ما الذي فعلته أميركا بالعراق؟

ما كان من الممكن أن يكون العراق إيرانيا لولا موافقة أميركية مؤكدة.

صار من الشائع شعبيا القول إن الولايات المتحدة لا تحب العراق والعراقيين لذلك تخلت عنهما لأحزاب دينية تابعة لإيران، كان مشروعها يقوم أصلا على محو كل شيء له صلة بالدولة والمواطنة والهوية والعيش المشترك.

ذلك قول لا علاقة له بعالم السياسة ولا بأبجديتها النفعية.

ولكن قبل كل شيء هناك سؤال لا يطرأ على بال الكثيرين هو "ترى ما المقصود بالولايات المتحدة التي تكره العراق والعراقيين؟"

هل هي جورج بوش الابن أم خلفه باراك أوباما أم الكونغرس الأميركي أم البنتاغون أم شركات النفط أم المصارف العملاقة أم الجماعات الصهيونية الضاغطة أم الشعب الأميركي الذي لا يعرف شيئا عما تفعله حكومته؟

أعتقد أن اللغز الأميركي في العراق لا يمكن حله عن طريق الاستنجاد بالعواطف. فليس هناك من حب أو كراهية في السياسة.

الولايات المتحدة تحركها المصالح. فما مصلحتها في الاستمرار في تدمير العراق إلى ما لا نهاية؟ كان من الممكن أن يتوقف الامر عند اسقاط نظام البعث وهز كيان الدولة العراقية.

ما وصلت إليه الأوضاع في العراق من تدهور بعد أكثر من خمسة عشر عاما من الاحتلال لا يمكن السكوت عليه. ومع ذلك فإن الولايات المتحدة التي اقامت الأساس لهذا العراق الجديد ظلت صامتة. حتى أن السفارة الأميركية ببغداد والتي يُقال أن لها اليد الطولى في اختيار الحكومة وتثبيتها لم تقل كلمة ولم تصدر أية إشارة منها تفيد بموقفها مما يجري في الشارع.

حين غزت الولايات المتحدة واحتلته لم تعد بشيء أكثر من الديمقراطية.

دمرت بلدا وحطمت دولته وألغت جيشه من أجل الديمقراطية.

مَن صدق تلك الكذبة كانت له يد في اختراعها أو الترويج لها.

لننسَ كذبة الديمقراطية. لمَ أهملت الولايات المتحدة العراق بعد أن خاض جيشها حروبا عديدة ضد سكانه المحليين؟ حربان على الفلوجة وهي مدينة صغيرة في عام واحد، هل كانتا ضروريتين؟

أما حين قررت إدارة الرئيس أوباما سحب الجيش الأميركي من العراق عام 2011 فإنها لم تطرح علنا أسباب ذلك القرار. هل أنجزت المهمة؟ ولكن ما هي تلك المهمة؟

هناك سيل من الأسئلة يتعلق بما فعلته الولايات المتحدة بالعراق تشكل حاضنة للغز الذي ينتج كل ما يشهده العراق من كوارث.

هناك وقائع لا يمكن المرور بها من غير البحث عن الأسرار التي تنطوي عليها.

ما كان من الممكن أن يكون العراق إيرانيا لولا موافقة أميركية مؤكدة. فإيران لا تقوى على الهيمنة على بلد تحتله القوة العظمى الأولى في العالم ما لم يحدث ذلك بالتنسيق مع تلك القوة.

ليس في إمكان نوري المالكي الذي كان يحلم برؤية الدولار الأميركي أيام تسكعه في دمشق أن يهدر مليارات الدولارات من غير إشراف أميركي مباشر. فمَن احتل العراق كانت له سلطة مطلقة على موارده المالية.  

اما الميليشيات التي لم تخف يوما ولاءها لإيران فإنها كانت دائما تحت الرقابة الأميركية. بل أن ميليشيات الحشد الشعبي قاتلت جنبا إلى جنب مع القوات الأميركية في حرب تحرير الموصل.

لا يكفي القول إن الاميركان تركوا العراق عام 2011 بلدا ملغوما لحل اللغز. لا أحد يصدق أن الاميركان تركوا العراق. ولو صدقنا ذلك فإن سؤالا اضطراريا يقف بيننا وبين الحقيقة هو "لمَن تركوه؟"

واقعيا فإنهم لم يتركوه لأبنائه. من قبل كانت الكوارث العظمى التي ضربت مدن الغرب السني واليوم تملأ الاحتجاجات شوارع مدن الجنوب ذات الغالبية الشيعية. مما يعني أن الغالبية العظمى من العراقيين محرومة من العراق، من ثرواته بشكل خاص.

لا أعتقد أن أمرا جللا كهذا يخفى على الولايات المتحدة.  

المشكلة تكمن في اللغز الأميركي. كل نظرة تأمل وتفكير في ما شهده ويشهده العراق لا تخطئ طريقها في اتجاه السؤال الذي يتعلق بالمشروع الأميركي في العراق.