلا أن ذلك لا يخلو من مخاطر وتحديات، فمثلاً التطورات في تكنولوجيا الذكاء الإصطناعي التي تعمل على أتمتة العمل قد تؤدى إلى القضاء على سبل العيش، كما أن الخوارزميات المدربة على البيانات قد تؤدي إلى إدامة أو تفاقم التحيزات وعدم المساواة مثل التمييز القائم على الجنس أو العرق، كما أن أنظمة الذكاء الإصطناعي التي تتطلب ضرورة توافر كميات كبيرة من البيانات الشخصية، كما هو الحال في الرعاية الصحية، بدون تخطيط دقيق قد تقوض الخصوصية، على سبيل المثال، شركة "ديب مايند" البريطانية للذكاء الإصطناعي، المملوكة الآن لشركة غوغل، واجهت صعوبات في عام 2016 بسبب جدل عام كبير حول ترتيبات تبادل البيانات مع هيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا. وعموماً علينا أن نتخيل مدى الضرر الذي قد يلحق بالمجتمع إذا تم بناء أو إستخدام ذكاء إصطناعي بطريقة غير صحيحة أو غير مسؤولة.

لهذا بدأت الدول المتقدمة في إنشاء مراكز علمية متخصصة وتخصيص إستثمارات ضخمة، لدراسة التغير العلمي والتكنولوجي وتأثير ذلك في الحاضر والمستقبل، ومنها إعداد دراسات وتقارير جادة للتعرف على المخاطر المحتملة للذكاء الإصطناعي سواء على المدى القريب أو البعيد، من منظور إقتصادي وإجتماعي وثقافي، من خلال التركيز على خصوصية البيانات وكيفية إداراتها، وكذلك كيفية تجنب الآثار الضارة للذكاء الإصطناعي على القوى العاملة، ويتم الإستعانة في هذا الشأن بعلماء العلوم الإنسانية كعلم النفس والإجتماع، وذلك لتوجيه القرارات الحكومية المتعلقة بالذكاء الإصطناعي وضمان الإستفادة من الفرص التي توفرها هذه التكنولوجيا، وبالتالي تعزيز الثقة في مجال الذكاء الإصطناعي.

الإستثمار مبكراً في بحوث مخاطر الذكاء الإصطناعي أصبح ضرورة حتمية جنباً الى جنب مع الإستثمار في الفرص والوعود، وذلك لتجنب المخاطر والتحديات المحتملة للذكاء الإصطناعي التي بدأت تلوح في الأفق والتي سبق وحذر منها العديد من العلماء والأكاديميين المتخصصصين في مجال الذكاء الإصطناعي والعلوم الإنسانية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن دولة الإمارات كانت كعادتها دائماً سبّاقة في استشراف المستقبل، وما فيه من فرص وتحديات، ومنها إدراك أهمية تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وإدارة مخاطرها وتحدياتها المحتملة، من خلال العديد من المبادرات الرائدة والإستثمارات الضخمة، كما كان "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية" كعادته دائما، سباقاً في نشر الكتب والدراسات والبحوث الإستشرافية الأصيلة، وسلسلة المؤتمرات والندوات وورش العمل التي عقدها، وناقش من خلالها قضايا على درجة عالية من الأهمية تناولت التحديات وفرص التغيير في القرن الحادي والعشرين، فعلى سبيل المثال، في عام 2014 أصدر المركز دراستي بالإشتراك (مع الكاتبة والباحثة صفات سلامة)، بعنوان "تحديات عصر الروبوتات وأخلاقياته"، ضمن سلسلة "دراسات إستراتيجية".

فهم المخاطر التي ينطوي عليها الذكاء الإصطناعي يعد جانباً أساسياً في أي إستراتيجية إستثمارية متعلقة بهذا المجال، فتركيز وتفكير المستثمرين في المخاطر المحتملة للذكاء الإصطناعي،سوف يسمح لهم بتقديم منتجاتهم بشكل أكثر موثوقية، وسيكون لديهم فرصة أفضل لتحقيق عوائد كبيرة وأرباح أكبر للمساهمين، كما يجب على المستثمرين دائمًا تنفيذ استراتيجيات إدارة المخاطر، وذلك لإدارة وبفعالية المخاطر المرتبطة باستثماراتهم.

أصبح هناك ضرورة عاجلة في عالمنا العربي،كإجراءات إستباقية للإستثمار في دراسات الآثار الإقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية والأخلاقية المرتبطة بالذكاء الإصطناعي، لإثراء ودعم قرارات الحكومات العربية وصنع السياسات، وتحقيق أقصى قدر من الفرص، وضمان التنفيذ الآمن والموثوق والمسؤول لتكنولوجيا الذكاء الإصطناعي على مدى العقود المقبلة.