ورقات 'دفاعا عن الوطن العربي في سوريا'

أستاذ الكيمياء الفيزيائية بجامعة الإسكندرية محمد أشرف بيومي يرى في كتابه ان أول خطوة في أي اختراق شجاع ناجح للأزمة السورية هو تصحيح صورة ذهنية صنعها الإعلام القطري عن ثورة مزعومة ضد نظام وحشي وكون على اساسها قطاع كبيرا من الرأي العام العربي رأيه وموقفه.

يضم هذا الكتاب "دفاعا عن الوطن العربي في سوريا" عددا من المقالات التي دونها د.محمد أشرف بيومي أستاذ الكيمياء الفيزيائية بجامعة الإسكندرية، والمهتم بالقضايا الوطنية والعلمية والإنسانية، منذ بداية الأزمة السورية عام 2011، بالإضافة إلى البيانات التي شارك فيها لفيف من المثقفين العرب والتي استهدفت دحض المزاعم الأميركية والدفاع عن سوريا. حيث تتبع بيومي ما واجهته سوريا على مدار السنوات الماضية والمواقف العربية والعالمية وما جرى في كل من العراق وليبيا، مؤكدا أن آلة الإمبريالية الإعلامية انبرت منذ ذلك التاريخ لتشويه الأحداث وشيطنة الرئيس السوري والمطالبة بتنحيته وتصويره قاتلا لشعبه، كما وصفت في السابق جمال عبد الناصر بـ "هتلر النيل"، وللأسف وقع العديد من المثقفين العرب في فخ الإعلام الإمبريالي بحجة الدفاع عن الديمقراطية.

ويضيف بيومي في كتابه الصادر عن دار سنابل "لم يكف الإعلام وتابعيه من الرجعيين العرب بالتمويل الهائل تحت زعم أن ما يدور في سوريا هو ثورة من أجل الحرية كجزء من تيار ديمقراطي عارم أطلقت عليه الدوائر الغربية بـ "الربيع العربي". كان عدد من المثقفين المصريين واعيا لأهداف قوى الهيمنة الكونية المتحالفة مع الرجعية العربية والكيان الصهيوني وأدركوا منذ ما سمي بالربيع العربي استهدف إعادة إنتاج منظومة كامب ديفيد وفي نفس الوقت، أراد القضاء على النظام السوري باعتباره عقبة أخيرة أمام سيادة المشروع الصهيوني/ الإمبريالي".

ويتابع "اصطف نفر من المثقفين المصريين الواعين بدروس تاريخ مصر مع الدولة السورية في مواجهة العدوان أذكر منهم عادل الجوجري الذي أصابته سكتة دماغية وهو يدافع عن سوريا بحماس على شاشات التليفزيون، والمرحوم د.محمد إبراهيم منصور الأستاذ بجامعة أسيوط الذي كتب مقالا بعنوان "عارنا في سوريا" استصرخ فيه ضمير الأمة من أجل الدفاع عن سوريا التي ظل تاريخها في الخددق الأمامي لحروب العرب، والأستاذ عبد العظيم المغربي باتحاد المحامين العرب، والصحفي أسامة الدليل ود.رفعت سيد أحمد وغيرهم.

يعتمد بيومي في الكتاب منهج المعالجة الشاملة التي تبحث في جوهر الصراع المحتدم في الأمة العربية وعلاقته بالصراعات الدولية مؤكدا أن تحديد جوهر الصراع وطبيعة المرحلة الحالية يحتل أهمية مركزية، فالناس لا يستطيعون أن يكونوا فاعلين ومؤثرينفي حركة التاريخ إلا إذا فهموا جيدا واقعهم، وطبيعة اللحظة التاريخية التي هم فيها وآفاقها وممكناتها، وعملوا ضمن مساراتها الموضوعية واتجاهاتها المضمرة وآلياتها المتوفرة، بخلاف ذلك فهم يتركون أنفسهم نهبا لرياح التاريخ العاصفة لتلعب بهم كيفما اتفق وتجرفهم في فوضى احتمالاتها.

ويتساءل: لماذا تعادي أميركا والكيان الصهيوني والرجعية العربية سوريا؟ ويقول "كما هو الحال بالنسبة إلى مناطق متعددة من العالم، يهدف المشروع الإمبريالي إلى فرض الهيمنة على الأمة العربية واستغلالها اقتصاديا وتسخير طاقاتها البشرية لحسابه. وما ينتج عن ذلك بالضرورة من تعميق لهوة التخلف والتدهور والتشرزم، يتحقق هذا الهدف عبر العلاقات البنيوية للإمبريالية التي تخلق عقبات أمام أي مشروع تنمية مستقل أو شبه مستقل، ثم إجهاضه ووئده.. هكذا يمنع المشروع الأمريكي أي محاولة جادة من أجل وحدة عربية شاملة أو جزئية، وكما نتج عن الاستعمار من قبل، يمضي الآن المشروع الإمبريالي ورديفه الصهيوني في تفتيت الأمة العربية ودفعها نحو خلافات تصل حد الحرب الأهلية، والزج بها نحو قضايا جانبية أو وهمية والسعي إلى هزيمة الإرادة العربية وطمس الذاكرة الوطنية ومحوها، بل وتشويهها وترسيخ مفاهيم انهزامية وتعميق الشعور لدى الشعوب العربية ومثقفيها بأن القومية العربية قد هزمت وانتهت.

ويرى بيومي أن الإدارة الأميركية بدعم من الكيان الصهيوني العنصري ومن دول الرجعية العربية إلى استكمال مشاريعها تحت المسميات المختلفة من مشروع الشرق الأوسط الكبير والجديد ومشروع بوش الصغير وغيرها وفرضها على الدول العربية بحجة نشر الديمقراطية واستئصال بذور الارهاب وإخراج العالم العربي من التخلف.

ويؤكد أن النهج الإمبريالي دأب على حصار أي نظام وطني عربي واستغلال بعض أخطائه، وفي التوقيت المناسب حصاره وإدانته ثم إزاحته. في نفس الوقت عملت قوى الهيمنة على مساعدة الأنظمة العربية التي تنتهج سياسة خارجية قوامها الرضوخ والتبعية لها في كافة المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والإعلامية رفم تناقض هذه السياسات مع آمال الشعوب العربية وطموحاتها. وعلى الصعيد الاقتصادي الاجتماعي فقد عملت قوى الهيمنة اليوروأميركية حثيثا على خلق طبقة رأسمالية  تابعة موالية للعولمة الإمبريالية ومتناسقة مع أهدافها المستندة إلى تقسيم العمل دوليا وضمان تراكم رأس المال لمصلحة الرأسمالية العالمية. ومن البديهي أن سياسة الهيمنة لا تتوقف إلا عندما تكون هناك مقاومة فعالة تكبد القوى المهيمنة خسائر كبيرة والتاريخ يؤكد على أن الاستبداد والقهر والافقار والاستعمار يواجه مقاومة وأن المقاومة الجادة رغم الصعوبات الهائلة تؤدي إلى الانتصار.

ويشير بيومي إلى أن أول خطوة في أي اختراق شجاع ناجح للأزمة السورية هو أن نعيد تصحيح الصورة الذهنية التي صنعها الإعلام للأزمة السورية، حيث أن قطاعا كبيرا من الرأي العام العربي كون رأيه وموقفه من الأزمة السورية عن طريق الإعلام القطري والبث المتحيز لقناة الجزيرة والصور المفبركة عن ثورة سورية مزعومة ضد نظام وحشي غير ديمقراطي يفتك بشعبه. وهي صور نمطية أعيد إنتاجها في أزمات عربية أخرى واستخدام بعضها في الطعن في دور الجيش المصري في ثورة 30 يونيو (لقد انطلقت الشرارة الأولى للثورة السورية ـ سابقة الصنع ـ في غرفة باستديوهات قناة الجزيرة في الدوحة). هل تركيا والنظام القطري ونظم أخرى تغرس نصالها في اللحم السوري أكثر ديمقراطية واحتراما لحقوق الإنسان من النظام السوري حتى تبكي على الديمقراطية المذبوحة وحقوق الإنسان المعتدي عليها في سوريا، أم أنها حروب بالوكالة ضد نظام مطلوب رأسه أمريكيا وإسرائيليا؟! أليس النظام والجيش السوريان اللذان يقاتلان معركة غير متكافئة ضد مرتزقة إرهابيين قدموا من 81 دولة يدافع عن الهدف نفسه الذي خرج من أجله الشعب والجيش المصريان في 30 يونيو وهو حماية الدولة الوطنية والدفاع عنها ضد التقسيم والتفتيت وتغيير خريطة المنطقة؟!.

ويشدد "أوليس هذا الهدف كافيا بذاته لأن تتحرك مصر بعد أن تخلصت من ترهل نظام مبارك وأدران نظام الإخوان، لاتخاذ المبادرة الأولى لانقاذ سوريا، بكل ما لسوريا من ثقل خاص في الضمير القومي للمصريين، وتخليصها من مؤامرة تطوق المنطقة وتكاد تعصف بها، وترتد بها إلى عصور الاقتتال القبلي والطائفي والمذهبي.

ويلفت بيومي إلى العثمانية الجديدة قائلا "يجب ألا ننسى أبدا أن تركيا التي أدت دورا محوريا في العدوان على سوريا هي عضو في حلف الناتو بالإضافة إلى تحالفها ودعمها للإخوان المسلمين، وهي نفسها التي نقلت الآلاف من المرتزقة من سوريا إلى ليبيا مما شكل تهديدا للأمن القومي المصري".