"فوتوغرافيا" سلافة المبروك

الفن على قارعة الطريق، كالحكمة تماما لا تلوي على غير من يلتقطها.
جدران سخية تسرد حكايات وألغازا وخرافات وقصصا
في التقاط الفنان للمهمل والمنسي والموجود الذي لا نعيره حواسنا

وماذا لو تعلق الأمر بالفنان، وهو يقف تجاه الجدار المتخير قولا بالبوح والنظر والتأويل حيث الكتابة واللون وما تمنحه المساحة من فن تلقائي في الشقوق والخربشات والألوان وأحيانا ما ينبت من الحشائش والأزهار، الجدار، وهكذا هو بمثابة القماشة الأخرى فيها تلوينات لم تبتكرها اشتغالات الفنان والرسام. إنها الحكاية الباذخة كالبراءة البينة.
الفن على قارعة الطريق، كالحكمة تماما لا تلوي على غير من يلتقطها، فالعين مجال للاكتشاف والكشف. نعم هكذا هي لعبة التلقي الجميلة في مجالها الحسي والبصري، وهنا أذكر العنوان الشعري اللافت للشاعر الجزائري الرائع عمار مرياش حين أطلق على أشعاره ذات تسعينيات من القرن الماضي عنوانا جماليا مكثفا ودالا هو "اكتشاف العادي".
هذا يأخذنا إلى الطريق بعناصره ومكوناته ومنها المباني والجدران وغيرها، فعلى الجدار الذي نمر به يوميا عوالم شتى ليس الإدراك تجاهها بالأمر الهين وخاصة إذا كانت المسالة تتصل بالثقافي والقيمي.
الجدران عليها أثر الزمن والناس والأحوال وما شابه ذلك، والمتمعن في الأثر بعنفوان النظر والحواس يكتشف مجالا وحيزا مهمين لقراءة المنظور إليه فما بالك بالمساحة الهائلة من الأثر الماكثة على الجدران التي فيها القائم والمتداعي والمتشقق بفعل السنوات العابرة.
هكذا أخذتنا الفنانة سلافة المبروك إلى هذا المسرح التشكيلي الكبير الذي هو الجدار تبتكر من خلاله قولها الفني البليغ، ذات معرض سابق بقاعة علي القرماسي بالعاصمة تحت عنوان "حكاية جدار".
سلافة شغلت الكاميرا وفق تخيرها لما يتلاءم مع دواخلها لقنص ما منحته جدرانها المبثوثة في أمكنة من تونس العتيقة وغيرها لتبرز اللوحة الفوتوغرافية المعروضة بكثير من الاعتمال الذي عليه قماشة فنان يدير تشكيليا مساحة اللوحة.
عناوين شتى للوحات "تجاور" و"انصهار" و"حفريات" و"انطباع" و"فصول" و"حركة"... وغيرها. يجمع بينها ما أرادت أن تعبر به وعنه تشكيليا الفنانة سلافة البياتي لنجد جانبا من الاشتغالات التجريدية وهناك صور فيها من الألوان ما هو نتاج الطبيعة وفعل الزمن.
بعض الأعمال وكأنها حفريات وصور مأخوذة من علو ومنها ما يشبه تفاصيل وجزئيات عبر المكروسكوب وتحيل إلى المساحات المجهرية وغير ذلك وهذه كلها من ذاك الحوار المفتوح بين الفنانة وبقاع مخصوصة من الجدران.
صور رائقة، فيها دقة ورهافة عوالم الجمال الفني والجدار هنا يمنح الناس الكثير من التشكيل من ألوان باذخة ولطخات ملونة وخربشات وعلامات وكل ذلك في انصهار وتلاؤم مع الحالة التي تعبر عن زمن هو من أسرار الحكاية عند هذا السيد الجدار.
لوحات وحالات بأسرها تعانق العدسة لينظر المتلقي باتجاه الفكرة السردية الملونة بالتواريخ.

fine arts
امنحينا عذب الحكايات

إنها لعبة الآلة والحالة. العدسة والجدار وما ينتج عنها من كلام ومعان. وحكايات خبر الفنان منذ القدم بلاغة فحواها وبالعودة إلى الكهوف والخربشات والرموز وغيرها نلمس هذا العناق القديم بين الفن والمكان.
أيتها اللغة المرسومة على الجدار..
قولي للكائن 
علميه معنى اللون والشقوق 
علّه يلقى وجهه العامر بالتواريخ..
أيتها اللغة الزاخرة بالنعاس 
وبالجواهر..
امنحينا عذب الحكايات
والمسرات..
فلك البهاء..
ولنا الحدائق الماثلة على الجدار....
نكتفي بالغناء ونمضي هانئين إلى مطر قادم...
حكاية جدار واللعبة السردية تشكيليا ففي 18 صورة كمنت هذه التفاصيل الجميلة المقيمة بالجدران، ولكن من ينتبه، غير الفنان الرهيف المؤلف للعلاقة العالية مع التفاصيل والعناصر والأشياء بفعل ما يقتضيه الفن من فطنة وانتباه تجاه الكل؛ الآخر الأنا.
تقول الفنانة سلافة عن هذا العمل المعروض ومختصر فكرته ".. كنت كلما مررت بشوارع وأزقة تلك الحارات القديمة شدتني تعابيرها وآثار الزمن وفعل الإنسان بها وأراها لوحات تشكيلية تجريدية ذات جمالية قد لا تشد العابرين ...".
وفي هذا الجانب وبخصوص هذه التجربة يقول الفنان علي الزنايدي "... نقرأ لوحات فنية أهدتها لأعيننا جدران سخية تسرد حكايات وألغازا وخرافات وقصصا، هي أهازيج الجدار في أفراحه وأتراحه في صيغ ثرية تبعث على الحلم والخيال .."
حكاية جدار مساحة جمالية تقولنا عبر السرد من خرافة وأسطورة عبر اللون والرمز والعلامة والتوقيع لتمنحنا مساحة القماشة حيث الفضاء المتاح للعمل الفني. هي التقاط الفنان للمتروك والمهمل والمنسي والموجود الذي لا نعيره حواسنا واهتمامنا ونحن نمر به ومعه مرة ومرات. ولكنها فطنة الفنان يجترح منجزه وأعماله من ممكنات الأمور والأشياء.