واقع قمة العشرين ووعودها المنتظرة

ظاهر الأزمات في العالم سياسي، لكنها في عمقها مشاكل بنيوية اقتصادية وتجارية ومالية.

تبدأ اليوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني قمة العشرين اجتماعاتها وسط أجواء دولية متوترة، ظاهرها أزمات سياسية وباطنها أزمات بنيوية اقتصادية وتجارية ومالية. وبين تلك الأزمات، ثمة مجموعة لا تحصى من التباينات في الرؤى والأهداف والغايات التي يحاول قادتها التوفيق بينها، والوصول إلى حد أدنى من الاتفاق على التزامات تبدو ملحة في الظروف الدولية الحالية.

وفي تتبع سريع لمجريات قممها السابقة وما نتج عنها، وبخاصة القمتين السابقتين في تركيا وما قبلها في الصين، يلاحظ عدم التمكن من تنفيذ الحد المعقول من الـ 113 التزاما التي أخذت القمم المتتالية على عاتقها البدء في تنفيذها، وهي بمعظمها تدور في فلك مصالح الدول الغنية وتخدم البيئة التي تحفّز وتراكم إنتاجها. فأين المشكلة وهل ثمة أفق للحلول المجدية؟

في المبدأ تعتبر اجتماعات قمة العشرين بمثابة منتدى مالي واقتصادي لمجموعة أنشئت على هامش قمة مجموعة الثمانية في 25 سبتمبر/ايلول 1999 في واشنطن، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي ممثلا برئيس البرلمان الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي، والهدف منها تعزيز الاستقرار المالي الدولي وإيجاد فرص للحوار ما بين البلدان الصناعية والبلدان الناشئة، التي لم تتمكن اجتماعات وزراء المالية مع مجموعة السبعة من حلها.  كما تستضيف في اجتماعاتها كلا من المؤسسات الدولية، الرئيس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، ورئيس البنك الدولي، واللجنة النقدية والمالية الدولية ولجنة التنمية التابعة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وبالتالي تضم المجموعة 85% من مجموع الاقتصادات الدولية المؤثرة في العالم. ورغم هذا التحكّم الهائل، ليس ثمة آليات تنفيذية ملزمة لمجمل ما تبحثه وتقرره، وهذا ما ظهر في قممها منذ العام 1999.

علاوة على ذلك، تمثل هذه القمة تحدّيا من نوع آخر، ويتمثل بأنها القمة الأولى بعد رزمة الضرائب الجمركية التي رفعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على التبادلات التجارية لدول في المجموعة والتي تشكل تحدّيا قويا للعلاقات البينية من جهة والعلاقات التجارية مع دول العالم الأخرى. هي الاجراءات التي وصفها الكثير من المراقبين بأنها بداية حرب تجارية بدأها الرئيس الأميركي وبخاصة على بعض الدول الأوروبية والصين، والتي شكلت ضربة قاسمة لأسس التبادل التجاري الدولي وفي مقدمتها منظمة التجارة العالمية التي بدأت الإدارة الأميركية بالتفلت من الكثير من التزاماتها خلال السنتين الماضيتين، والتي كان لواشنطن في الأساس الدور الريادي في نشأتها وإدارة دفة عملها على الصعيد الدولي.

والأمر لا يقتصر على الجانبين المالي والاقتصادي، بل تعدى تراجع الالتزامات إلى جوانب أخرى، كموضوع البيئة والتي وقعت الولايات المتحدة على الاتفاقية الإطارية للمناخ قبل انعقاد قمة العشرين في الصين في العام 2016 إلا أنها ما لبثت أن تنصلت منها، علاوة على الوعود التي قدمت لمساعدة اللاجئين في السنتين الماضيتين، والتي مشى الرئيس الأميركي بخطوات معاكسة لها بل وضع أسس ضربها والتراجع عنها.

ثمة الكثير من التحديات التي تواجه القمة، وهي تحديات وازنة في العلاقات الاقتصادية والمالية الدولية، وهي من النوع التي تستلزم حلولا جذرية قبل فوات الأوان، فثمة تقارير ذات مصداقية عالية، تشي بان العالم يمر بأزمة اقتصادية دقيقة ومن المتوقع إن تنفجر في مطلع العام 2021، ما لم يتم تداركها بوسائل وأسس مغايرة عن التي سبقتها. إلا أن التجارب المعتادة لا تبشر بالخير، فالعالم لم ينس بعد أزمة النمور الاقتصادية الأسيوية في العام 1999 والتي كانت من احد أسبابها ظهور مجموعة العشرين في الساحة الدولية، وكذلك أزمة العام 2008 التي بدأت في الولايات المتحدة واجتاحت دول العلم قاطبة. اليوم ثمة قضايا دولية مزمنة ومتراكمة في غير اقليم من العالم، فهل ستسود لغة التعقل في اجتماع بوينس ايرس أم سيكون متمما للسياسات التي سبقتها؟ ثمة الكثير من الوقائع والمواقف غير المشجعة التي تلف أجواء القمة.