"يا زهرة في خيالي" ولعبة المرايا

رواية سعاد الفقي بوصرصار تتكون من قصة إطاریة تدور في مصحة بسویسرا وقصص فرعية یطغی علیها السرد الذاتي والتذکر.
كانت کفراشة تهوی لهب مصطنع کلما اقتربت منه شعرت بغیبوبة
المؤلفة اشتغلت علی لعبة المرایا في شخصياتها النسائية

یحمل عنوان الرواية عنوان قصیدة تغنّى بها الموسیقار الحزین فرید الاطرش. وقسمت الروایة من خلال مقاطع الأغنية دون أن تكون مرتبة تماما مع حذف بعض العبارات وهي أذبلتها الأيادي، للزهور في الغصون. فالبیت قبل القطع یقول فیه الشاعر ”أنا طیر في ربی الفن یغني للزهور في الغصون“. وفي سطر آخر یقول ”فغنيت فداویت جروحي“. في حین أن المؤلفة تقول فغنيت فلم أداو جروحي. 
ولعل حجب هذه العبارات وجزم الفعل ونفيه في موضع آخر للحديث عن جرح الأنثى التي يراها الرجل من خلال سحر جمالها في سن غض، وحین يبدأ جسدها في التحول وتغزو  التجاعيد وجهها ينصرف عنها فیسبب لها جرحا. کما ندرك أن المرأة تشبه بالوردة أو الزهرة حین تبعث الجمال والبهجة فتعجب الرجل ليغني علی أغصانها ويداوي جروحها، ففي جمالها وعطرها بلسم. بل ندرك أن المرأة کانت مصدر خصوبة والجمال علی غرار عشتار فینوس، افرودیت، وقد زینت رموزها علی جدران المعابد وأبهجت الحدائق ونثرت عطرها الأنثوي. ولكن المرأة تغزوها هواجس الخوف والقلق کلما تستشعر أن جمالها الخارجي هو ما جذب الرجل وفي تغييرها يهملها ويسلط علیها العنف والسخرية ويتحول إلى کائن معاد.
لعبة المرايا
اشتغلت المؤلفة علی لعبة المرایا في شخصياتها النسائية کنزة ومریم وفطیمة إذ حددن صورتهن المرغوبة من خلال إعجاب الرجل للمرأة أو عشقه لها وشغفه بها وبصورتها الخارجیة خاصة، فالرجل هو المرأة العاکسة والمحددة.

الرواية تعرض ما تعانیه المرأة المتعلمة من معاناة في مجتمع یعیش رواسب الذکورة وتشبثها بالقیم العائلية والعاطفیة

ولكن تبرز هشاشة الذات حین تنسحب وتترك للرجل فرصة استعبادها تحت تأثیر الانجذاب الصارخ. فكنزة عادت عائلتها، وتزوجت رغما عنهم ثم ترکت مهنتها استجابة لما طلبه منا. ثم بدأت تستشعر الفراغ العاطفي وإهمال زوجها کلما حقق طموحه السياسي وتفككت العائلة، وعدم السیطرة علی تصرفات أبنائها وزوجها فقد علقت مشاعرها وأفكارها وجسدها علیه. أما مریم من تونس فقد استجابت لإغواء أستاذها لأنوثتها في سن صغيرة وتزوجت مواصلة دراستها وامتلأت فخرا وزهوا لأنه اختارها وهو الوسيم الثري، ثم تشعر أنه صار یتجنبها ویهملها کلما زاد زنها وهو الذي القد المياس والصبا والجمال. ما سبب انهيار الشخصیة لیس سیطرة أمه ولا إنجاب طفلة مشوهة وموتها بل زهد الزوج وإهماله مما خلق تصدعات عجز ترمیمها أدت إلی الانهیار. أما فطیمة فقد ترکت حبیبها وفشلت في دراستها لأنها نالت رضی ابن خالتها القادم من أميركا رمز الحضارة والتقدم والرقي لتكتشف أنه فظ وعدائي وشبق نقل لها عدوی الإیدز. فكانت کفراشة تهوی لهب مصطنع کلما اقتربت منه شعرت بغیبوبة.
المرايا تقنية علاجية

"ما هذا الولع؟ حيثما نظرت طاردتني صورتي".
في المصحة یقع تغییر زوايا النظر عوض أن یکون الرجل هو المرآة العاکسة تحاصرها صورتها الذاتیة. عوض أن تری العالم الخارجي مؤذيا متوترا فهي تری ستار النافذة لتتأمل جمال الطبیعة والعمارة، الهدوء والجمال والاسترخاء العطر الخفيف. وتتغير وجهة النظر بعد المكاشفات النفسیة لهذه الشخصیات والتخفف من أعباء الحکایات.
هل هناك خلل في الذات؟ أليست المرایا جديرة بالنظر إلى أخطائنا الداخلیة عوض إسقاطها على الآخر؟ لماذا ننتظر من الآخر احتواء الذات تلبية رغباتها؟ هل یمکننا التحرر منه. لذلك تفاوتت حالات العلاج، فقد تحررت فطیمة من الرٶیة القدرية وعملت علی تدلیل نفسها والعودة للدراسة ومواصلة العلاج. وتجاوزت مریم مثالیتها المطلقة والترفع عن صغائر الأمور، بینما استشعرت کنزة أخطاء رهن نفسها الذي جوبه بالاحتقار والتعالي والإهمال. إلا أن التعلق المرضی بالزوج جعل علاجها يتواصل.
دلالات الأمكنة في الرواية

للأمكنة دلالات نفسية واجتماعية الجامعة للعلم والسیاسة والبیت الصغیر مکان للعاطفة وکلما کبر البیت صار معادیا یتسع للفراغ العاطفي. الزقاق والبیت المتواضع والبیت البسیط ینمو فیه الحب والبیت الكبير بیت المادة، المکان القدیم البسیط المتواضع هو الذي یوفر الهدوء لذلك تعود فطیمة شوارع فاس وأزقتها تستنطق الماضي وتستحضر اللحظات الحلوة. عبر الأرصفة والشجر والروائح تکون لها مواساة وحنين للذکریات.
وبذلك انقسمت الأمكنة البسیط المریحة الأمومیة تسیج الذات وتحمیها وإلی موترة معادیة فهي أمكنة الکراهیة والصراع والکوابیس. 

novel
النفوس تتمسك بالحیاة

التصوير التعبيري

دمجت الكاتبة في استنطاق الذات بین لعبة المرايا وبین التصوير التعبيري متجاوزة الوصف إلى التعبير عن الذات من خلال الرسم وتصوير الأشکال والصور والملامح ودمجها بألوان النفس وارتسامات الذهن، فالسماء تکاد تلامس الأشجار العملاقة العارية کأنها كائنات غریبة تمد أکفها للسماء وتبكي دموعا مدرارة وعيون زائغة ونظرات ساهمة بلا بريق أو معنی. الجو العام يوحي بالشيخوخة والعجز والمرض، الصور السوداء من خلال مواقف تعنيف المرأة والسخرية منها أکثرها تأثيرا فاطمة من طرف زوجها لإسقاط الجنين. والتعبير عن إشراقات الأمل رغم التضاد في الصور والألوان. شاخت الأجسام أما النفوس فشابة تتمسك بالحیاة. المطر رذاذ يغسل الواجهات البلورية وتتفاعل قطرات الماء مع الأضواء. في الخارج یسیطر اللون الرمادي واللون الأبيض للماء وفي الداخل الأضواء.
تتكون روایة "یا زهرة في خیالي" من قصة إطاریة تدور في مصحة بسویسرا وقصص فرعية یطغی علیها السرد الذاتي والتذکر والمكاشفات النفسیة تدور في بلدان مغاربیة وهي تونس والجزائر والمغرب. تدور أحداثها في زمن الواقع بكوابيسه والحلم بشذرات أملها. تقوم علی فكرة کلیة تنسحب ..علی کل شخصیات الروایة، وهي ما تعانیه المرأة المتعلمة من معاناة في مجتمع یعیش رواسب الذکورة وتشبثها بالقیم العائلية والعاطفیة. للأمكنة نفس الدلالات تنسحب علی الشخصیات الأنثویة الباحثة عن الدفء العاطفي في الفضاءات البسیطة.