الرسالة الجدية وردود الفعل المسرحية

لمن يبعث نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية برسائله "المفتعلة"، على أثر زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان؟ هل يبعث بها الى الشعب الايراني كي يوحي إليه بأنه ما زال في اوج قوته وإنه في مستوى التحديات؟ أم يبعث بها للدول الغربية والولايات المتحدة على وجه التحديد كي يؤكد لها بأنه ند لهم؟ فالتظاهرات التي قام بها طلاب ينتمون لمجاميع الباسيج التابعة للحرس الثوري أمام مطار مهراباد الدولي ضد الزيارة والتي رفعوا خلالها شعارات منددة بها وبالدور الفرنسي، كان يمكن أن تكون قوية ومؤثرة لو إنها جاءت من عامة الشعب الايراني وليس من قبل منتسبي جهاز متهم أساسا بقمع الشعب الايراني.

لودريان الذي قامت الخارجية الفرنسية قبل زيارته بإصدار بيان خيرت فيه إيران بين التخلي عن برنامج الصواريخ، ومواصلة دعم طهران لزعزعة استقرار المنطقة وبين عقوبات دولية جديدة، كان يمكن لطهران أن ترفض زيارته ولا تقبل بها خصوصا بعد توضيح الاهداف والغايات المرجوة من ورائها. لكن إستقباله في حد ذاته يعبر عن الوضع الاستثنائي الذي يعاني منه النظام القائم في إيران، والذي يمكن القول بأنه يواجه واحدا من أسوأ المراحل التي مرت منذ تأسيسه منذ 39 عاما، وعلى الرغم من كل التصريحات النارية والمواقف المتوترة في الاعلام الرسمي الايراني، فإن طهران فتحت أبوابها أمام لودريان لأنها كانت تعلم بأن عكس ذلك كان سيكلفها الكثير والذي ليس بوسع صديقه الروسي أن يتحمل تبعاتها.

إستقبال طهران للودريان يأتي بعد أن تيقنت من إن أوربا عملت ما بوسعها من أجل كبح جماح الموقف الاميركي المتشدد ازاء الاتفاق النووي، وهي تعلم جيدا بأن زيارة لودريان بمثابة فرصة أخرى ضمن سلسلة الفرص الكثيرة التي أهدرتها طهران دونما جدوى، خصوصا وإن سيف الغضب الداخلي لا يزال مشهرا بوجهها وقد ينزل على رأسها في أية لحظة، والمعروف عن النظام الحاكم في إيران بأنه مستعد لتقديم تنازلات خارجية كبيرة لكنه يرفض تقديم أصغر تنازل للشعب، ذلك إنه يرى في التنازلات الاخيرة بمثابة فتح باب لن يتم إغلاقه حتى إسقاطه!

ما هي الخيارات التي بإمكان إيران أن تناور بها وتحدث من خلالها التأثير على الموقف الغربي وجعله أكثر ليونة ومرونة؟ هل يمكن للتحالف "التكتيكي" الروسي ـ الايراني أن يلعب دورا فعالا في مواجهة الضغط الغربي؟ الروس كما توضح من سلسلة الاتفاقيات المختلفة التي أبرموها مع النظام السوري، يبحثون عن المصالح الاستراتيجية ولذلك فإنهم لو قدموا شيئا للنظام الايراني في هكذا مواجهة صعبة ومصيرية فإنهم سيضعون قائمة بالمطاليب أمام شخص المرشد الاعلى الايراني، كما إن سعيهم لتحريك أذرعهم في بلدان المنطقة ضد المصالح الغربية في المنطقة بمثابة مغامرة قد تكون نهايتها مأساوية لغير صالحهم، ولذلك فإن الاوساط السياسية الحاكمة في طهران تعلم جيدا إنها أمام مفترق طرقات كلها تقود الى مجاهيل ولابد لها من الاختيار.