وعاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض

الانحدار إلى التصويت لصالح ترامب يعني الاستسلام لأحط دوافع المرء، التي يخفيها وراء اعتبارات كثيرة، من أهمها أسبقية الاقتصاد على كل شيء.

إن رؤية دونالد ترامب يعود إلى البيت الأبيض هي بمثابة أكثر الكوابيس رعبا. تبدو وكأنها نكتة سيئة، واحدة من نزوات القدر التي تجعلك تتساءل عما إذا كان من الأفضل أن تضحك أم تبكي؟ كيف يمكن لشخصية متعجرفة مثل ترامب، وخالية من كل جوهر ذي قيمة، أن تقود مرة أخرى القوة الأولى الرائدة عالميا؟ هو لغز يغرق العقل في هاوية الحيرة!

في البداية، ظننت أنني أحاول تفسير ما لا يمكن تفسيره، ولكن بعد محاولات كثيرة لفهم سبب عودته إلى سدة الحكم انتهى بي الأمر إلى إيجاد السبب الأكثر وضوحا: الغباء الذي لا يمكن تصوره للناخب الترامبي. أعلم أنه ليس من المناسب مهاجمة الملايين من الأفراد بهذه الطريقة، ولكن علينا مواجهة الحقيقة والاعتراف بها وقبولها رغم بشاعتها. إن غباء الناخب هو ما يضفي الشرعية على سلوك ترامب الذي يتعارض مع أدنى قواعد اللياقة الأساسية.

في كثير من الأحيان، حرصا على عدم الإساءة إلى المشاعر، نقلل من دور الغباء في حوادث التاريخ الكبرى. لا نحمل الشعوب مسؤولية أخطائها، وإنما نبرئها منها، كما لو أنها كانت مجرد ضحية للظروف. نعتبر جهلها كفارة لجرائمها: لم تكن تمتلك المعرفة الكافية -هذا ما أسمعه هنا وهناك- ولأنها ساذجة خدعتها الخطب الشعبوية.

ومع ذلك، فإن الغباء في هذه الحالة ليس سوى ترجمة للشر. يسير الاثنان جنبا إلى جنب، ويشكلان ثنائيا لا يقهر، يؤسس لأكبر الأعمال التراجيدية في تاريخ البشرية. إن ما ندعوه -في مثل هذه المواقف- جهلا، ليس سوى فرط شهية لكل ما يهين ويدمر ويحط ويقسم، إنه الصهارة الجهنمية التي تزدهر فيها الشعبوية والقومية في أسوأ تجلياتها ومعانيها.

يجسد ترامب الخواء الفكري لناخبيه، مرآتهم الأكثر إخلاصا، والانعكاس الدقيق لغبائهم المرتبط بأبشع الشرور. إن خطابات ترامب عبارة عن سيل من الإهانات، والأكاذيب، والإيذاء الفاحش، والدعوات إلى الكراهية التي -منطقيا- لا ينبغي إلا أن تثير الرفض والاشمئزاز، أو في أسوأ الأحوال، اللامبالاة.

ومع ذلك، فإن العكس هو ما يحدث! كلما انحدر ترامب إلى العنف اللفظي، كلما تلقى المزيد من التقدير! إن الانبهار بالشر ليس له حدود، فهو يستجيب لحاجة متأصلة في أعماق النفس، لعدم الرضا عن الفشل في تحقيق الذات الذي يجعل الأشخاص المعتدلين ظاهريا يتحمسون للخطابات التي يُعزى سبب فشلهم فيها إلى اعتبارات خارجية، للأعداء الوهميين، مثل الدولة العميقة أو العمال غير القانونيين الفقراء. باختصار، هناك الكثير من الأوهام المريحة القادرة على التحدث إلى الجانب المظلم في الناس.

كما كان الحال في الماضي مع النازية، ولكن بقدر أقل، هذا ما نشهده في أميركا، هذا التدفق الهائل من الكراهية التي تلحم جزءا كبيرا من الشعب. لا أقوى من الكراهية! إنها تمجيد للأفكار السوداء الخفية التي تظهر تحت تأثيرها في وضح النهار: الأوهام التآمرية، الانتقام من المهاجرين، الدعوات إلى إراقة الدماء، العنف، كلها وقود يسمح للجميع بالابتهاج والشعور برد الاعتبار.

من المؤكد أن كامالا هاريس لا تخلو من العيوب، لكن لا شيء منها يمكن أن يبرر التصويت لصالح خصمها الجمهوري. إن الانحدار إلى التصويت لصالح ترامب يعني الاستسلام لأحط دوافع المرء، التي يخفيها وراء اعتبارات كثيرة، من أهمها أسبقية الاقتصاد على كل شيء. الاقتصاد، هذه هي الكلمة السحرية! عندما لا يجدون ما يقولون، وعندما يحاولون تفسير سبب تصويتهم لترامب بلا تردد، فإنهم يتخذون من الاقتصاد ذريعة، السبب الأكبر لكل إحباطاتهم.

إن الاقتصاد هو دائما السبب المستخدم لإضفاء الشرعية على التصويت الشعبوي. إنه ذلك المفهوم الشامل حيث يمكن للجميع إبراز أنفسهم والحلم بمستقبل أفضل مع إخفاء أوجه القصور لديهم.

باسم الاقتصاد يمكنهم أن يغفروا لترامب كل شيء: قناعاته القانونية، تصريحاته التحريضية، غرابة أطواره، عنفه، كرهه للنساء، عنصريته، جنون العظمة، سلوكه الإجرامي، نباحه، وكل شيء، كل شيء.

إن لم تعنِ إعادة انتخاب ترامب قرب موت الحضارة الأميركية، فهي على الأقل دليل فشلها الواضح.

الاستنتاج الذي يمكننا الوصول إليه من انتصار شخص تافه مثل دونالد ترامب، هو أن المجتمع الأميركي سمح للكراهية الخارجة عن السيطرة بالازدهار في وسطه. كراهية أصبحت جوهر الكابوس الأميركي.