حكومة عراقية ضعيفة يحميها الحشد الشعبي
ليس من السابق لأوانه الحكم بالفشل على التحول الذي شهده نظام الحكم في العراق. فبعد أن ساد الاعتقاد أن خروجا نسبيا من نظام المحاصصة في اتجاه حكومة كفاءات هو الحل الذي ستلجأ إليه الأحزاب الحاكمة هناك، لا لإخراج العراق من متاهته بل على الأقل للإيحاء بأن هناك نوعا من الاستجابة لمطلب التغيير الذي رفعه المحتجون، ها هي الكرة تعود إلى منطقة التسويات والصفقات المريبة بين الكتل السياسية نفسها، من غير أن يكون لأصوات الناخبين أي أثر يُذكر.
لقد طويت صفحة الصراع على الكتلة البرلمانية الأكبر التي يحق لها تقديم مرشحها لمنصب رئيس الوزراء من خلل مناورات سرية أشرف عليها قاسم سليماني، ممثل الولي الفقيه في العراق.
وإذا ما كان الكثيرون قد عولوا على وضع نهاية لحكم حزب الدعوة الذي استمر لإثني عشر عاما فإن ذلك الحدث الإيجابي قد فقد قيمته التاريخية من خلال وصول شخصيات ضعيفة إلى المناصب الثلاثة الرئيسة في النظام السياسي (رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان ورئاسة الوزراء) لن يكون في إمكانها أن تحدث انقلابا في بنية ذلك النظام القائم على تقاسم المغانم وهو ما يعني استمرار ماكنة الفساد في العمل بأقصى طاقتها.
لقد غادر حزب الدعوة الحكم من غير أن تؤثر تلك المغادرة على سيطرته على مفاصل الدولة التي أسسها على مقاسه بما يجعله قادرا على إدارتها خفية من غير أن يسبب ظهوره العلني احراجا لأحد من الفرقاء الذين أعلنوا في أوقات سابقة تململهم من هيمنته المطلقة على شؤون الدولة.
وكما هو واضح فإن عصر المناداة بالإصلاح قد انتهى بالرغم من أن شيئا ملموسا يمت إلى الإصلاح بصلة لم يحدث. كانت هناك جعجعة حاول البعض من خلالها أن يملأ الفراغ بوعود للإصلاح، تبين في ما بعد أنها مجرد فقاعات تجريبية لم يكن القصد منها سوى الانحراف بزوايا النظر عما يتم التخطيط له على مستوى إعادة إحياء مشروع نظام المحاصصة، لكن بطريقة تبعد الشبهات عن الأحزاب الرئيسة.
فالواجهة اليوم والتي ستستمر لأربع سنوات مقبلة تتصدرها ثلاث شخصيات تنتمي إلى أضعف الكتل السياسية وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى أن تخضع لإملاءات الكتل القوية التي ستنال حصتها من الغنائم كاملة، من غير أن تتصدر المشهد ولن يقع على مسؤوليتها شيء مما يمكن توقعه من صدام مع الشعب الذي صار على يقين من أن مطالبه بالخدمات وبتحسين ظروفه المعيشية لن يتم النظر إليها بطريقة جادة.
بهذه الصيغة تكون إيران قد حسمت الأمور لصالحها بشكل كامل من غير ان تدفع بالتيار الموالي لها إلى موقع الصدام الذي سيحتله آخرون، هم ليسوا أقل ولاء لها غير أنهم لا يرفعون شعاراتها علنا بالرغم من أنهم لا يملكون الإرادة ولا القدرة على الوقوف ضد تمددها وهيمنتها على القرار السياسي في مرحلة قد تؤدي بالعراق إلى أن يكون ساحة حرب تجريبية بينها وبين الولايات المتحدة التي يبدو انسحابها من الساحة العراقية كما لو أنه جزء من مشروع العقوبات.
ما حدث في العراق على مستوى سياسي لا يمكن حصره بهزيمة ما سمي بمشروع الإصلاح ومحاربة الفساد المستشري في بنية الدولة بل بتجاوز ذلك إلى رسم صورة كالحة لمستقبل العراق، حيث يتحتم على الحكومة العراقية بسبب ضعفها أن تعود في كل قراراتها، الداخلية والخارجية إلى قاسم سليماني باعتباره مرجعا، يحفظ لها بقاءها في خضم ما يمكن أن يشهده الوضع الداخلي من تدهور جراء التراجع عن مشروع الإصلاح.
فسليماني هو الذي سيدير دولة الحشد الشعبي التي لن تكون في المرحلة المقبلة دولة ظل بقدر ما ستكون دولة حماية تطوي هيمنتها على الشارع كل أحلام العراقيين بالتغيير والانتقال إلى دولة مدنية.