'404.01' يسافر بالسينما المغربية الى عوالم الخيال العلمي

المخرج والسيناريست المغربي يونس الركاب يخوض تجرب جديدة نادرة محليا، عبر قصة طبيبة تتفاجأ بتلقي أوامر عبر موجة صوتية قادمة من المستقبل.

الرباط - انطلق الجمعة 20 ديسمبر/ كانون الاول 2024  العرض ما قبل الاول لفيلم السينمائي الجديد "404.01" بالقاعات السينمائية المغربية،  للمخرج يونس الركاب.

ويحكي الفيلم قصة طبيبة جراحة تُدعى "أمينة"، حيث تتفاجأ بتلقي أوامر عبر موجة صوتية قادمة من المستقبل، وتطلب منها هذه الموجة تنفيذ مجموعة من الطلبات، وتطلعها على أحداث ستقع قبل حدوثها، وهذا يدخلها في حالة من القلق والتوتر، ثم تتطور الأحداث  فتجد الطبيبة نفسها متورطة في جريمة قتل طفل، وبعد محاولات مستميتة للتخلص من الصوت وفهم أسبابه تكتشف الحقيقة الكامنة وراء استهدافها.

الفيلم من سيناريو محمد حافيظي وبطولة حسناء المومني وعبد النبي بنيوي، إلى جانب مجموعة من الفنانين الآخرين.

وتقدم قصة  فيلم "404.01" معالجة مختلفة لقصة خيال علمي نادرة في السينما المغربية، تعتبر إضافة على مستوى الكتابة وطرح أفكار معقدة تتعلق بالزمن والمستقبل والقدرة على التحكم في المصير،  إذ تتلقى البطلة أوامر غامضة من المستقبل لتواجه أحداثًا غير متوقعة، وهذا الطرح ينهج توجها فلسفيا يتعلق بتشابك الحاضر والمستقبل، وتبعات اتخاذ قرارات مصيرية بناءً على معرفة مسبقة بما سيحدث.

ويمزج السيناريو بين الواقعية والخيال بأسلوب غامض، فتقديم المستقبل عبر موجات صوتية هو ابتكار درامي معروف حدث في أفلام كثيرة عالمية لكن كتجربة مغربية، ويتبع أسلوبًا تصاعديًا في الأحداث، حيث تتزايد التحديات التي تواجه البطلة تدريجيًا وصولا إلى ذروة تورطها في جريمة قتل طفل، وهذا الحدث يضيف لفكرة الفيلم ككل بعدا نفسيا محبوكا يسمح للمشاهد بالتفاعل مع الصراع الداخلي للشخصي، بينما تتجنب المعالجة الدرامية هنا الحلول السهلة  والمباشرة ويترك مساحة للتأويل والشك.

ويتميز أداء حسناء المومني في دورها كطبيبة جراحة تُجبر على التعامل مع أوامر قادمة من المستقبل، وتجسد الصراع الداخلي الذي تعيشه البطلة بين مهنتها وما يحدث من اضطرابات نفسية نتيجة للأحداث الخارقة للطبيعة،  تميزت حسناء المومني  بقدرتها على إظهار مشاعر القلق والتوتر والاضطراب النفسي سينمائيا بين أداء دور الطبيبة العقلانية والمرأة المتورطة في أحداث غير منطقية، خاصة في اللحظات التي تتعامل فيها مع الصراع الناتج عن سماع الأوامر الغامضة، هنا  أظهرت تنوعًا في الأداء من خلال إظهار القوة والضعف في نفس الوقت، بينما  قدم عبدالنبي البنيوي شخصية معقولة ومنسجمة مع بناء الحبكة  وتميز بالقوة والثبات واستطاع أن يوازن بين الحضور القوي للشخصية والأبعاد النفسية التي تجعلها تبدو غير قابلة للتوقع، كما قدم دوره بطريقة تعتمد على الإيماءات والتفاعلات الهادئة التي تنقل أبعادًا عميقة من الغموض،

ويظهر  المخرج يونس الركاب تعلقه بعائلته من خلال استخدامه صورةَ والده الراحل المخرج محمد الركاب، وهي لمسة رمزية تحمل دلالات إنسانية، وهذا الاستخدام يعد تكريمًا لوالده الذي كان له تأثير معقول في السينما المغربية، وأيضًا تشبت يونس برموز الأسرة في حياته وأعماله، بينما يبرز في أفلامه اهتمام كبير بربط أعماله الفنية بأسرته، سواء من خلال الإهداء المباشر أو الرموز الفنية التي يستحضرها في مشاهد متعددة، وهذه اللمسات تعبر عن امتنانه وتأثره بعائلته، خصوصًا والده الذي يعتبره مصدر إلهام رئيسي في مسيرته الفنية.

ويتسم أسلوب المخرج يونس الركاب بتأثره  بالسينما الأوروبية، خاصة في تصويره لمشاهد رياضة زوارق البحر ومن خلال استخدامه زوايا تصوير واسعة تبرز جماليات المناظر الطبيعية والمحيط، وهذه المشاهد تتميز بهدوء بصري وتركيز على التفاصيل، حيث يستخدم الركاب الحركة البطيئة واللقطات الطويلة لتعزيز الشعور بالرهبة والتحدي، بينما نشاهد بناء التوتر تدريجيًا عبر اللقطات المتقنة والاعتماد على الإيقاع البصري الهادئ بدلا من الإثارة السريعة، ويوظف المخرج هنا الرياضة البحث عن الحرية و التخلص من الضغوطات.

ويبرز يونس الركاب استمرارية في أسلوبه الإخراجي بين فيلمه "404.01" وفيلمه السابق "الأوراق الميتة" حيث يتميز كلا العملين بتوجه بصري وسردي مشابه يعتمد على استخدام الرموز والمواضيع التي تحمل في طياتها غموض وتتناول الصراع النفسي، وفي كلا الفيلمين يبرز الركاب في بناء توترات داخلية للشخصيات من خلال أحداث خارجية، ويخلق أسلوبه في إدارة الكاميرا واستخدامه للإضاءة الداكنة والزوايا المبادرة إحساسًا بالتوتر والترقب، وهو ما يتطابق مع ما قدمه في “الأوراق الميتة”، حيث برع في إظهار العوالم الداخلية للشخصيات عبر الصور السينمائية المعبرة التي كان بطلها ربيع القاطي.

ويعد يونس الركاب مخرج مغربي ينتمي إلى عائلة الركاب الفنية، ويعتبر فيلم "الأوراق الميتة" (2015) باكورة أفلامه السينمائية الروائية الطويلة، وبعد دراسته في مدرسة متخصصة في السمعي البصري بالمحمدية عمل كمتدرب في عدة شركات إنتاج بالدار البيضاء قبل العمل مع المخرج علي شرف في عام 2000، وفي عام 2003 قرر يونس أن يطلق فيلمه الأول "خويا"، ثم أخرج العديد من الأفلام الأخرى منها "منتصف الليل".