هونغ كونغ والثورات الملونة

هل ستكون هونغ كونغ خاصرة الصين الرخوة للنفاد إلى داخلها.

ثمة مظاهر متسارعة تضج بها الصين حاليا، منها أوضاع داخلية كقضية هونغ كونغ، ومنها خارجية كتسعير الولايات المتحدة للحرب التجارية مع الصين. ولم تقف هذه التطورات عند هذا الحد لتفجر الإدارة الأميركية تهديدا بإدراج الصين على لائحة الدول المتلاعبة بعملاتها. ما يزيد من منسوب التوتر بين الطرفين وما يشي بافتعال أو تحريك أحداث من شأنها زعزعة الاستقرار الصيني الموصوف عالميا بخزان الصناعات العالمية الواعدة.

هذه الإشارات واضحة المعالم، ربما تضع الصين في مسارات سبق أن جُرِبت في مناطق متعددة في دول العالم، وعبرها قُلبت أنظمة حكم من الصعب تخيل تغيّرها بهذه السهولة مثال الثورات الملوّنة في أوكرانيا وجورجيا وغيرها، واليوم ما جرى خلال الشهر الماضي من حراك في هونغ كونغ يؤشر على أن الموضوع ليس عابرا أو واقعة احتجاجية معزولة عن سياقات محددة يمكن استثمارها واستغلالها داخليا وخارجيا. فاحتجاجات 23 يوليو/تموز الماضي التي أسميت "ثورة المظلات" هو تعبير رمزي حول جدلية الوضع الخاص لأغنى مدينة في الصين وثالث اكبر مدينة مالية على المستوى العالمي، وهي التي ظلت تحت الحكم البريطاني 155 عاما إلى أن وضعت تحت نظام إداري خاص في العام 1997 على أمل الحكم الذاتي في العام 2047، فهل تشكل هذه الاحتجاجات بداية حراك تغييري ضاغط في الصين حاليا؟

عاصفة التغييرات التي هبت نهاية ثمانينات القرن الماضي التي أسقطت المنظومة الاشتراكية وما تلاها بعد عقد ونيف من الزمن من ثورات ملونة، ربما كانت مستبعدة عن الوضع الصيني أولا لتنبه الحزب الشيوعي لمخاطر السياسات التقليدية التي كانت متبعة واستدارته نحو نظام هجين جمع بين أسس الرأسمالية والاشتراكية معا، وثانيا ما أشيع من أن أي تغييرات في الصين وتفكك النظام، سوف يهزّ العالم لعدم القدرة على ضبط الكم الهائل من البشر في حال فلتت الأمور من عقالها. حاليا ترتكز الصين على ثاني اقتصاد عالمي مؤثر في الوجهات المالية والتجارية الدولية، وهي منافس حقيقي لواشنطن وتخوض معها مواجهات سياسية واقتصادية وتجارية هائلة في موضع الانطلاق نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب بعد الأحادية السائدة، في وقت لم يعد سرا مجاهرة واشنطن بخوفها من بكين واعتبارها خطرا حقيقيا أكثر جدية من التخوّف من موسكو، وهو ما يشكل واقعا ملموسا عبر سياسات الإدارة الأميركية الحادة والمواجهة للصين حاليا.

إن التمدد الصيني في كل من آسيا وإفريقيا وحتى دول أميركا الوسطى واللاتينية وحضورها التجاري الوازن في غير مكان من العالم، يجعلها في مصاف الاستهداف الخارجي الجدي، وبالتالي إمكانية استغلال أي ظاهرة داخلية للبناء عليها في عمليات التوتير وصولا إلى التضعيف إن لم يكن التغيير.

إن خلفية ما جرى في هونغ كونغ هو حراك لدفاع عن مصالح يعتبرها سكان المقاطعة الموعودة باستقلال ذاتي لاحقا، من الأسس المشكِلة لنظام اجتماعي اقتصادي يشكل نزعة قوية لإمكانية الاستمرار فيه في حال المسِّ بهذه المصالح والوعود، وما جرى هو تعبير رمزي عن محددات السلوك الجمعي لمجتمع تعوَّد على الرفاهية والريادة الاقتصادية والمالية على المستويين الصيني والعالمي، وعلى الرغم من تراجع السلطات الصينية عن تنفيذ قانون المطلوبين، ظهر الحراك في هونغ كونغ على انه جزء من احتجاج يمكن أن يتوسّع على قاعدة التدخل في إبعاد بعض الرموز عن الانتخابات المحلية التي تثير توجّس السلطات الصينية.

الشائع أن الأغنياء عادة لا ينزلون إلى الشوارع إلا إذا شعرت هذه الفئة بخطر حقيقي على مصالحها، وفي حالة هونغ كونغ لا زالت تعتقد في موروثها الجمعي أن الغرب لن يتخلى عنها، فيما بكين في الواقع تشعر ببعض نشوة النصر في التمدد الدولي القائم، فهل ستكون هونغ كونغ خاصرة الصين الرخوة للنفاد إلى داخلها عبر سياسات الاحتواء الأميركية التي نفذتها قبلا في العديد من الثورات الملونة؟ هو أمر مرتبط في العديد من العوامل والعناصر التي بدأت بالتشكل.