يوم بين صافرات الإسعاف

حين تبدأ يومك منذ الصباح الباكر على صوت قذيفة مدفع غادرة، ثقيلة وقاتلة؛ حينها تعلم بأن الاحتلال الصهيوني قد أعلن حرباً غير شريفة على مسيرة العودة الفلسطينية بقتله للمرحوم عمر سمور في منطقة شرق خان يونس حين كان يتوجه إلى أرضه ليباشر عمله اليومي بالزراعة، ولا مجال للشك بأن الاحتلال يعرف مزارعي المنطقة عن ظهر قلب كما يعرف مواعيدهم وأماكن عملهم.

لكنه الاحتلال الذي قتل الأبرياء في يوم الأرض في 30 مارس 1976، لا زال هو المجرم الأكثر بشاعة في يوم الأرض في العام 2018، فعندما قررت المبادرات الشبابية والوطنية في فلسطين عامة وكافة مخيمات الشتات وفي غزة خاصة صياغة مسيرات العودة هذا العام بطابع سلمي بعيداً عن العنف واخترت المناطق القريبة من تخوم الاحتلال، أزعج ذلك الاحتلال وقياداته كونه يعجز عن التعامل السلمي والحضاري مع أصحاب الحق والمطالبين أمام أعين العالم بحقوقهم المشروعة في العودة إلى بلداتهم الأصلية في فلسطين المحتلة ونيلهم للحرية في وطنهم كما نصت على ذلك مواثيق الشرعية الدولية.

هذا الانزعاج لم يقف عند حد الاحتلال ومستوطنيه، والذي شرع بالوعيد والتهديد بارتكاب أفظع الجرائم بحق الأبرياء ممن ينون المشاركة في هذه المبادرة السلمية؛ فطال التهديد أشخاصاً من المبادرين وأصحاب شركات وسائط النقل ورموز الحركات الفلسطينية.

كما سارعت رموز من الإدارة الأميركية صاحبة "صفقة القرن" للتنديد بالخطوة السلمية الفلسطينية ولعل أبرز ما جاء في هذا الخصوص عن على لسان غرينبيلات في تغريدة له على حسابه في توتير حين وصف "المسيرات بالعدائية وتحرض على العنف"، كما أن المتحدثة باسم الخارجية الأميركية هيذر نويرت قد استخدمت أسلوباً غير مهذبٍ في الرد على سؤال للصُحفي سعيد عريقات بشأن قيام أميركا بتحذير سلطة الاحتلال من استخدام القوة المفرطة في الرد على مسيرة العودة السلمية لأن ذلك سيوقع حماماً من الدماء، فأجابته بأن أسلوبه في الكلام متهور ومتطرف، والغريب أن ما تنبأ به سعيد قد حدث؛ فحصيلة اليوم الأول كانت 15 شهيداً وأكثر من 1400 إصابة بين المواطنين الأبرياء والتي بعضاً منها لحقت بالنساء.

هل أخطأت غزة في اتخاذ أسلوباً سلمياً لرفض الاحتلال والحصار والسعي إلى الحرية والعيش على قدم المساواة مع كافة شعوب الأرض؟

إن يوماً تقضيه بين صافرات الإسعاف التي جابت جميع مدن القطاع تحمل ما يزيد عن الآلف من المصابين والجرحى في مشافي أنهكها العمل المتفاني لإنقاذ حياة أحد المصابين، بين صلوات وانتظار آلاف من الأهل ينشدون الحياة لأبنائهم أو أقربائهم، بل والتبرع بدمائهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

يوماً حمل في طياته مزيداً من الحوادث حتى بين سيارات الإسعاف والمسعفين فبات البعض منهم بين المصابين، ولم يكن حال طواقم الإعلام بأفضل من أخوتهم في الطواقم الطبية، فمنهم من علا إلى الجنة بإذن الله ومنهم من بات على سرير العافية من أجل أن يؤدي رسالته الكريمة، وأن يوصل رسالة غزة وشعبها الفلسطيني للعالم.

لذلك أصبح من المهم لهذه المسيرة ـ مسيرة العودة ـ أن تبعث رسائل واضحة للداخل والخارج مباشرةً بعد تضحيات اليوم الأول، وأن تكون صريحة مع الجميع في رسائلها.

أما للخارج فالخطاب للاحتلال المجرم؛ ها أنت ترى بأن العين يمكن أن تواجه المخرز، مارس جرائمك كما تشاء وخذ من دمنا ما تشاء، فنحن على العهد والأيام بيننا.

وفيما يخص الولايات المتحدة؛ فالرسالة هي كفى للكيل بمكيالين، ولن تمر "صفعة القرن" ولن تنجح أكذوبة "دويلة غزة" وسيناء أرض مصرية نحترم أهلها ونجلهم، ومهما حاولتم ابتزاز بعضاً من زعماء العرب فلن تنجح المؤامرة.

والرسالة الثالثة هي للمجتمع الدولي والمؤسسات الدولية، إلى متى صمتكم عن جرائم الاحتلال، وعليكم الاختيار بين أن تكونوا شركاء فعليين في السلام وانصاف المظلوم، وبين أن تكونوا شركاء للاحتلال فيما يرتكب من جرائم.

أما الدول العربية والإسلامية؛ فنحن بخير وعليكم من الله ما تستحقون!

أما للداخل الفلسطيني؛ فها أنتم ترون عظمة وكبرياء وتضحيات هذا الشعب الصابر، المرابط والمتمسك بهويته وحقوقه الوطنية، فهل تكونوا على قدر هذا الشعب الذي لازال يحمل لكم في قلبه الكثير.

هل تستطيعون تحقيق الوحدة الأن، التي تجسدت مظاهرها في مسيرة اليوم تحت العلم الواحد، علم فلسطين.

رحم الله الشهداء، والشفاء العاجل للجرحى، وإنا لمنتصرون.