
'قصائد فان غوخ' للشاعر الإسباني خوسيه لويس مارين ارندا بالعربية
فرغت المترجمة التونسية الشابة سنية الشعيبي مؤخرا من ترجمة "قصائد فان غوخ" للشاعر الإسباني خوسيه لويس مارين ارندا إلى العربية، مراجعة الدكتور رضا مامي.
وفي هذا الديوان كتب خوسيه ستين قصيدة انطلاقا من 60 لوحة لفان غوخ.. بل أنه زار كل المتاحف التي توجد بها لوحات فان غوخ مثل متحف فان غوخ بامستردام ومتحف نيويورك للفنون. يحركه سر في لوحات فان غوخ.. فنجد في هذا الديوان عوالم خوسيه في أعمال فان غوخ وقصصا لونية مشتركة للمشاعر والطبيعة وانعكاس الذات المفتونة بقصص الألوان والتكوين.
تتمي صورة غلاف الديوان بكثافة اللون الأصفر وإحالته على لون النور في لوحات فان غوخ على غرار "شقائق النعمان"، "زهرة الخشخاش" و "النجوم" …
وقد اختار خوسيه أراندا عرض 21 لوحة من 60 لوحة في كتابه " قصائد فان غوخ".. وقد استمد عناوين القصائد من عناوين اللوحات، ومن خلال التعريفات الموجزة الخاصة بكل عمل، والرسوم التوضيحية للصور، يضمن خوسيه بعض المقاطع من رسائل فان غوخ إلى أخيه ثيو، وكذلك إلى أصدقائه. فهو لا يغوص في الألوان والأشكال فحسب بل يغوص في روحه ويبحث عن لغة بوحه، عن الأماكن المفتوحة، عن اللون الأخضر، ضمن تجربة الحلول الإبداعي في شخصية من القرن التاسع عشر.
من عناوين القصائد: آكلو البطاطس، جمجمة مع سيجارة مشتعلة، زوجا حذاء بالأربطة عتيقان، بورتريه ذاتي كرسام، شجرة الخوخ المزهرة "تذكار لموف"، البستان الأبيض، قوارب الصيد على شاطئ سانت ماري دو لا مير، الحصاد، مشهد بحري على مقربة من سانت ماري، زارع عند غروب الشمس، غروب الشمس في مونتماجور، المزارع، بورتريه باسيونس إسكالي، مفرغو السفن في آرل، المقهى الليلي، حديقة الشاعر، البيت الأصفر، ليلة مرصعة بالنجوم فوق نهر الرون، بورتريه للشاعر البلجيكي اوجين بوخ، شرفة مقهى ليلا (ساحة الفوروم)، غرفة نوم فان جوخ في آرل ، بورتريه لأم الرسام، جسر ليلي، الزارع…
ونوع خوسيه ارندا في هذا الديوان بين أشكال شعرية متعددة مثل السونوتات، الهايكو، الشعر الحر الشعر الموزون الغير مقيد بالقافية، وقد استمد ايقاع القصائد من ايقاع الألوان..
هذه الترجمة الأنيقة والحرفية في آن قادتنا للتعرف أكثر عن خوسيه أرندا، فمن مآثر الترجمة أنها فتحت آفاق البحث عن مسيرته وأعماله.
يعد الشاعر والرسام الروائي الإسباني خوسيه لويس مارين أراندا من التجارب الشعرية والأدبية المرموقة في إسبانيا، لما يحظى به من إشعاع دولي في أوروبا وأمريكا. هو من مواليد 1946 بالجزيرة الخضراء، بمقاطعة قادس، في منطقة الأندلس جنوب إسبانيا. لم يأت من كليات الآداب والفنون وإنما قدم من عالم الأعمال والبنوك والاستشارات والتدريس في مجال الإدارة. ولكنه يعتبر أن مهنته الأساسية هي الكتابة والرسم. لم يعول على موهبته في الكتابة فحسب، بل عول على الأكاديمي المرموق المختص في الأدب خيسوس أورسلوي إذ كان أستاذه الخاص، وهو الذي شجعه في البداية على النشر في كتاب جماعي لينشر بعد ذلك أكثر من عشرة كتب، صدر بعضها في فرنسا وكولومبيا.
من أعماله الشعرية:
"24 شاعرا خجولا" 2013
"جذور الزمن "( 2014)، قائم على التعبير الإيقاعي والموسيقي .
"عبير الخريف" 2018 : القسم الاول قصة حب تروى شعرا.
"الفناء الاصفر" 2017: اكتشاف الحياة المعاصرة بأشكال شعرية كلاسيكية.
"قصائد لفان غوخ" (2020)، عمل تكريمي في 2020، متعدد الأشكال الشعرية بمناسبة الذكرى 130 لوفاة فان غوخ.
"آثار ومناظر طبيعية": مختارات شعرية، ماي (2020)، بوغوتا (كولومبيا).
رواية: "قصص تأملات راهب": مكونة من خمسة عشرة قصة مترابطة، مع هيكل على طراز ديكاميرون.
وظهرت أعماله في مختارات شعرية في أوروبا وأمريكا اللاتينية.
ترجم ديوانه "عبير الخريف" إلى الفرنسية في 2020 ونشر في فرنسا، كما تمت ترجمة "قصائد لفان جوخ" إلى الإنجليزية وتم نشرها أيضًا في كولومبيا. وترجمتها إلى اللغة العربية سنية الشعيبي.
حاز ديوانه "عبير الخريف" على جائزة سيال بيجماليون الدولية للشعر لعام 2018، وجائزة "إسكريدويندي" لأفضل كتاب شعر مصور، في معرض مدريد للكتاب 2018. وحصل ديوانه : قصائد لفان غوخ" على جائزة خوان فيليب هيريرا الدولي كأفضل كتاب شعر باللغة الاسبانية. كما حاز على الميدالية الذهبية في جوائز الكتب اللاتينية في الولايات المتحدة الأميركية في 2021.

الشعر بالنسبة إليه تعامل مع الحياة بكل تفاصيلها. وتناول مواضيع حياتية واضحة. يكتب عن النساء والحب والطبيعة. الكتابة التقاط لومضات الدهشة أمام اكتشافه لعواطف وأفكار جديدة. تتميز قصائده الشعرية بالتعبير الإيقاعي والموسيقي. فهو يقدر كثيرا الأدب الكلاسيكي. مثل مخطط هوميروس والسوناتة.
صرح أن شعره له جذور موسيقية كلاسيكية. لغته مباشرة وواضحة، بكلمات بسيطة مليئة بالحساسية. يتوجه إلى الواقع، إلى العالم من حولنا، ليحوله الى كون شعري. يؤكد دائما على أن القصيدة إيقاع وموسيقى وعاطفة.
تأثر بشكل كبير بأساليب فراي لويس دي ليون، وسان خوان دي لا كروز، وإسبرونسيدا، وبشكل أساسي بأنطونيو ماتشادو. فيما بعد أصبح مهتمًا جدًا بالكتاب الفرنسيين، وخاصة بودلير وفيكتور هوغو ورامبو.
ورغم ظهور خوسي ارندا منذ ما يزيد عن عشر سنوات بقليل فقد نحت اسمه في المشهد الشعري الإسباني المتميز بتعدد الأصوات والأساليب والحركات الشعرية، ولكنه في ذات الوقت ينتمي إلى موجة الشعراء الأسبان المعاصرين المتميزين بالتنوع الإيقاعي والموسيقي واندماج الكلاسيكي والحديث. وفي ذلك وعي بدمج الإبداع في خانة الهوية الثقافية.
"الأبيات التي يحبها خوسيه ارندا أكثر هي تلك التي تتكون من سبعة أو ثمانية أو أحد عشر مقطعًا. يعمل كثيرًا على التركيب المقطعي المهيكل في شعر له وزن، لكن ليس له قافية ". مما يدل على تأثره بالشعر الخماسي الشائع جدًا سوناتات ويليام شكسبير. الذي يتراوح بين 10 و 11 مقطع.. ولا يلتزم بالقافية.. ويخلق نمطا ايقاعيا من المقاطع المضغوطة والمشددة..
يتميز خوسيه ارندا بالاشتغال على النصوص واختيار الكلمات والابيات.. يكتب القصيدة ويتركها ثم يعود إليها لتعديلها… فهو يختار الكلمات لايقاعها الصوتي وبعدها النفسي وقدرتها على تبليغ المعنى.
عوالم خوسيه ارندا ملونة فهو شاعر بعيني فنان تشكيلي، ففي غلاف ديوانه " عبير الخريف" نستشف الدلالات التعبيرية للغلاف من خلال تلوين أوراق الخريف الشاحبة وتحويلها إلى أخرى ملونة مبتهجة ناصعة.. وتكتسي بألوان الورد.. ذلك أن تلوين الشاعر للعناصر الخارجية رؤية المشهد الخارجي بصورة الحلم في التغيير، والتعبير عن الخصوبة الروحية والخلق الفني. وهو يعيش أعلى درجات التناغم بين ذات الشاعر وبيئته من خلال عبير الخريف كشعر متقن الصياغة ايقاعيا ونبض الشعر الأنيق حسب الكاتب الصحفي مانويل جوليا.. هو شاعر التصوير الرمزي الباحث عن حقيقة اخرى للأشياء من وراء الرموز، عن صدى الروح المبتهجة على عكس رمزية بودلير وشعراء الحداثة…
وهو روائي أيضا وقد أصدر "قصص تأملات راهب"، صورة غلافها: مبان متلاصقة في مدينة بها أبراج ضيقة وعالية. حركتها الارتقاء نحو الأعلى وترك الحروب على الأرض.. كما يرنو إلى عالم التأمل والمشاعر القدسية الشعور بالعمودية والارتفاع، كما لو كان المبنى يصل إلى السماء.
قصص تأملات راهب: هي تأملات لراهب في الثمانين وأستاذ أربعيني من مالقة. تتحدث عن لقاء ستة عشرة صديقا فرقهم الزمن وجمعتهم الصداقة…يمكن اعتبار هذه القصص حلقات من تاريخ اسبانيا عاد من خلالها إلى مراحل زمنية بعيدة من الماضي لجمع شخصيات تربطها علاقات من زمن الماضي القريب. فهو يصل حلقات الزمن الماضي والحاضر والمستقبل الذي يمتد إلى 2048.. وتنكشف في هذه الرواية لعبة الخيال والتاريخ مما يجعل من الفترات التاريخية فضاء لأحداث تتجه نحو التعقيد وتدعو إلى التأمل.
كما تحرك أفكار خوسيه رؤيته للزمن ففي كتابه "جذور الزمن" تساءل: "هل للزمن جذور ومنتهى أم أنه يواصل دوراته اللانهائية.. هل يمر الوقت أم نحن من نمضي. في خضم هذه الحيرة يعثر الشاعر على زمن الحلم، الفرح، الاستمتاع بالزمن.. مهم للغاية أن نعي بعدم مضيعة الوقت لنكون أكثر سعادة.
هذا التغيير في الرؤية للأشياء يؤثر على صوت الشعر نفسه فهو شيء حي يتغير كل يوم، وهو أمر لا مفر منه بالنسبة للشاعر نفسه".