العراق في القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي
لا قروض ميسرة من صندوق النقد الدولي، مراقبة كل التحويلات المالية من والى العراق، انخفاض عمل الشركات الاستثمارية لتعرضها الى الابتزاز.
هذه ابرز "مكاسب" العراق بعد وضعه من قبل الاتحاد الأوروبي في قائمة الدول عالية المخاطر في غسيل الأموال وتمويل الإرهاب! فكيف يمكن للعراق الخروج من هذه القائمة؟
لنبدأ من اول الحكاية.
نقول... بات الوضع في العراق مهددا بالانهيار الاقتصادي بعد ان وضعه من قبل الاتحاد الأوروبي ضمن قائمة الدول التي تفتقر الى المعايير الدولية لمنع غسيل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب.
وهذا ليس جديدا على العراق اذ سبق وان وضع الاتحاد الأوروبي العراق في هذه القائمة منذ العام 2016، وقد حاول الاتحاد الأوروبي مساعدة العراق للخروج من هذه القائمة بعد ان ساعد الاتحاد عام 2018 في رفع العقوبات التي كانت مفروضة عليه. وبدلا من ان يستفيد العراق من هذه الخطوة الإيجابية لتحسين صورته ووضعه الاقتصادي امام العالم، راح يوغل في مشاريع تشوبها الفساد اضافة الى استمرار مزاد العملة الذي يعتبره الاتحاد الأوروبي نافذة واسعة لغسيل الأموال، لذا جدد الاتحاد الأوروبي تثبيت العراق في هذه القائمة ضمن إصدارها الأخير في تموز 2020.
صحيح ان العراق تحرك دبلوماسيا في الفترة الأخيرة لرفع اسمه من هذه القائمة وذلك حينما اتصل وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين هاتفيا بنظيره الألماني هايكو ماس الذي سيترأس الاتحاد الأوروبي الأسبوع الحالي طالبا منه بذل الجهود لرفع اسم العراق من قائمة الدول عالية الخطورة في غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
لكن... مثل هذه القضايا المهمة لا يمكن حلها باتصال هاتفي كما يحدث في العراق حينما يتم اطلاق سراح مجرم باتصال هاتفي، او حينما يتم تعيين شخص ما في موقع مهم باتصال هاتفي ايضا، اذ لابد من التعامل مع هذا الملف بطريقة مهنية فهناك متطلبات محددة ومعايير ثابتة على العراق الالتزام بها قبل ان يطلب الجهات المختصة رفع اسمه من هذه القائمة.
لكن رب سائل يقول ماذا يعني وضع العراق ضمن هذه القائمة، فنقول ان ذلك لا يعني فقط وضع القيود ومراقبة التحويلات المالية من والى العراق، بل الامر يتعلق أيضا بصعوبة الحصول على منح مالية وقروض ميسرة من صندوق النقد الدولي، في وقت اصبح العراق في حاجة شديدة لمثل هذه القروض لدفع رواتب موظفيه ليس الا.
صحيح ان وزارتي الخارجية والمالية تحركتا "قليلا" لانهاء هذا الملف، الا ان المختصين يؤكدون ان هذا الملف يمكن حله من خلال البنك المركزي العراقي الذي التزم الصمت إزاء هذا الملف ولم نسمع منه أي تعليق، خاصة وان الاتحاد الأوروبي يعتبر البنك المركزي غير ملتزم بالمعايير المهنية في التعامل مع مزاد العملة الذي يسمح بغسيل الأموال بشكل كبير، اذ ان الاتحاد الأوروبي يعرف جيدا ان العراق يستورد سنويا سلعا بحوالي 60 مليار دولار، ويعرف ان حجم الاستيراد من تركيا يبلغ نحو 19 مليار دولار، ومن ايران يبلغ نحو 18 مليار دولار ومبالغ اقل بكثير يستورد بها من الصين والأردن والامارات والسعودية، لذا فان الاتحاد الأوروبي يتساءل عن بقية المبالغ التي تخرج خارج العراق بحجة الاستيراد الا انها تختفي في بنوك عربية واجنبية دون ان دخول اية سلعة مستوردة، مما يعتبر ذلك مؤشر على غسيل الأموال، خاصة وان الازمة المالية اللبنانية كشفت على وجود مليارات الدولارات ناتجة عن بيع النفط تعود لإقليم كردستان في البنوك اللبنانية دون ان تعلم بها الحكومة الاتحادية في بغداد!
وضع العراق في هذه القائمة سيقلل الكثير من الفرص الاستثمارية، خاصة وان الشركات الاستثمارية تتعرض للابتزاز متعدد الوجوه من قبل الميليشيات التي تأخذ الاتاوات من الشركات التي يعتبرها الاتحاد الأوروبي غير محمية نتيجة هذا الابتزاز.
ويمكن أيضا القول ان وضع الاتحاد الأوروبي للعراق ضمن هذه القائمة هي ليست عقوبة بقدر ما هي فرض قيود على التحويلات المالية من والى العراق مما سيعطل ذلك تدفق الأموال الضرورية لتطوير الاستثمار داخل البلد! اذ بموجب قوانين الاتحاد الأوروبي، فإن البنوك والشركات المالية الأخرى وشركات الضرائب، ملزمة بتدقيق أكثر تأنيا تجاه زبائنها الذين لهم تعاملات مع الدول المدرجة في القائمة، ونتيجة لإدراج العراق في القائمة، سيتعين على المصارف وغيرها من الكيانات المشمولة بقواعد الاتحاد الأوروبي لمكافحة غسل الأموال أن تطبق عمليات فحص متزايدة على العمليات المالية التي تشمل العملاء والمؤسسات المالية من هذه البلدان "الشديدة الخطورة" من أجل تحديد أي تدفقات "مالية مشبوهة".
ان وضع العراق ضمن هذه القائمة سيضر بسمعته المالية والسياسية بشكل كبير، كما انه سيؤثر على تصنيفه الائتماني الحالي من B- إلى C- أو C+ أو غيرها من التصنيفات الأدنى وهذا سيترتب عليه تكاليف كبيرة، حيث سيصعب على العراق الحصول على إئتمان أو قروض دولية أو من مؤسسات دولية مانحة بشروط ميسرة.
وأيضا بموجب هذا القرار الأوروبي ستكون الشروط قاسية للقرض الذي طلبه العراق ووافق عليه البرلمان من المؤسسات الدولية، ويتوقع أن ترتفع أسعار الفائدة والضمانات المطلوبة وستقل فترة السماح للتسديد، كما سيصعب على العراق جدولة ديونه، كل تلك الأمور ستترتب على خفض التصنيف الائتماني.
نقول ان مناشدات وزير الخارجية العراقي لنظيره الألماني لبذل الجهود ورفع العراق من هذه القائمة لن تجدي نفعا، اذ ان الاتحاد الأوروبي ومنذ سنوات يعد العراق أكبر بلد غاسل للأموال باتجاه الخارج، ويمكن تقدير عمليات غسل الأموال التي تمت خلال السنوات الماضي ما بين 250 إلى 350 مليار دولار تقريبا، وهذا التقريب في الأرقام يعود لعدم وجود معلومات أو شفافية.
ان على العراق اتخاذ خطوات فعلية وإيجابية اذا ما أراد الخروج من هذه القائمة، منها عليه أولا اتخاذ إجراءات فعلية باتجاه مكافحة عملية غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتبيان تقييدها للميليشيات التي يتحدثون عنها وتحييد نشاطها، اذ أن "اعتراضات" وزارة الخارجية لن تأتي بنتيجة، ما لم يتوقف مزاد العملة الذي يعتبر اكبر نافذة لتهريب وغسيل الأموال.
واذا ما أراد العراق الخروج من هذه القائمة فنستطيع القول بان هنالك متطلبات محددة ومعايير ثابتة، المطلوب من العراق ان يلتزم بها لإخراجه من هذه القائمة، فهنالك اصدارات قانونية دورية من قبل الاتحاد الأوروبي توضح هذه المعايير والمتطلبات وهذا الامر يتطلب من العراق تخصيص اشخاص مهنيين ومتخصصين لمتابعة هذا الامر والتواصل مع الجهات القانونية والمالية في الاتحاد الأوروبي ومحاورتهم بشكل تفصيلي للتعرف على هذه المتطلبات ورفع المعايير العراقية في الجوانب المالية والقانونية لكي يخرج العراق من هذه القائمة.
وقبل ذلك وكبادرة حسن نية على العراق إيقاف مزاد العملة وتحييد عمل الميليشيات التي تهدد المستثمرين وتبتزهم، والعمل بكل شفافية بمعاملاته المالية مع دول العالم، وبذلك فقط يمكن للعراق الخروج من هذه القائمة، فهل سيتمكن العراق فعل ذلك؟