
'يقظة امرأة' أولى الروايات المرجعية للكثير من الحركات النسوية
نشرت رواية "يقظة امرأة" للأميركية كيت شوبان لأول مرة في 22 أبريل/نيسان 1899. تدور أحداثها في نيو أورلينز وعلى ساحل خليج لويزيانا في نهاية القرن التاسع عشر، وتتركز الحبكة حول إدنا بونتيلييه وصراعها بين وجهات نظرها غير التقليدية بشكل متزايد حول الأنوثة والأمومة مع المواقف الاجتماعية السائدة في الجنوب الأميركي في مطلع القرن.
الرواية إحدى الروايات الأميركية السابقة التي ركزت على قضايا المرأة باستخدام تقنيات السرد. يُنظر إليها أيضًا على نطاق واسع على أنها عمل تاريخي للحركة النسوية المبكرة، مما يولد ردود فعل متباينة من القراء والنقاد المعاصرين .تمزج بين السرد الواقعي، والتعليق الاجتماعي الثاقب، والتعقيد النفسي، الأمر الذي جعل منها مقدمة للأدب الحداثي الأميركي.
تؤكد مترجمة الرواية زينب بني سعد أن الرواية "كلاسيكية جنوب أميركية بامتياز لواحدة من أكثر الكتاب والكاتبات قراءة وتميزا من تراث لويزيانا الكريولي حتى بعد مرور مئة وعشرين عاما على نشرها، وبالرغم من ردود الفعل المختلفة التي لاقتها من النقاد والقراء على حد سواء، فهذه الرواية بوسعها أن تتحدث إلى أي إنسان، في أي زمان ومكان، وخاصة النساء المكبلات بأدوار جندرية مفروضة عليهن اجتماعيا، فهي بمثابة دعوة لتحرير النساء من قيود المجتمع وحقهن في تقرير حياتهن بعيدا عن سلطة الرجل".
وتضيف "تعد كيت شوبان (1850 ـ 1904) رائدة الكاتبات النسويات للقرن التاسع عشر والعشرين، ولها في مجال القصة القصيرة أعمال لافتة للنظر. نشرت 'يقظة امرأة' لأول مرة عام 1899، وعدت من أولى الروايات المرجعية للكثير من الحركات النسوية، مما أدى لخضوعها للرقابة وليس للحظر بالمعنى الدقيق للكلمة".
تبدأ الرواية الصادرة عن دار جدل بعائلة بونتيلييه؛ ليونس رجل أعمال وسمسار من نيو أورلينز من تراث لويزيانا الكريولي الفرنسي؛ زوجته إدنا امرأة شابة في الثامنة والعشرين من عمرها؛ وأبناؤهما إتيان وراؤول، أثناء قضاء إجازة في جزيرة غراند في منتجع على خليج المكسيك تديره مدام ليبرون وأبناؤها روبرت وفيكتور.
تقضي إدنا بونتيلييه معظم وقتها مع صديقتها المقربة أديل راتينيول، التي تذكر إدنا بمرح وصاخب بواجباتها كزوجة وأم. في جزيرة غراند، تشكل إدنا في النهاية علاقة مع روبرت ليبرون، وهو شاب ساحر وجاد وعاشق سابق للسيدة راتينيول، يسعى بنشاط للحصول على اهتمام إدنا وعواطفها. عندما يقعان في الحب، يشعر روبرت بالطبيعة المنكوبة لمثل هذه العلاقة ويهرب إلى المكسيك تحت ستار متابعة مشروع تجاري مجهول. ينتقل تركيز السرد إلى مشاعر إدنا المتغيرة وهي تقوم بالتوفيق بين واجباتها الأمومية ورغبتها في الحرية الاجتماعية من أجل روبرت.

عندما تنتهي العطلة الصيفية، تعود عائلة بونتيلييه إلى نيو أورلينز. تعيد إدنا تقييم أولوياتها تدريجيا وذلك من خلال عزل نفسها عن مجتمع نيو أورلينز والانسحاب من بعض الواجبات المرتبطة تقليديًا بالأمومة. وهو الأمر الذي يقلق زوجها ليونس، فيقرر الذهاب إلى طبيب لتشخيص حالة زوجته خوفا من أن تفقد قدراتها العقلية، لكن الطبيب ينصح ليونس بالسماح لها بالبقاء في عزلتها وممارستها لهواياتها في الرسم والموسيقى ويؤكد له أن الأمور ستعود إلى طبيعتها.
عندما يستعد ليونس للسفر إلى مدينة نيويورك للعمل، يرسل الأولاد إلى والدته. فمن وجهة نظره أن ترك إدنا في المنزل بمفردها لفترة طويلة يمنحها مساحة جسدية وعاطفية للتنفس عن نفسها والتفكير في جوانب مختلفة من حياتها. وبينما لا يزال هو بعيدًا، تنتقل إدنا من منزلهما إلى منزل صغير قريب وتبدأ في إغراء أليس خطيب أختها جانيت المعروف بأنه متحرر العواطف. وهنا تظهر إدنا ككائن جنسي لأول مرة في الرواية، لكن هذه العلاقة تبدو محرجة ومحفوفة بالمخاطر وسرعان ما تنتهي.
تتواصل إدنا أيضًا مع الآنسة رايس عازفة البيانو الموهوبة التي اشتهر عزفها في مختلف الأوساط ولكنها تحافظ على وجود محكم بشكل عام. لقد أثر عزفها على إدنا بعمق في وقت سابق من الرواية، وهو ما يمثل شوق إدنا إلى التحرر والاستقلال. تركز الآنسة رايس حياتها على الموسيقى وعلى نفسها بدلاً من التركيز على توقعات المجتمع التي تعد محبطة. تشجع السيدة راتينيول إدنا على الامتثال لرايس والاتصال بروبرت أثناء وجوده في المكسيك، وأن تتلقى رسائله. تطلب إدنا من رايس الكشف عن محتويات رسائل روبرت لها، وهو ما تفعله، لتثبت لإدنا أن روبرت يفكر فيها.
في النهاية، يعود روبرت إلى نيو أورلينز. في البداية يعتزل ويحاول إيجاد أعذار لعدم الاقتراب من إدنا، لكنه في النهاية يعترف لها بحبه وبأن رحلة العمل إلى المكسيك كانت ذريعة للهروب من علاقة لا يمكن أن تنجح أبدًا.
يتم استدعاء "إدنا" لمساعدة "أديل" في ولادة صعبة. تناشد أديل إدنا أن تفكر في أطفالها وما ستتخلى عنه إذا لم تتصرف بشكل مناسب. عندما عادت إدنا إلى المنزل، وجدت رسالة من روبرت تفيد بأنه غادر إلى الأبد، لأنه يحبها كثيرًا لكنه يخجل من الاستمرار في علاقة مع امرأة متزوجة.
في حالة من الصدمة المدمرة، تندفع "إدنا" عائدة إلى "غراند آيل"، حيث التقت بروبرت ليبرون لأول مرة. تسعى "إدنا" للهروب من خلال محاولة الانتحار وإغراق نفسها في مياه خليج المكسيك.

ترى زينب بني سعد أن أسلوب شوبان الأدبي يظهر تأثرا بالفرنسي جي دي موباسان بشكل واضح؛ التركيز الإدراكي على السلوك البشري وتعقيدات الهياكل الاجتماعية وهو ما يدعى بمذهب السرد الواقعي. مما جعلها من أوائل أدباء التراث الجنوب أميركي التي بلغت القمة بأسلوبها إلى جانب الروائع المعاصرة لكل من فوكنر، فلاناري أونر، كاثرين آن بورتر، وتينيزي وليامز.
وتقول إن عنوان الرواية "اليقظة" تشير إلى بداية إدراك البطلة ـ الزوجة والأم ـ لمكانتها في الكون كإنسان، والاعتراف بعلاقاتها كفرد مع العالم في أعماقها ومع المحيطين بها، ولسوء الحظ، لم يستطع زوجها أن يفهم "أن زوجته بدأت تكتشف ذاتها، وأنها بدأت تضع جانبا، تلك الذات الوهمية، التي نفترض أنها ثوب تظهر به أمام العالم" بعد أن "أغرتها الذات" لتقصي "تيارات الحياة الأعمق" في ظل مجتمع أميركي مشابه للمجتمع الفيكتوري في إنكلترا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وما لعب دورا مركزيا في يقظتها هي ميولها الفنية التي بدأت تتنامى وتكتشف حاجتها إليها من خلال الرسم والموسيقى، ومن خلال ذاتها هي. مع أن صحيفة مورننغ تايمز واشنطن خلصت في مراجعة عن الرواية إلى أن: "ما تسبب في يقظة إدنا هو رجل، وهذا الرجل هو روبرت ليبرون".
وتوضح بني سعد "لكن لو أمعنا النظر سندرك أن يقظة إدنا تشكلت على يدها هي بنفسها. كانت هي الوسيلة إلى هذا الإدراك جسدها، فنها، معارفها، والوقت الذي تقضيه في الطبيعة، هربا من السلطة الذكورية الخانقة، كما أشار دونالد بيتزر ـ باحث وناقد أدبي أميركي ـ إلى أن كيت شوبان التي قرأت لمؤلفين أمثال تشارلز داروين، لا بد أن تتناول صراعات شخصياتها في سياق الفلسفة الطبيعية في القرن التاسع عشر. ويزعم بأن الرواية وصراعات إدنا لا يمكن فصلهما عن مساهمتهما في الاعتقاد الطبيعياني بأن إرادة الإنسان غالبا ما تكون مرتبطة بعدم قابلية حياة الرجال والنساء للانفصال عن الشؤون الدنيوية الطبيعية والاجتماعية التي يعيشونها".
حملت الرواية عنوان "روح منعزلة" في بادئ الأمر، ويتمثل ذلك واضحا في وصول إرادة إدنا لذروتها عندما رفضت التزحزح من أرجوحتها الشبكية الصغيرة المعلقة في مدخل المنزل عندما طلب زوجها الدخول إلى المنزل. وهذا الجانب يكشف عن حاجتها في البقاء لوحدها في ذلك الوقت المتأخر من الليل، كما ستصوغ فيرجينيا وولف ذلك بعد ما يقرب من ثلاثين عاما، في رائعتها "غرفة تخص المرء وحده".
وتكشف بني سعد أن رواية "يقظة امرأة" ظلت في طي النسيان منذ أن نشرت، حتى أعاد بير أينرت سيرستد، أستاذ الأدب الأميركي في المعهد الأميركي بجامعة واسلو، اكتشاف كيت شوبان وأعمالها، من خلال دراساته وكتبه التي أصبحت مرجعا مهما لظهور الأدب النسوي في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين.