رماح بوبو نجمية ناطقة بنبض الحياة وصخبها

الشاعرة السورية وعت على نفسها مغرمة بالشعر، وما من لحظة محددة تجمد ذاكرتها وتؤرخ ولادة هذا الولع.
بوبو تستمد مخزونها الحروفي من الحاكورة المنسية خلف سياج الوعي
القصيدة هي المنارة التي تومض لتدل السفن البعيدة على الاتجاه الصحيح

العواطف والانفعالات البكر التي تمطرها حالتها النفسية والمشاعر الدفينة فجرت ينابيع الحياة الحروفية الفنية للشاعرة رماح بوبو، وببساطة مطلقة كزهرة ربيع نجمية خرجت قصائدها البهية، لتحبس الأنفاس وتغلق المكان، وبمشهدية جميلة عفوية متكئة على قصص حقيقية وأخرى خيالية تمسك بك لتفتح إسطوانة الأوكسجين لقلبك.
حضن دافئ:
تستشعره ترجماناً لانفعالاتها البكر، للبهجة الغامضة التي كانت تعتريها مع رذاذ المطر، أو صرير الريح أو ضحكات الشقاوة، "كمن يمسك غزل البنات بكفيه الصغيرة ولا يذوب".
وعت على نفسها مغرمة بالشعر، وما من لحظة محددة تجمد ذاكرتها وتؤرخ ولادة هذا الولع، كانت تقرأه على قصاصة ورقية أو توقف أجهزة الراديو أو قناة التلفاز، أي متى ما التقطت أذنها؛ أيًّا كان اسم الشاعر أو شكل كتابته لتشبع هذا الولع. كتبته مبكراً ودعمها ابتسامة الرضا والفرح التي كانت تلمحها تشع من عيني والدها، كلما قرأت له ما كتبت. 
شعلة الإبداع
لبداياتها حكاية جمعت "ما بين الوجع والفخر" ففي الصف الثاني الإعدادي كتبت موضوعاً عن عيد الأم، جعل معلمتها تشكك بأن أحدهم قد كتبه لها، وبعد كل محاولات دفعها للاعتراف بذلك ومع إنكارها الشديد، سحبتها لغرفة المدرسين في الاستراحة وطلبت منها كتابة موضوع عن عيد المعلم. كان موقفاً رهيباً بالنسبة لها أمام باقي المدرسين، إعجاب المعلمة لاحقاً بالنتيجة، ومحاولة اعتذارها غير المباشر جعلها تثق بموهبتها الصغيرة، التي أخذت تخزنها في الدفاتر منذ المرحلة الابتدائية، ولم تهتم لتشذيبها إلا مؤخراً (منذ ما يقارب الخمس سنوات) حين فكرت بالنشر بشكل جدي، فأخذت ترفد مكتبتها بكتب تتناولها بالدراسة أو النقد أو التقييم. 

النقد غائب عن الساحة، فإن أطلّ فمروره خجول، مجامل وسطحي يفتقد للكثير من أدواته. عني شخصياً؛ سعيدة بأني لفتّ انتباه عدد من الاساتذة في سوريا وخارجها تناولوا تجربتي بالدراسة ببعض التفصيل

من أشعارها :
تائهة
كوعل على شرفة نهدة!
كأني في بال المغيب
دفء صباح
وفي بال الصبح
غفوة ناي بعيد.
التربة الخصبة
استمدت مخزونها الحروفي من تلك الحاكورة المنسية خلف سياج الوعي، حيث تختبئ اللغة التي تجمعت من القراءة والأغنية والحكاية، وكبذرةٍ حملها غبار طلع الحياة المعاشة لتزهر كالسحر ساعة تحتاجها القصيدة . لحظة الكتابة في الشعر ومضة كلحظة الغفلة، تدفع بأصابعها باتجاه الورق لذلك هي عفوية بالتأكيد، أما الاشتغال اللاحق على التشذيب والتصحيح فيكون قصدياً .
الطبيعة والشخوص وأي نأمة قد تفلت من تحت أظافر الريح هي وقود لقلمها، فالشعر بالنسبة لها لا يوفر موضوعاً يثيره دون أن يحاول الإبحار في خلجاته، والإمساك بالحرف قلباً وقالباً لا يستوجب وجود قضايا مباشرة أو ساخنة كما هو الحال في المقالات الأكاديمية أو السياسية، فالشعر تجلي لتفاعل الإنسان مع كل ما يثير قلقه، تساؤلاته، مخاوفه أو أفراحه، ولذلك رسالته هي الإنسان بلا حدود، والتي تبدأ بسؤال ولا تنتهي بجواب. 
تدفق الينابيع 
حاولت ارتكاب الشعر بعد ما فاضت بها الرغبة المعتقة إليه منذ الطفولة. يحدث أن تتملكها قصة حقيقية تدفعها للكتابة، لكن الدور الغالب في كتاباتها للخيال وللرؤى، التي تمطرها حالتها النفسية الاستثنائية والمشاعر الدفينة التي تومض حينها. كما تأخذ المرأة الحصة الأكبر من أشعارها، فموضوعها رحب يحفل بأحراش من الضجيج الملون. هي مسبار الحقل مزهراً كان أو عجفا، في المرأة يتكثف المدى ليتسع صهيل القصيدة، والوطن قاتلاً أو قتيلاً والغربة بكل ألوانها والموت والحب والحلم.
ملعبها الآمن
كانت لها محاولات خجول (لم تصل لحد النشر) بالرواية والقصة القصيرة إضافة للشعر، الذي وجدت نفسها مأخوذة لفضائه، فاكتفت به ملعباً ولم تشرك به أحداً. لكل شكل إبداعي سمته وشروطه الخاصة، ولا يوجد مانع من المزج بين الأنواع الأدبية شرط أن يتم هذا المزج بحرفية عالية، تجنبا الحصول على وليد مسخ. 
بهاء القصيدة
عن الهوية الحروفية الفنية الخاصة بها قالت: حاولتُ خلق بصمة، ولكن لست أنا من يحدد مدى نجاحي في تحقيق هذه المغايرة. إن اكتشافنا الدرب نحو أعماقنا والغوص فيها تاركين الضجيج على السطح كفيلان بمنحنا هوياتنا المتفردة، إذ من المحال تشابه روحين كما استحالة تطابق البصمات. القصيدة خريطة غامضة للكنز المدفون، تحتاج دهاةً  وقراصنة معنى ومغامرين لفك أحاجيها، ولذلك تستولد زمناً طويلا للوصول. إنها تلك المنارة التي تومض لتدل السفن البعيدة على الاتجاه الصحيح. القصيدة الحق بهية دائماً ولكن ليس كل ما يطلق عليه اليوم اسم قصيدة هو كذلك.  

Poetry
المرأة الحصة الأكبر من أشعارها

التفرد
ليس للمكان أهمية في لحظة ولادة القصيدة قد تترك الصحون في المجلى وتسرع لتدوين ومضة. قد تكتب القصيدة في ذهنها أثناء المشي أو في الباص. فقط الوحدة هي الطقس اللازم الذي تحتاجه حين تسعى لتوثيق الولادة بالحبر، ولكل مبدع أسلوبه الخاص في بناء سكنه الروحي، فالبعض يهوى السرد فيما يفضل غيره فلاشات يربطها رابط سري يترك للقارئ اكتشافه. وآخرون قد يتبنون الحوار .. الخ. المهم في البناء أن يكون سلساً يسهل على القارئ الإبحار فيه دون زوايا تربكه وتشتت استرساله أو متاهات تخرج به إلى الضياع.
وللشاعرة بوبو نظرة في الملتقيات الأدبية ومنصات التواصل الاجتماعي في حاضرنا، وفي ذلك تقول: بتعريفها اللغوي بالتأكيد تساهم في دعم الحركة الثقافية. أما بتعريفها الواقعي فنبلٌ منا أن نكتفي بقول "لا دون أن نتهمها بالتخريب. أعيب على المؤسسات الثقافية الاستخفاف بمسؤولياتها حين تستضيف أو تنشر دون تدقيق وحرص. أما إن أردنا الكلام عن منصات التواصل الاجتماعي فهي ذات حدين. أولهما إيجابي بإتاحتها المنبر للجميع ودون أي احتكار، فيتلمس البعض الحريص مستواه ويعمل على تحسين نصه، مما اكتسبه من اطلاعه على الكثير من التجارب والمقارنة بينها ومن تعليق الآخرين على نصوصه، ولكن الاعتماد عليها كوسيلة للمعرفة ولاكتشاف موقعه في الساحة الأدبية فهنا الطامة الكبرى لما تحفل به هذه المنصات من مغالطات مدعين ومن نفاق .
استعانت الشاعرة بمثل شعبي لوصف المشهد الثقافي في الوقت الحاضر "طبيخ القرباط"، تكاثر مرعب في أعداد الكتّاب بشتى أنواع المجالات مع غياب النقد البناء وطغيان المجاملة والمحسوبيات. ووضحت أننا نحتاج لشهور من التفرغ لغربلة الغث من الرث، وهذه الفوضى شكل من أشكال مقاومة الخراب الذي سببته الحرب، وانها متفائلة بأن نحصل على بعض الزبدة من هذا المخيض.
النقد الخجول
صرحت بأن النقد بالعام غائب عن الساحة، فإن أطلّ فمروره خجول، مجامل وسطحي يفتقد للكثير من أدواته. عني شخصياً؛ سعيدة بأني لفتّ انتباه عدد من الاساتذة في سوريا وخارجها تناولوا تجربتي بالدراسة ببعض التفصيل، وقد نشرت تلك الدراسات في جرائد عدة كهيرالد الأسترالية ومجلة الرؤيا الصادرة من لندن.  
أعمالها: 
نشرت ديوانين شعريين "تفاحتي وقد سرقتُها"، و"البحر يبحث عن أزرقه" ولديها مثلهما جاهزين للنشر، لكنها لم تدفع بهما للمطبعة بعد، والعمل الأهم بالنسبة لها لم يصدر بعد.
هدفها
أن ترى أشعارها مطبوعة وقد تحقق لها هذا. وطموحها أن لا يخذلها الوحي يوماً، وأن ترسِّخ خلق بصمتها الخاصة. 
يذكر أن رماح بوبو مواليد اللاذقية، مهندسة تعمل في التعليم المهني.

[email protected]